الاثنين، 16 مايو 2011

امتلك جمهورية واحصل على شعب هدية

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")









"المبدأ الأول عند اللصوص، أن لا شيء يصغر على السرقة"
جيمي بريسلين صحافي ومؤلف أميركي




محمد كركوتــي


امتلك بشار الأسد الجمهورية السورية عام 2000، وارثاً البلاد عن والده حافظ الأسد الذي امتلكها على مدى ثلاثين عاماً. أراد الأب أن يكرم الابن، فمنحه الشعب السوري كهدية مع "عقد" الملكية، الذي أُريد (بل وخطط) له أن يكون أبدياً. تمت عملية التوريث، على المبدأ التسويقي المعروف "اشتر واحداً تحصل على آخر مجاناً"، مع ضرورة الإشارة هنا، إلى أن الأسد الأب لم يشتر الجمهورية، بل سرقها. فجأة وجد الأسد الابن (الذي لم يكن مطروحاً للتوريث أصلاً، لكن مقتل شقيقه الأكبر باسل، في حادث فاخر بسيارة لامبورجيني، جعله الوريث الوحيد)، مالكاً لأمة بأكملها، تماماً مثلما كان الإقطاعي في السابق يملك الأرض الزراعية ومن عليها من بشر. كان على الابن، أن ينظم ملكيته وفق المعطيات الجديدة، والتأثيرات الخارجية، وحسب المستجدات المتلاحقة أيضاً، خصوصاً وأن الشعب الذي حصل عليه كهدية، ليس ساكن التكوين، ولا جامد العدد. إنه يتزايد على مدار الساعة، مثل بقية الشعوب، تماماً كما الأرصدة المالية المتعاظمة لرجال الأعمال الجدد، الذين – كما الابن المُفاجَئ بملكيته- وجدوا أنفسهم فجأة يحملون هذا التوصيف، ويملكون ما لا يحلمون به. وقفوا يرددون العبارة المعروفة "هل نحن بحلم أم بعلم؟". وبلا جهد في العثور على جواب، "إنهم بعلم".

في مقالي السابق الذي نُشر بعنوان "سوريا.. اقتصاد الفقر أو ما دونه"، أشرت إلى أن البلاد مرت باقتصادين اثنين، الأول اقتصاد التفقير في عهد الأب، والثاني اقتصاد الفقر في عهد الابن. وأبقى في عهد الابن المتداعي، للحديث عن أن سوريا انتقلت من "اقتصاد ما دون الفقر" إلى "اقتصاد التشبيح". وهو مشتق من شبيح، وجمعه "الشبيحة" التي هي التعبير المرادف لـ "البلطجية" في مصر، و"البلاطجة" في اليمن، و"المرتزقة" في ليبيا. والحقيقة أن كل هذه المرادفات تجتمع تحت سقف التوصيف الأشمل وهو "قُطاع الطرق"، وهو بدوره المرادف الأقرب لـ "المافيا" في العصر الحديث. فكل شبيح وبلطجي ومرتزق، هو في الواقع آل كابون، مع فارق واحد، وهو أن هذا الأخير كان يسرق من الأمة، بينما الآخر سرق الأمة نفسها! أي أن هناك بعض النقاط الإيجابية لزعيم المافيا الشهير يمكن أن تُحسب له، مقارنة بزملائه في سوريا.

اقتصاد التشبيح هذا، يمكن تعريفه بأنه "يقوم على سرقة المال العام والخاص، وامتلاك عدد محدود جداً من الأشخاص، لمقدرات البلاد بما في ذلك المستقبلية منها، من خلال عمليات الترهيب لا الترغيب، باستخدام وسائل حديثة، لتطبيق قوانين الخارجين عن القانون". مرة أخرى هو اختصاراً "اقتصاد قُطاع الطرق"، ولكن بدون أقنعة. فعندما تمتلك القوة المطلقة، لا يعود للأقنعة أي معنى، بل على العكس تماماً، تعطي الانطباع بأنها من رموز الضعف. لا يقوم اقتصاد التشبيح إلا على الشبيحة، وكلما كان هؤلاء قريبون ومقربون من مالك الجمهورية والشعب، كلما كانت هناك أدوات قوية لاستمراره أطول فترة ممكنة، ولا أقول إلى الأبد (على وزن قائدنا إلى الأبد "الأمين" حافظ الأسد)، لأننا نعلم من التاريخ، أنه لم يظهر دخيل أو طاغية أو سارق استطاع أن يمتلك شعباً بأكمله بالخوف والقوة والسلاح إلى الأبد. ومن أشد المخاطر التي تهدد اقتصاد التشبيح، أن تتوسع دائرة الشبيحة. ولذلك فقد ظل الاقتصاد في سوريا، حكراً على عدد من أسرة القائد "المُلهَم"، ومن بعض الأسر المرتبطة بصلة الدم، وعدد محدود جداً من الأسر، التي تؤمن بصورة مذهلة، بأن سوريا أصغر من أن يحكمها "المُلهَم".

لنلق نظرة على هويات الأسر التي يقوم عليها هذا النوع من الاقتصاد المريع. الأسد، مخلوف، الأخرس، طلاس، شوكت، شاليش، حيدر. ولا بأس بعدد قليل جداً من الأسر التي ساهمت في مرحلتي اقتصاد التفقير وما دون الفقر، وذلك لإعطاء الصورة أكبر قدر ممكن من الشمولية. ولم تشمل قائمة الأسر عائلة عبد الحليم خدام نائب الرئيس المنشق، فقد كانت هذه الأسرة فاعلة من مرحلة اقتصاد التفقير فقط، وفترة قصيرة من مرحلة اقتصاد ما دون الفقر. ولأن هناك نخبة حتى ضمن نخبة اقتصاد التشبيح، فقد تصدرت عائلة الأسد المشهد كاملاً، من خلال رامي مخلوف (ابن خال بشار الأسد)، الذي يسيطر على 60 في المائة من الحجم الكلي للاقتصاد السوري، والذي يعتبر "مصرفي" العائلة الحاكمة. ولذلك لم يكن مستغرباً أن تكون أولى صحيات الانتفاضة السورية التي تحولت إلى ثورة حقيقية، هي عزل مخلوف ومحاكمته على سرقاته، وكان المشهد بليغاً في مدينة اللاذقية –على سبيل المثال- التي ترزح تحت أكبر حصار أمني وعسكري صامت، عندما قام المنتفضون، بإحراق أحد فروع شركة " سيرياتيل" للاتصالات الخليوية المملوكة لمخلوف، في الأيام الأولى للانتفاضة. ماذا يقول "مصرفي" العائلة الحاكمة: "إن الهجوم الذي أتعرض له، ليس سوى غيرة من نجاحاتي"! وهل يستطيع أن يقول غير ذلك؟

ولم يجد رامي مخلوف –مثلاً- غضاضة في أن يتحدث عن وحدة الأسرة وأهميتها حين قال في حواره الشهير مع جريدة "نيويورك تايمز" الأميركية: "إن النخبة الحاكمة في سوريا تكاتفت أكثر بعد الأزمة، وعلى الرغم من أن الكلمة الأخيرة هي للأسد، إلاّ أنه يتم وضع السياسات بـقرار مشترك". وعلى طريقة تحليل رؤساء العصابات للأوضاع، عندما يتعرضون للمخاطر الحتمية، يقول مخلوف: "نؤمن بأنه لا استمرارية من دون وحدة. وكل شخص منّا يعرف أننا لا يمكن أن نستمر من دون أن نكون موحّدين. لن نخرج ولن نترك مركبنا ونقامر. سنجلس هنا. نعتبرها معركة حتى النهاية. يجب أن يعلموا أننا حين نعاني، لن نعاني لوحدنا"! إنه بلا شك تهديد واضح لأمة بأكملها، تتطابق مع التهديدات التي أطلقها سفاح ليبيا معمر القذافي وأبنائه ضد الشعب الليبي. لن أتناول هنا، استجداء مخلوف لإسرائيل عندما قال :"إن استقرارها هو من استقرار الوضع في سوريا". فهذا لوحده يحسم الأوهام التي نشرها الأسد الأب والابن، في أوساط السوريين والعرب، وبعض من العالم، بأن سوريا تمثل قلعة الصمود ضد الدولة العبرية.

إذا أردنا أن نحدد بؤر السيطرة على الاقتصاد السوري من خلال اقتصاد التشبيح، نصل إلى النتيجة التالية: 60 في المائة للأسرة الحاكمة-المالكة بإدارة رامي مخلوف، 20 في المائة للأسر المرتبطة معها بروابط الدم، 15 في المائة للأسر المقربة، 5 في المائة لأولئك الذين كانوا قبل اقتصادات التفقير والفقر وما دونه والتشبيح، من الرأسمالية الوطنية، التي ارتضت بأي شيء لكي تستمر، وهي في الواقع تقوم –بإرادتها- بعمليات بائسة لتجميل الصورة القبيحة.

في أحد الحوارات التلفزيونية التي أُجريت معي مؤخراً حول الوضع المتداعي في سوريا، وجهت المذيعة إلي سؤالاً جاء على الشكل التالي: "لماذا لا يعطي السوريون الأسد فرصة لمحاربة الفساد، لاسيما وأنه تعهد بمحاربته في خطابه الأول الذي تلا الثورة عليه؟"، وكان جوابي، أن ذلك يشبه أن يُكَلف آل كابون بمهمة محاربة الجريمة المنظمة في الولايات المتحدة الأميركية. إن أول ضحية للحرب على الفساد، ستكون بالتأكيد العائلة الحاكمة- المالكة لسوريا والسوريين.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق