الاثنين، 23 مايو 2011

"إكرامية" الممانعة 40 مليار دولار

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")











"اللصوص الكبار يقودون مسيرة اللصوص الصغار"
ديوجين فيلسوف إغريقي

 
محمد كركوتــي
 
كما هي الأموال المنهوبة على أيدي النظامين المخلوعين في تونس ومصر، والنظام (أو لا النظام) الليبي السائر نحو الخلع بخطوات واضحة المعالم، كذلك الأموال التي سرقها نظام الأسد الاب والابن، على مدى 41 عاماً، لا أحد يستطيع أن يحدد حجمها، وإن كان بالإمكان الوصول إلى حجم تقريبي لها، على أساس استعراض آليات النهب والفترات الزمنية لعمليات السرقة، والقطاعات التي أنتجت هذه الأموال. والحقيقة أن هذا النوع من الأموال، لا يعرف حجمه التفصيلي حتى السارقون أنفسهم، كما أنه لا يعرف استقراراً، لكي يتسنى لمن يريد تعقبها، القيام بجدولتها للوصول إلى الحجم الحقيقي لها. فاللصوص الذين يعرفون كيف يسرقون بلاداً بأكملها بشعوبها ومقدراتها، هم أكثر الخبراء قاطبة براعة في إخفاء ما يريدون إخفائه من مسروقاتهم، ويعرفون أيضاً أفضل الأماكن لتكديس الأموال، من "تحت البلاطة" إلى سندات حكومية في قلب الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من البلدان التي تبيع سنداتها، ومن خزائن تختفي خلف رفوف من الكتب الأخلاقية والعلمية والأدبية، إلى أسهم في أكبر الشركات والمؤسسات العالمية، ومن جيوب لا منافذ لها، إلى استثمارات في دول تحكمها أشد القوانين الاستثمارية نزاهة. لقد أثبتت الفضائح القليلة التي فاحت حول جزء من الأموال المنهوبة، أنه لا فرق بين دولة مارقة تستقطب الأموال القذرة، وبين دولة راشدة "تدقق" في مصادر الأموال "المسكوبة" فيها، وتسن القوانين "الثورية" لملاحقتها! وهنا تتساوى "شبه دولة" كـ إمارة ليختنشتاين ودويلة مثل كايمن آيلاند وجزر متناثرة كـ موريشيوس، مع دول كبرى كبريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا! لا أتحدث هنا عن الأموال الملوثة بكل شيء عدا النزاهة (وهذه تقدر بأرقام خيالية)، بل أتناول الأموال التي اقتنصت قسراً من الشعوب مباشرة، ولا تقل هولاً من حيث حجمها عن الأولى. بل أن بعض الثانية يمتزج في بعض الأولى.

ولأن أحداً لن يستطيع تحديد حجم الأموال المنهوبة من الشعوب، على الأقل في المرحلة الراهنة، فإن التقديرات المتفق عليها، أن بن علي وأسرته نهبوا 40 مليار دولار أمريكي، كمكافأة نهاية الخدمة، ومبارك وعائلته ''كوشوا'' على 70 مليار دولار كـ ''أتعاب'' رئاسة، وسفاح ليبيا نفح نفسه وأولاده وزوجته المفضلة بـ 120 مليار دولار، كـ ''أجرة'' على قيادة الثورة! أما "قائد" الممانعة والمقاومة والعروبة بشار الأسد وقبله والده حافظ، فقد حصل حتى الآن على ما بين 30 و40 مليار دولار، كـ "إكرامية" لـ "قيادته" سفينة القومية! وحرصاً على النزاهة في الطرح، فهذه الأرقام الفلكية في بلد كسوريا، اتفقت حولها جهات معارضة للسلطة، مع بعض المؤسسات التي لا يربطها بسوريا ولاء أو معارضة. ويرى البعض أن 30 أو 40 مليار دولار، هو أقل مما قد تكون الأسرة الحاكمة-المالكة في سوريا، قد جمعته على مدى أكثر من أربعة عقود. مستندين في ذلك إلى أن محمد مخلوف خال الأسد الابن، تمكن من تكديس ما بين 12 و15 مليار دولار. فإذا كان الخال لوحده اقتنص هذا الكم الهائل من الأموال، فهل تكون أموال "قائد" الممانعة، إلا ضعف أو ربما أضعاف هذه المبالغ؟ وهل تكون أموال مخلوف مثلاً، أكثر من أموال الأخ الأقوى السيء الصيت والسمعة ماهر الأسد؟ أو الصهر العنيف آصف شوكت أو أبناء أعمام "القائد"؟ وإذا تمكن نائب الرئيس السابق رفعت شقيق حافظ الأسد وبطل مجازر حماة وحلب في الثمانينات، قد خرج من سوريا في منتصف العقد الثامن من القرن الماضي، بـ "مكافأة" نهاية خدمة بلغت 3 مليار دولار، عندما كانت سوريا تعيش اقتصاد التفقير، فهل يعقل أن تكون ثروة "قائد" المقاومة أقل من عشرة أضعاف في ظل "اقتصاد التشبيح"؟! مهلاً.. مهلاً، كيف ينسى المتابعون للأموال التي نهبها عدي وقصي نجلا الرئيس العراقي "المغوار" صدام حسين، وقاما بتهريبها إلى سوريا؟ هذه لوحدها، ثروة منهوبة مرتين، من الشعب العراقي ومن ناهبيها الأصليين!

الأسئلة في هذا المجال كثيرة، طالما أنه لا توجد لوائح وبيانات لحسابات الناهبين. فالكشف يعني ببساطة الإدانة الفورية لهم. فكيف يمكنهم أن يورطوا أنفسهم بكشوفات؟ لكن السؤال الذي يُطرح، بعيداً عن حجم المسروقات هو: أين تتكدس الأموال السورية المنهوبة بما في ذلك الجانب العراقي منها؟ الجميع يعلم أن قيام الولايات المتحدة بتجميد أرصدة الأسد الابن وأعوانه كنوع من العقاب على قتل شعبه بدم بارد، لا قيمة لها من الناحية العملية. لها قيمة رمزية فقط. وكذلك الأمر مع الخطوة الأوروبية. لماذا؟ لأن جزءاً كبيراً من الأموال المنهوبة تم نقلها في العام 2005 من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، استباقاً لأي خطوة دولية باتجاه تجميد الأرصدة. وقبل أن تجمد وزارة الخزانة الأميركية في العام 2008 أموال رامي مخلوف ابن خال الأسد الابن و"مصرفي" العائلة الحاكمة-المالكة، كانت الأموال السورية المنهوبة، قد سُحبت من البلدان التي يمكن للولايات المتحدة أن تؤثر عليها. مرة أخرى لا تأثيرات حقيقية للقرارات الأميركية والأوروبية على الأموال المسروقة. وكانت سخرية مخلوف من هذه القرارات مفهومة. والشيء نفسه ينطبق على القرارات المماثلة بحق آصف شوكت صهر رئيس السلطة السورية، ومحمد ناصيف وغيرهما من أولئك الذين دارت حولهم الشبهات بتورطهم المباشر في عملية اغتيال الحريري.

نُقلت الأموال إلى أشباه الدول والدويلات وعدد من الدول العربية، فضلاً عن بعض الدول الآسيوية التي لا تزال فيها مساحات للاحتيال على القانون الدولي، لاسيما بعد أن شددت الدول الكبرى، في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية الإجراءات الخاصة بالأموال المنهوبة والقذرة الباحثة عن "مصابغ" لتنظيفها. بالإضافة إلى ذلك، فقد تجمع جزءاً لا بأس به من الأموال المنهوبة في سوريا، طبعاً دون أي أثر إيجابي لها على الاقتصاد الوطني، الذي استطاع رامي مخلوف (البالغ من العمر 35 سنة) لوحده أن يسيطر على 60 في المائة منه. وربما تكفي الإشارة هنا، إلى أن الدخل السنوي لمخلوف من الأسواق الحرة وعمليات التهريب يصل إلى 500 مليون دولار أميركي، وهذه مبالغ ضائعة من خزينة الدولة. يضاف إلى ذلك، الأموال التي نُهبت على مدى عقود من جراء "وحدة الفساد والسرقة" اللبنانية-السورية، عندما كانت دمشق تقرر المصير اليومي للبنان. ووفق هذه التداعيات الدرامية المالية، سيكون من الصعب على الشعب السوري استعادة أمواله المنهوبة، حتى لو أُطلقت ملاحقات محلية وإقليمية ودولية للسارقين. والأمر لا يختلف كثيراً في بلدان مشابهة أو متطابقة مع سوريا.

وضعت الثورات التي شهدتها تونس ومصر، وتشهدها ليبيا وسوريا، قضايا الأموال المنهوبة في عين الأضواء. وهذا أمر طبيعي. فالطغاة يحسبون أنهم يمتلكون شعوبهم، فما الذي يمنعهم من امتلاك أموال الشعوب ومقدراتها أيضاً؟ ولكن السؤال الأهم هو: هل يستطيع السوريون ومعهم أشقائهم المصريين والتونسيين والليبيين، استرجاع أموالهم المنهوبة؟ وللتذكير –حسب التقديرات المتداولة- يصل حجم الأموال التي نُهبت من هذه الشعوب إلى 440 مليار دولار أميركي. دون أن نضيف الخراب الذي خلفه الناهبون في بلدانهم.

لا شيء يمكن أن يُعبر عن هذا المشهد الذي يدعو إلى الغثيان، سوى الذهول. وأعود إلى الجانب السوري. فالمعركة المقبلة أمام كل السوريين الآن، هي انتزاع حقوقهم المالية والمعيشية المسروقة، بعد أن يتنزعوا كرامة، أراد لها "قائدا" الممانعة الأول والثاني الزوال إلى الأبد، عن طريق الشعار البائس والمشين والمريع (قائدنا إلى الأبد "الأمين" حافظ الأسد).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق