الثلاثاء، 8 أكتوبر 2013

موازنة أمريكية برئيس مضطرب

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")










«البيت الأبيض أفخر السجون في العالم»
هاري ترومان الرئيس الأمريكي الأسبق




كتب: محمد كركوتـــي


ليس هناك أدنى شك في أن الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي، يلعبون حزبيًّا مع الرئيس باراك أوباما في قضية ليست أقل من محورية. قضية تمس أمريكا محليًّا وخارجيًّا. وإذا ما استمرت دون حلول فستمس العالم أجمع. هذا هو ''الداء'' الأمريكي العالمي الذي لا دواء له بعد. يقول الأديب الأمريكي مارك توين: ''كان اكتشاف أمريكا عظيمًا، لكن سيكون عدم اكتشافها أعظم''. ورغم الفشل في العثور على حل للموازنة الفيدرالية العامة، لا خوف على ريادة الولايات المتحدة في العالم. وإذا كان هناك من ''خوف'' فهو يختص بـ ''مديري'' هذه الريادة. في البيت الأبيض، إدارة مضطربة على الصعيدين المحلي والخارجي، أضاعت نفسها (بإرادتها) في تقديرها للأولويات. في هذا البيت (المحكوم جزئيًّا - لا كليًّا - بإدارته)، رئيس ارتضى أن يكون ضعيفًا. والرئيس الضعيف هو في الواقع مُصَرِّفٌ للأعمال، لا واضع للسياسات، لكنه – يا للمفارقة - أخفق حتى في تصريف الأعمال! إلى درجة، أن توقف بعض الدول الفيدرالية نفسها!
الجمهوريون يلعبون حزبيًّا. هذا واقع، لكن اللاعب المقابل، لم يتمكن بعد خمس سنوات في حكم البلاد من تحسين أدواته هو للعب في الوقت الصحيح. لقد كان طوال السنوات الماضية رئيسًا مفرطًا في شرح أشياء لا يقوم بها، مما جعله محللًا بوظيفة رئيس الولايات المتحدة! ورغم إعلانه بأنه يريد التركيز على الشأن الداخلي، هذا هو ناتج ''التركيز'': شلل أقل من مريع وأكثر من خطير، لبعض مؤسسات الدولة! ومن ضمن المشاكل التي يواجهها أوباما، أنه يرفض التحاور مع الفريق الآخر. والحق أنه أصاب في هذا الأمر فقط. لماذا؟ لأن ناتج التحاور مع افتقاره إلى أدوات اللعب، لن يكون إلا في مصلحة الفريق الآخر. وإذا ما أضيفت الخلافات المستمرة داخل إدارة أوباما نفسها، إلى المشهد العام، فسيمكن التنبؤ ببساطة بالمحصلة النهائية لأي حوار. والأمر برمته لا يحتاج إلى خبير في شؤون الجمهوريين والديمقراطيين. فأوباما ضعيف في البيت وخارجه.
مهما بلغ تعنُّت الحزب الجمهوري في مسألة تمرير مشروع الموازنة الفيدرالية العامة، إلا أنهم في النهاية سيتوصلون إلى حل ما مع البيت الأبيض. فهم يعرفون أنهم لا يستطيعون التعطيل إلى ما لا نهاية، خصوصًا عندما تبدأ آثار هذا التعطيل تضرب مؤسسات حساسة انتخابيًّا بحكم روابطها الوطنية الشعبية المباشرة. ويبدو أن الرئيس الأمريكي المضطرب، نسي ما قرأه عن سلفه الديمقراطي فرانكلين روزفلت الذي قال ''عندما تصل إلى نهاية الخيط، اربط عقدة وتوقف''. فالقضية لا تحل بالعناد، خصوصًا إذا ما كان العناد بلا قوة ضاربة. يراهن أوباما في رفضه التحاور مع الجمهوريين على إحراج هؤلاء شعبيًّا، على أمل أن يتولد الضغط الذي يتمناه عليهم. غير أن الأمور لا تجري هكذا في الولايات المتحدة. فالتفاهم بين البيت الأبيض والكونجرس ليس خيارًا للإدارة. وهو في النهاية سيقبل بالحلول الوسط، بعد أن يذهب عناده هباء منثورًا. صحيح أن الجمهوريين يتحملون مسؤولية تعطيل المؤسسات، لكن الصحيح أيضًا أن الرئيس يساهم في إطالة أمد التعطيل.
الموعد الأهم، لم يعد لقاء للتحاور بين الجمهوريين والبيت الأبيض، بل في الـ 17 من الشهر الجاري، عندما يحين الوقت المنتظر لرفع سقف الدين. فالديون الحكومية بلغت – كما هو معروف - 16,7 تريليون دولار. وهذا يعني أن الولايات المتحدة، لن تكون قادرة على سداد ديونها، إذا ما تم التعطيل أيضًا. وهذه المصيبة إلى جانب مصيبة الموازنة، سترفع من مستوى الاضطراب الذي يعيشه أوباما (مرة أخرى بإرادته). عليه التوصل إلى تفاهم ما، بحلول الموعد ''الخطير''، حول معارضة الجمهوريين لقانون الرعاية الصحية. وهذا القانون بالتحديد يمثل حجر الزاوية لمواقف الحزب الجمهوري، الذي يخضع في النهاية لمجموعة نافذة من المحافظين المتطرفين. والصراع مع هؤلاء حول القانون بدأ في الواقع في عهد الرئيس الأسبق بيل كلنتون، الذي كان أكثر جدارة وقدرة على ''اللعب'' مع الجمهوريين وغيرهم.
ليس مهمًّا إلغاء أوباما زياراته لعدد من الدول الآسيوية، والمشاركة في منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (آبيك)، وإن استغل هذا الأمر للتأكيد على بشاعة موقف الحزب الجمهوري من الموازنة. المهم أن يؤمن اتفاقًا ما مع الحزب المعارض، في غضون أسبوع تقريبًا، هي المدة المتبقية لتقرير مصير رفع سقف الدين، وهو يحتاج إلى رفع السقف بواقع 30 مليار دولار، ليتمكن من اقتراض هذا المبلغ بما يتيح له تسيير شؤون البلاد، والوفاء بالالتزامات على الحكومة. ومن دون ذلك، فإن المستوى الائتماني للبلاد سيهتز، مع انضمام مزيد من المؤسسات إلى قائمة الجهات المتعطلة.
الجمهوريون ليسوا أبرياء، ولم يكونوا كذلك سابقًا. لقد وجدوا الوقت المناسب لتمرير ما يستطيعون من سياسات اقتصادية، مستغلين اضطرابا واضحا للرئيس على الصعيدين الداخلي والخارجي. وهم في النهاية، لن يتركوا البلاد تتقاذفها أمواج الاقتصاد. دون أن ننسى استمتاعهم الشديد بذل رئيس، تخصص في شرح الأشياء، التي لا يقوم بها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق