الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012

الأسد وخامنئي .. من الحب ما سيقتل

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



''الوقوع في الخراب يشبه إلى حد ما الوقوع في الحب. الاثنان يتركانك عاريًا، ويوصلانك إلى الحضيض، والنهاية مؤلمة على حد سواء''
جيسيكا رولي وورد، أديبة أمريكية

كتب: محمد كركوتـــي
أصوات الإيرانيين ترتفع في وجه علي خامنئي مرشد ''ثورتهم''، لا.. بل آخذة بجمع أدواتها التمردية، مستعيدة شيئًا فشيئًا تلك التي فقدوها في عام 2009. هذه الأصوات لا دخل لها بالثورة، وبالتالي لا ارتباط لها في تصديرها أو تخزينها أو بيعها في سوق التجزئة أو الجملة.. أو حتى احتكارها. ولا علاقة (أيضًا) لها بما ستكون، بعد أن فقد الإيرانيون الاهتمام بما كانت. إنها أصوات واضحة ليست في حاجة إلى الخَيَّام أو حتى المتنبي (شخصيًّا)، لصياغة مفرداتها. هذه الأصوات، تختصرها جملة واحدة ''توقف- يا خامنئي- عن مد سفاح سورية بشار الأسد اقتصاديًّا وماليًّا، لكي نخفف من مآسينا الاقتصادية''. فكلما ازدادت المصاعب والمصائب المعيشية على الإيرانيين، مع تنوع وتجدد العقوبات الغربية المفروضة على بلادهم، زاد حنقهم وغضبهم على قيادتهم، التي أقسمت على نجدة الأسد، بصرف النظر عن أي اعتبارات. إنه الحب القاتل بين التابع والمتبوع، مشمول ''باستثمارات'' طائفية مشينة، يبدو أن خامنئي وعد المهدي التائه، وفي طريقه، أرسل وعدًا لروح الخميني، بأنه لن يتخلى عن ذلك السفاح، الذي ارتبط مصيره بمصير النظام القائم في إيران نفسها.
يقول رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ونستون تشرتشل: ''هناك رجال يستمدون تمجيدًا صارمًا من الكوارث والخراب. على عكس أولئك الذين يستمدون المجد من النجاح''. علي خامنئي، كان من أولئك أصحاب ''المجد'' بدافع تخريبي. ولكن حتى هذه الحالة المريعة، بدأت بالأفول. فقد عرف الإيرانيون أن المجد يصنعه الناجحون، بعد أن واجهوا الحقيقة، أو بعد أن اعترفوا لأنفسهم، بحتمية مواجهة الواقع. نقول الواقع؟ نعم. لقد أظهرت الأرقام والبيانات الواقعية الرسمية الخاصة بحالة الاقتصاد الإيراني، أنه على وشك الانهيار. بل إن الوثائق الحكومية التي تم تسريبها، تؤكد أن نظام خامنئي لن يتمكن حتى من تسديد فواتير الواردات الحيوية في غضون الأشهر القليلة المقبلة. والواردات الحيوية، هي كل ما يحتاج إليه الفرد الإيراني في معيشته اليومية. وطبقًا للوثائق نفسها، فإن ما يعلنه المسؤولون الإيرانيون، من أن احتياطي النقد الأجنبي للبلاد يصل إلى 110 مليارات دولار أمريكي، هو في الواقع 85 مليار دولار، منها 25 مليار دولار مجمدة في حسابات مصرفية خارجية. وهذا يعني أن السيولة المتوافرة لن تغطي أكثر من ستة أشهر.
ومع أكثر من 10 مليارات دولار وصلت للأسد في أعقاب الثورة الشعبية العارمة الماضية إلى القضاء عليه، وإلى جانب أكثر من 20 طنًا من الذهب الإيراني تم تخزينها في البنك المركزي ''السوري'' لإنقاذ الليرة السورية. ومع الإمدادات النفطية المختلفة، وغيرها من الإمدادات العسكرية، فإن الثروة الإيرانية تتآكل، مع ماذا؟ مع التآكل المطرد للثورة في إيران. ورغم ذلك، لا يزال خامنئي وفيًّا لواحد من أسوأ من حكموا في التاريخ الحديث. وهو في الواقع، وفيٌّ لأوهام ''ثورة'' إيرانية، أرادوها متعددة الجنسيات، وعابرة للقارات إن أمكن. الذي يحدث أن هذه ''الثورة'' باتت غير ثابتة في بلد المنشأ نفسه، وأصبحت الاحتياجات المعيشية للشعب الإيراني على رأس الألويات، بل لِنَقُلِ الأولوية الوحيدة.
وباستثناء النقاش الذي يجري حاليًّا على مستوى صناع القرار في إيران، حول استعادة الذهب من عند الأسد، أو على الأقل إرجاع بعضه (ربما قبل أن يسرقه ويفر)، لا يزال خامنئي ملتزمًا بما أعلنه رسميًّا هو وأعوانه، بأن الحرب ضد سفاح سورية، هي حرب ضد إيران نفسها، بصرف النظر عن فشله في استكمال حملة تسويقه لهذه ''المتلازمة'' على الصعيد الداخلي. لم ينتبه مرشد ''الثورة'' بَعْدُ إلى أن المواد الأساسية للبيت الإيراني البسيط باتت تُشترى بالدولار الأمريكي، وأن التجار يرفعون الأسعار على مبدأ الاقتصادي آدم سميث، الذي يمكن أن يُلَّخص بالعامية ''كل واحد يشتغل في السوق على كيفه''. وهذا المبدأ بالتحديد دمر أنظمة سياسية أكثر شعبية وشرعية ورصانة وحكمة ورقابة من نظام خامنئي. المخارج تُقفل الواحد تلو الآخر في وجه ''حبيب الأسد''، والعقوبات المتجددة على إيران بدأت تنال حتى من الأطراف الدولية والإقليمية المتخصصة في الاحتيال السياسي والاقتصادي، وفي مقدمتها حكومة المالكي ''الإيرانية'' في العراق. وليس هناك بارقة أمل لتخفيف الحصار المفروض على إيران؛ لأن خامنئي لا يزال يؤمن بأن الانتصار على المنطق آتٍ لا محالة، بل إن بشار الأسد سينجو من الثورة الشعبية التي لن تتوقف حتى تنهيه.
وإذا لم يُعِد خامنئي النظر في ''مسلماته الوهمية''، سترتفع الأصوات وستتبدل الكلمات. لن تكون ''أوقف مد الأسد بالمال وحول الأموال لشعبك''، بل ''لن نتوقف حتى ننتهي من نظامك''.. إنه ''المسؤول الوحيد عن المصائب التي نعيشها، والأوهام التي تعتقدها حقائق''. وكأنهم يقولون: كيف يمكن تصدير ثورة لا يضمن مصدروها قوت غدهم؟! بل كيف بالإمكان توفير الحماية لنظام (أيًّا كان)، من حامٍ لا يجد ما يدافع به عن نفسه؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق