الثلاثاء، 6 نوفمبر 2012

الغرب ضد الأسد اقتصادياً بالنقاط لا بالضربة القاضية

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




«نحن لا نأخذ الصورة الأشمل للعقوبات. ينبغي لنا النظر إلى كل شركة لمعرفة إذا ما كانت العقوبات، مساعدة أم مؤذية».
روبرت بوزين اقتصادي أمريكي


كتب: محمد كركوتـــي

مع كل جولة من العقوبات الاقتصادية التي يرفضها الغرب (وخاصة الاتحاد الأوروبي) على نظام سفاح سورية بشار الأسد، يظهر السؤال التقليدي. إلى أي مدى تؤثر هذه العقوبات على الأسد؟ يستتبعه سؤال آخر، ما مدى الأضرار التي يتعرض لها السوريون من جراء هذه العقوبات؟ وعلى الرغم من أن التجارب السابقة المشابهة، تحمل معها أجوبة مناسبة، وفي كثير من الأحيان متطابقة، إلا أن الحالة السورية (كما الثورة السورية) تمثل استثناء، من جراء روابطها، وتداخلاتها، وسلوكيات (ونيات) تجسد أحد مبادئ وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، الذي يرى ألا تنتصر أو تنهزم أمم بعينها. الأمر الذي يترك مجالاً منطقياً، لمن يرغب بالتأكيد على أنه لا يُراد للثورة السورية الشعبية العارمة أن تحقق نصرها أو تنهزم. وهو ما يسهم في تكريس الاعتقاد السائد في الشارع السوري (والعربي أيضاً)، بـ ''الرابط الإسرائيلي''.
وبعيداً عن هذا الجانب، بمراراته وظنونه وحقائقه. فالسؤال الذي يُطرح مع كل جولة جديدة من العقوبات، يستحق الاهتمام والإجابة، بصرف النظر عن تكراره بصيغته الواحدة. لم تقض العقوبات على نظام في التاريخ. فكيف الحال بعصابة اغتصبت سورية أكثر من أربعة عقود، وتسعى الآن إلى أن يتحول ''جسد'' البلاد إلى أشلاء، في سياق اعتمادها القتل المؤدي إلى نشر أكبر عدد من أعضاء الضحية الواحدة. إنها حرب إبادة، بعنوان فرعي ''حرب لإنتاج الأشلاء''. التجارب السابقة، أثبتت أن الناتج المأمول من العقوبات التي تُفرض على نظام، أكبر بكثير من ناتجها على عصابة. فهذه الأخيرة تتمتع دائماً بـ''أفضلية'' امتلاكها لأهداف مجهولة يصعب استهدافها. وهذه حقيقة، تفرض على فارض العقوبات أن ينفذها بسلوكيات وآليات العصابات، لا الأنظمة، وتحتم عليه (لكي يحقق هدفه)، أن يبحث في المجهول لا المعلوم فقط، وأن يمر على قنوات تبدو بريئة. خصوصاً أن العقوبات، مهما كانت ''ذكية'' ومُحكمة ومتطورة، تتحول إلى ''غبية'' وفوضوية ومتخلفة، إذا ما طال أمدها. وعندما نقول: طال أمدها، يعني أن أمد النظام-العصابة طال أيضاً. وهذا يجيب على السؤال الثاني، المرتبط بأضرار العقوبات على الشعب السوري، التي يفترض أنها أُطلقت من أجله، لا ضده!
صارت جولات العقوبات الاقتصادية الأوروبية و(الأمريكية) على الأسد، مثل مباريات الملاكمة التي تنتهي بالنقاط لا بالضربة القاضية. ورغم تنوعها وتعدد جولاتها، لم يُخضِعها المعاقِبون لمعايير الجودة، وإن أخضعوها لشيء من معايير ''الذكاء''. والحق، أن هذه الجولات بدأت تُظهِر الغرب، على أنه ''يعتذر'' من خلالها بطريقة غير مباشرة، عن تقاعسه في التحرك غير الاقتصادي، والمساهمة في تعجيل زوال نظام وحشي، ليس لمصلحة الشعب السوري فقط، ولكن لفائدة الإنسانية نفسها، بصرف النظر عن المبررات الإجرائية، التي لم تعد تقنع أحداً، خصوصاً إذا ما استعرضنا سوابق مشابهة لم تخضع لمثل هذه المبررات أبداً. ومن الجوانب السلبية في فرض هذه العقوبات، أنها تأتي تدريجياً، مما يوفر لبشار الأسد (وأعوانه وبعض الدول المارقة الحالمة ببقائه) مساحة زمنية ليس فقط للالتفاف حول العقوبات، بل لتأمين المؤسسات والشركات والكيانات التي يمكن أن تُستهدف لاحقاً، فضلاً عن أفراد سوريين وأجانب.
فعلى سبيل المثال، ضمت الجولة العشرون من العقوبات الأوروبية التي أُطلقت في الشهر الماضي، 28 فرداً جديداً من السوريين الذين يمدون الأسد بالتمويل المالي المطلوب لاستكمال حرب الإبادة على الشعب السوري. وأسماء هؤلاء ليست مجهولة تماماً، وكان من الأجدى أن تكون ضمن الجولات الأولى التي فرضها الأوروبيون، وكذلك الأمر بالنسبة لرحلات شركة الطيران ''السورية'' التي مُنعت من الهبوط في المطارات الأوروبية. وهي شركة كبقية الشركات والمؤسسات في سورية، ليست سورية، بل ملكية خاصة للأسد وأعوانه. وهذا الأمر لا يحتاج إلى تحقيقات ومعلومات استخباراتية للتأكد من ذلك. ولا يزال هناك ما لا يقل عن 100 اسم، يمكن فرض العقوبات المباشرة على أصحابها فوراً، ودون الحاجة إلى انتظار جولات جديدة، إلى جانب عدد آخر من الكيانات الاقتصادية داخل سورية. هذا طبعاً، إضافة إلى بعض المؤسسات والشركات غير السورية (إيرانية وعراقية ولبنانية وفنزويلية، وروسية.. وحتى زيمبابوية)، التي توفر للأسد وأعوانه، تسهيلات وأدوات مبتكرة للاحتيال على العقوبات.
إن العقوبات ''الذكية'' التي يسعى الغرب (عموماً) إلى فرضها على جولاته، لن تحقق الأهداف المرجوة منها. ولن ينفع مع نظام-عصابة كهذا، إلا حصار اقتصادي شامل، يحرمه من النفاذ إلى هيكلية العقوبات والاحتيال عليها والالتفاف حولها، خصوصاً في ظل وجود أعوان له، ليس فقط على حدود سورية، بل وعلى مسافات أبعد منها. هذا الحصار، سيزيل بصورة أكبر اللوم الواقع على الغرب من جراء تقاعسه، واختبائه وراء حجج لا يقتنع بها من يطلقها، ويتعاطى معها كـ ''حبل إنقاذ'' من نقمة التاريخ والإنسانية. إن حسم نهاية الأسد، لن ينجز على مراحل، ولا عبر عقوبات تدريجية.. بل ولا حتى من خلال حصار اقتصادي شامل. المهم أن يبتعد الراغبون بالمساهمة في نصرة الإنسانية، عن متاهات السياسة وأروقتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق