السبت، 11 فبراير 2012

عقوبات اقتصادية عربية رداً على الفيتو

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



"كل طاغية هو عدو للحرية، وغريم للقانون"
ديموستيني رجل دولة إغريقي

 
كتب: محمد كركوتـــــي
 
جُرد مشروع القرار العربي في مجلس الأمن الدولي، الخاص بإيقاف بشار الأسد وأعوانه عن قتل السوريين العزل، من كل أدواته، ورغم ذلك وجدت روسيا ومعها الصين، أن "أسنان" القرار لا تزال حادة على نظام لم يتردد في ارتكاب مجزرة "متميزة" أخرى عشية مناقشة القرار في الأمم المتحدة، فاقت (من حيث الوحشية وعدد الضحايا) كل مجزرة ارتُكبت في كوسوفو والبوسنة والهرسك في تسعينات القرن الماضي، مع فارق محوري. فالمدنيون في البلقان "تمتعوا" بتدخل دولي، أوقف المجازر، بينما يهتف المدنيون العزل في سوريا "ما إلنا غيرك يا الله". لم تكتف روسيا والصين، بإسقاط بنود تنحي الأسد، وحظر تصدير السلاح له، وفرض عقوبات اقتصادية عليه، من مشروع القرار، الذي تحول من مشروع متأخر لا يتساوى مع فداحة الأحداث، إلى آخر بائس مطروح من باب رفع العتب، فقامتا بقصفه "بصاروخي" فيتو، سقطا على الشعب السوري، من جملة الصواريخ النارية المدمرة التي تسقط عليه منذ 11 شهراً. لقد سجل التاريخ أن هذا الشعب يضرب بالأسلحة السياسية والعسكرية في آن معاً.

صحيح أن لبنان بحكومته التابعة لحزب الله التابع بدوره لكل من سوريا وإيران، هو الدولة العربية الوحيدة التي وقفت ضد المشروع العربي حيال سوريا. لكن الصحيح أيضاً، أن العرب لا يستطيعون لوحدهم تنفيذ كل البنود التي أسقطها الروس والصينيون من مشروع القرار. فهم غير قادرين على إجبار بشار الأسد على التنحي، كما أنهم لا ينتجون سلاحاً لكي يصدروه أو يمنعوا تصديره. لكنهم في النهاية يملكون ما لا تستطيع أية دولة أخرى مهما عظمت أن تسلبهم إياه، وهو "سلاح" العقوبات، يضاف إلى ذلك أنهم اتخذوا بالفعل قراراً بهذا الشأن، لكنهم أجلوا تنفيذه إلى حين نضوج الحراك السياسي، وإعطاء الصبغة الدولية لمشروعهم العام. فلا نضج الحراك، ولا دمغت الصبغة شيئاً. وهذا الوقت بالذات هو في الواقع أنسب الأوقات، لتفعيل قرار العقوبات العربية، وإن ترك القرار الحرية لكل دولة في تطبيقه. ولعل من المفيد الإشارة هنا، إلى أن الدول العربية، وضعت بالفعل قبل أكثر من شهرين، خططاً مُحكمة لتطبيق هذه العقوبات، مستفيدة من مثيلاتها الأميركية والأوروبية. فلا يعقل أن يفرض الاتحاد الأوروبي-مثلاً- 11 جولة من العقوبات على الأسد وأعوانه في غضون تسعة أشهر، بينما لم تتقدم دولة عربية واحدة بجولة واحدة!

تستطيع الدول العربية التي أبدت حرصاً واضحاً على الشعب السوري، أن تبدأ بتطبيق عقوباتها على الأسد وأعوانه، دون المساس بالحالة المعيشية للشعب السوري. فتجميد الأرصدة –على سبيل المثال- لن يؤذي هذا النظام اللاشرعي فحسب بل يحمي الأموال التي نُهبت من الشعب السوري نفسه، مع الاعتراف بأن الأسد قام في الأشهر الماضية بسحب ما يستطيع من أموال في بعض الدول العربية، وحولها إلى أين؟ إلى روسيا، وذلك بعد أن ازدادت حدة التهديدات الدولية للحكومة اللبنانية من مغبة تلقي الأموال السورية المنهوبة، والتي وصلت في الأربعة أشهر الأولى من الثورة الشعبية السلمية العارمة في سوريا، إلى ما بين 20 و23 مليار دولار أميركي. ويستطيع العرب الاستعانة بالخبرات الأوربية في هذا المجال، وهي متاحة الآن أكثر من أي وقت مضى، ولاسيما في أعقاب القوانين والإجراءات والمعايير المشددة التي أوجدتها الأزمة الاقتصادية العالمية.

هذه الخطوة، سوف ترفع من حدة الخناق حول رقبة الأسد، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار أن التمويل المالي الإيراني للأسد، والذي بلغ أكثر من 6 مليارات دولار أميركي في أربعة أشهر فقط، لن يستمر إلى الأبد بسبب المشاكل المتصاعدة التي يواجهها الاقتصاد الإيراني، من جراء العقوبات الدولية، والفوضى الاقتصادية المرتبطة بالفوضى السياسية، كما أن الحكومة العراقية التي فعَلت مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية (بلغت قيمتها 6 مليارات دولار أيضاً) في أعقاب الثورة، لسند الأسد ونظامه (بناء على طلب إيراني)، تعاني هي أيضاً من أزمات كبرى في هذا المجال، الأمر الذي دفعها مؤخراً لفرض قيود على التعامل بالعملات الصعبة.

لا تزال هناك بعض المؤسسات والشركات العربية تعمل في سوريا بمعايير الأسد لا بمعايير الاقتصاد الوطني هناك، وهذا يوفر فرصة في سياق العقوبات، خصوصاً وأن هذه المؤسسات لم تعد تأمن على أموالها في ظل الأوضاع المدمرة في سوريا. يمكن أن تشجع الحكومات العربية هذه المؤسسات للانسحاب النهائي، بل ويمكنها أن تعرض تعويضات لها إذا ما لزم الأمر. وطبعاً هناك أيضاً حظر الطيران المدني، ووقف كل الاتفاقات مع نظام الأسد، ومنع توريد البضائع التي لا تنال من الشعب السوري، ولا سيما تلك التي تمر عبر بعض الدول العربية.

إن هذه العقوبات ستمنح السوريين الذين يتعرضون لأبشع أنواع القتل والتعذيب والاعتقال والتهجير، بعضاً من أمل بنهاية نظام الأسد، الذي وصف العرب في يوم من الأيام بأنهم "أنصاف رجال"، واعتبرهم في خطاب مريع له بأنهم مستعربون.

هناك تعليق واحد: