الجمعة، 18 مارس 2011

القنوات الإخبارية.. موسمية

(المقال خاص بمجلة "إذاعة وتلفزيون الخليج")

" اليوم.. مشاهدة التلفزيون تعني غالباً، القتال والعنف واللغة غير اللائقة. وهذا يتقرر عند من يمتلك السيطرة على جهاز التحكم"
دونا جيبهارت مؤلفة أميركية

 
 
 
 
محمد كركوتـــي
 
بعد عقدين من انطلاق "الانفجار" التلفزيوني الفضائي عالمياً، وأقل –من حيث الزمن- على الصعيد العربي، وبعد أن امتلأت سماء البشر بأعداد هائلة من القنوات التلفزيونية، التي بات من الصعب حصرها، وبعد أن حفلت المنطقة العربية بأعداد منها وصلت إلى 900 قناة (بعض التقديرات تشير إلى وجود إلى مابين 1000 و1100 قناة)، مازال السؤال في العالم العربي يتردد حول حصص هذه القنوات من المشاهدة، لا من حيث هوياتها، بل من جهة تخصصاتها، المرتبطة مباشرة بالناس. وإذا كان هذا الأمر أكثر وضوحاً في الغرب، إلا أنه ليس كذلك في الشرق، وخصوصاً عند العرب، لأسباب عديدة، في مقدمتها، عدم وجود إحصائيات مسحية دقيقة، وعدم اهتمام غالبية الفضائيات العربية –ولا أقول كلها– بهذا الأمر، على الرغم من الحرص الدائم للمؤسسات المعنية بشؤون الإعلان في المنطقة، على الوصول إلى الإحصائيات الحقيقة، ولو بأدنى جودة ممكنة. ولا شك في أن الغالبية العظمى من الفضائيات العربية، لا ترغب أصلاً بأن تكون ضمن نطاق هذه الإحصائيات، تجنباً لفضائح لا تريدها، والهروب من أرقام، ستكرسها بالتأكيد كـ "بقاليات" تلفزيونية فضائية، لا كفضائيات تتمتع، ولو حتى بالحد الأدنى من الجودة والمهنية المطلوبة.

لكن هذا لا يمنع – والحديث هنا دائماً عن العالم العربي- أن بعض الدراسات والأبحاث الرصينة، تتوصل بين الحين والآخر، إلى نتائج يمكن الاستناد عليها كمؤشرات، تدل إلى أين يتجه المشاهد العربي، وماهية "الأزرار" التي يضغط عليها في جهاز التحكم، وتدل أيضاً على مزاجية هذا المشاهد وسلوكه التلفزيوني. وهذا في الحقيقة، يخدم المُعلِن، ويوضح إلى حد ما "الثقافة التلفزيونية" للمشاهد، ومواقع التأثير فيه.

لقد كان الاعتقاد السائد عند المراقبين العرب، أن المشاهد العربي يميل أكثر إلى متابعة القنوات الإخبارية، لأنه متعطش للحصول على الخبر، من الجهة التي يعتقد بأنها توفره بأعلى درجة من الجودة، وأنه يشكل قناعاته وحتى أفكاره وفقاً لمتابعته هذه، خصوصاً إذا ما كانت تصعب عليه المتابعة الإخبارية من فضائيات تبث بلغات أخرى لا يعرفها. ولا أزال أذكر استطلاعاً أجرته الـ هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" قبل عدة سنوات في أوساط شرائح مختلفة من العرب، أظهر أن الغالبية العظمى من أولئك المشاركين في هذا الاستطلاع، أكدوا أنهم لن يتابعوا القنوات الإخبارية العربية، لو أنهم يجيدون فهم لغة أخرى غير العربية، وفي مقدمتها الإنجليزية. ولكن للإنصاف تغير الحال إلى حد بعيد، بوجود قنوات إخبارية عربية محترفة، أزالت كماً كبيراً من الشكوك عنها، عند المشاهد العربي، بالإضافة طبعاً، إلى انتشار قنوات أجنبية تبث باللغة العربية في أجواء المنطقة.

وبعيداً عن الشك والريبة والنزاهة، وعن المستوى المرتفع لبعض القنوات الإخبارية العربية، وتدني مستوى غالبيتها. فقد بات واضحاً، أن ما كان يعتقده المراقبون سابقاً، لم يكن حقيقياً، في مسألة انحياز المشاهد العربية لـ " الإخباريات" – إن جاز التعبير- أكثر من انحيازه للقنوات الأخرى. والحقيقة أن القنوات الترفيهية المنوعة، وتلك المتخصصة بالأفلام والدراما والأسرة والمرأة. والقنوات الرياضية، والتعليمية، والغنائية، والدينية (رغم كل الملاحظات عليها)، تستقطب القاعدة الأوسع من المشاهدين. وهذا ما يبرر العدد القليل للقنوات الإخبارية ومعها الاقتصادية، مقارنة بعدد القنوات الأخرى. ففي الأجواء العربية، هناك 34 قناة إخبارية – حسب تقرير صدر في أواخر العام 2009 وتبناه اتحاد إذاعات الدول العربية – بينما هناك 115 قناة متخصصة بالموسيقى والمنوعات من قضايا التنمية إلى الفكر والتعليم وحتى البيئة. ويبلغ عدد قنوات الدراما والسينما والمسلسلات والثقافة العامة 75 قناة، ووصل عدد القنوات الرياضية -حسب الدراسة نفسها– إلى 56 قناة. والحقيقة أن هذه الأرقام، تدخل في نطاق الإحصاء الإجمالي الذي تبناه الاتحاد المشار إليه، لعدد القنوات الفضائية العربية البالغ 696 قناة.

وسواء كان العدد الإجمالي 696 أو 1000، فإن حصة القنوات الإخبارية من "سوق" المشاهدة هي الأقل. فحتى القنوات المتخصصة ببث برامج الألغاز أو "الحزازير" – وهي قنوات دون مستوى حتى "البقاليات" التلفزيونية- تجاوزت القنوات الإخبارية عدداً، وحتى استقطاباً، رغم أنه – مرة أخرى – لا توجد إحصائيات دقيقة بهذا الصدد. ولو سُمح لقنوات "قراءة الكف" على الهواء مباشرة الاستمرار في عملها، لتجاوزتها أيضاً من حيث عدد المشاهدين. مع ضرورة الإشارة إلى أن تكاليف تشغيل مثل هذه المحطات، لا تُذكر- بأي حال من الأحوال- أمام تكاليف تشغيل محطة إخبارية ذات نوعية.

تحقق القنوات الإخبارية – ومعها إلى حد ما القنوات الاقتصادية- نسبة مشاهدة عالية في أوقات الأزمات والمشاكل الكبرى والأحداث التي تترك بعداً تاريخياً لها. فكلما كانت هذه القناة أو تلك في قلب الحدث، كلما استحوذت على نسبة عالية من المشاهدين، الأمر الذي يحولها عند المشاهد العربي، إلى قنوات "موسمية". وقد بدا هذا واضحاً في الآونة الأخيرة، من خلال متابعة وتغطية ما جرى في تونس ومصر من انتفاضتين تاريخيتين. وحدث هذا أيضاً في السابق، في الحرب على العراق، والحرب بين حزب الله اللبناني وإسرائيل. ولكن هل تستطيع قنوات الأخبار أن تحافظ على نسبة عالية من المشاهدة في كل الأوقات. الحقيقة أنها لن تتمكن من ذلك، أمام اندفاع المشاهد العربي – وحتى الأجنبي- إلى المنابر التلفزيونية وغيرها، التي تقدم الخدمات الدائرة في فلك المجتمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق