الأربعاء، 17 نوفمبر 2010

الإنترنت والتلفزيون وما بينهما

(هذا المقال خاص بمجلة " جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج")








" الزمن أقنعني بشيء واحد، هو أن التلفزيون وجد للظهور فيه، لا مشاهدته "
نويل كاوارد كاتب وممثل ومخرج دراما بريطاني




محمد كركوتـي

بعد المطبوعات التي فقدت بريقها والعديد من مواقعها، وتهددت في مصيرها أمام الإنترنت وتوابعها، جاء التلفزيون الذي قد يفقد أضوائه أمامها. وفي ظل الحديث الذي لا ينتهي عن مصير المطبوعات، واستحواذ الإنترنت على مزيد من قرائها وإعلاناتها ومصادر دخلها، بدأ حديث عن العلاقة التي أصبحت شبه متشابكة بين الشبكة الدولية والتلفزيون، وعن الآثار المترتبة على تصاعد أسهم الإنترنت عند الملتقين من كل الأعمار، لاسيما الشباب منهم. فالقضية ليست "فانتازية" بل حقيقية، وليست موسمية بل مستدامة، خصوصاً بعد أن تخلصت الإنترنت من توصيفها النخبوي، إلى التوصيف "الشعبوي"، وبعد أن أضحت ضرورة مُلحة في الحياة اليومية، لاسيما في المجتمعات التي حققت نمواً كبيراً في هذا المجال، وانغماساً عالياً في خطوطها. وفي ظل المعركة الناشبة بين الشبكة الدولية والمطبوعات – بكل أشكالها – تلوح في الأفق معركة، قد لا تكون بعنف الأولى، لكنها في النهاية، ليست معركة جانبية، وإن كانت تبدو على الساحة – أحياناً وليس دائماً - حلول وسط فيها.

ولعل الأسئلة الأولية التي تطرح في هذا المجال هي، من يستفد ممن؟، ومن أقوى ممن؟، وكيف يمكن المواءمة بين الطرفين؟. وقبل هذا وذاك، من سيفوز في النهاية بالقطعة الكبرى من الكعكة الإعلانية، ومن "حلوى" الرعاية التجارية؟. فالدخل المالي هو الذي يقرر في النهاية مصير هذه الأداة الإعلامية أو تلك، وهو الذي يرسم معالم الاستثمار فيها، وبالتالي آفاق تطورها، خصوصاً إذا كانت القنوات المعنية تقوم على قاعدة مؤسسية، لا ارتجالية ولا موسمية.. ولا "بقالية".

نعم يخسر التلفزيون أمام الإنترنت، وإن بصورة أقل من خسارة المطبوعات. وقد ظهر هذا واضحاً في دراسة أجرتها مؤسسة "ديلويت 2010 تي. أم. تي بريدكشينز" أو The 2010 Deloitte TMT Predictions الأيرلندية. حيث توقع معدو التقرير، أن يواصل التلفزيون تسيده للمشهد على صعيد وسائل الترفيه المنزلية، ولكن لعام آخر. وهذا يعني أن شيئاً ليس مضموناً للقنوات التلفزيونية، لكي تستمر في تسيدها هذا في الأعوام المقبلة، وأن الأمور قد تتحول في العام المقبل، في غير صالحها. لقد ضرب هذا التقرير، ما يعتقد به المتابعون لقطاع الإعلام بكل أدواته، بأن تحميل المواد المختلفة التلفزيونية وغيرها من الإنترنت على أجهزة الكمبيوتر، لمشاهدتها في وقت لاحق أو وقت مناسب، ستؤثر تدريجياً على طريقة المشاهدة التلفزيونية، وستنشئ سلوكاً سيكون مستداماً إلى وقت طويل. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو، من يضمن استمرار المتابعة التلفزيونية المباشرة من قبل المشاهدين، في وقت تتزايد فيه أعداد مستخدمي الإنترنت، حتى في الدول التي لم تصل بعد إلى مرحلة متقدمة، لتشكل الإنترنت جزءاً أصيلاً من حياة سكانها اليومية؟.

ومهما يكن من نتائج التقرير المتخصص المشار إليه، إلا أن الأمور تتجه لمصلحة الإنترنت، حتى لو توقع واضعو التقرير، مشاهدة أكثر من 90 في المائة من المواد التلفزيونية، وأكثر من 80 في المائة من المواد الإذاعية، من خلال البث التقليدي، أي بصورة مباشرة. ولعل السبب الرئيسي وراء استمرار تسيد التلفزيون والإذاعة المشهد الإعلامي العام، يعود إلى أن هاتين الوسيلتين متاحتان للغالبية العظمى من المشاهدين – المستهلكين، وتكاليفهما بسيطة، غير أن نسبة كبيرة من المُعلنين، يتجهون عادة إلى المستهلكين المتمكنين اقتصادياً ومعيشياً، الأمر الذي سيصب مستقبلاً في صالح الإنترنت، على صعيد الدخل، وبالتالي على صعيد الاستثمار فيها. ونحن نعلم أن الغالبية العظمى من القنوات التلفزيونية والإذاعية -العربية وغير العربية- تواجه تراجعاً ملموساً في مداخيلها الإعلانية، من جراء تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية، التي أقصت على الساحة العربية، عدداً من القنوات، وأجبرت قنوات أخرى على إتباع نظام تقشف صارم في السنتين الماضيتين.

لن تسيطر الإنترنت مائة بالمائة، على المشهد الإعلامي العربي والعالمي، لأن جزءاً من المادة التي تستخدم من خلالها، هي تلفزيونية وإذاعية، لكن في المقابل، هناك تزايد كبير لما أصبح يعرف بـ " الإنتاج التلفزيوني الاجتماعي الخاص" عبر الإنترنت، وهو أمر سيؤثر سلباً على الإنتاج التلفزيوني التقليدي في المستقبل، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن الإنتاج الإعلامي الاجتماعي ( وليس الإخباري) يستقطب العدد الأكبر من الناس في كل بقاع الأرض. يضاف إلى ذلك أن انخفاض تكاليف الوصول إلى الإنترنت على مستوى العالم ( يمكن قضاء ساعات كافية على الشبكة الدولية بأقل من دولارين أميركيين)، سيعزز من مكانة هذه الشبكة والطلب عليها، حتى في المجتمعات التي تعاني شحاً مالياً.

فعلى سبيل المثال، أظهرت مجموعة من الإحصائيات والدراسات، بما في ذلك دراسة أعدتها مؤسسة "ديجتال انسياتس" أو Digital insites الأوروبية، أن جيل الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، "يديرون ظهورهم" تدريجياً للتلفزيون، مقابل تزايد شغفهم بتصفح الإنترنت الذي يأخذ من وقتهم أكثر من ثلاث ساعات يومياً. وحسب الدراسة، فإن مستخدمي الإنترنت في المنطقة، يمضون ساعات أطول في تصفح الإنترنت من مشاهدة التلفزيون، مما يدفع المتابعين لأحوال سوق الإعلام، لتوقع مستقبل واعد لسوق الإعلانات على الشبكة الدولية. والأمر ليس مختلفاً كثيراً في المناطق الأخرى من العالم. أعداد كبيرة تتجه إلى الإنترنت، ليس فقط لقراءة ما يرغبون عليها، بل أيضاً لمشاهدة "المنتجات" التلفزيونية التقليدية وغير التقليدية، وللاستماع إلى "المنتجات" الإذاعية بكل أنواعها.

وعلى هذا الأساس، فإن المعركة الدائرة حالياً بين الإنترنت والتلفزيون، قد تتحول إلى حرب، سيكون معها هذا الأخير في وضع صعب ومعقد للغاية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق