الثلاثاء، 16 نوفمبر 2010

قمة الـ "أنا" لا الـ "نحن"!

( هذا المقال خاص بجريدة " الاقتصادية")




" مرة أخرى.. غالبية الاختلافات الاقتصادية، هي اختلافات حول الدرجات لا حول الأنواع"ألفريد مارشال بروفيسور اقتصادي بريطاني

 


محمد كركوتـي
 
ذكرتني دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، مجموعة العشرين، قبل قمتها في العاصمة الكورية الجنوبية سيول، لـ "الوحدة في هذا الوقت الحرج الذي يعيشه الاقتصاد العالمي"، بدعوات بعض قادة العرب الحكماء قبل كل قمة عربية بـ "ضرورة الوحدة في الوقت الحرج الدائم الذي يعيشه العرب". وبهذه الدعوة، يبدو أن بعض الأطراف المحورية في مجموعة العشرين – لاسيما الكبار التقليديين -، "أحبت استعارة" شيء من روح "المجموعة العربية"، رغم الأوقات الحرجة، والكوارث المتراكمة، وتداعيات المصائب الاجتماعية، الناجمة بالدرجة الأولى عن الأزمة الاقتصادية العالمية!. هذه الأطراف وضعت إلى حين، مشروع النظام الاقتصادي العالمي المزمع، وقضايا الإصلاح الاقتصادي، وأهداف الألفية التي استحدثتها الأمم المتحدة مطلع القرن الجاري، لتحسين ما أمكن من حياة البشر البائسين، ووضعت إلى حين أيضاً، خريطة الحرب على الأزمة الكبرى، لتركز على قضية – مهما كان هناك من مدعين بأهميتها وخطورتها – تخص في الواقع طرفان فقط، هما الصين والولايات المتحدة الأميركية!. قضية ثنائية استحوذت على حراك مجموعة تقود العالم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وللسيطرة على "قطار" الاقتصاد العالمي، الذي يسير بلا قائد يوجهه ويوقفه عندما يلزم الأمر، بل لنقل بلا "فرامل"، تُمكِن القائد المنتظر من إيقافه!.

لم نكن بحاجة للانتظار حتى اختتام قمة مجموعة العشرين وبيانها الختامي، لكي نعرف النتائج. فـ "المكتوب كان واضحاً من عنوانه". واجتماعات وزراء مالية المجموعة الممهدة للقمة، كانت أفضل مؤشر على النتائج. كانت عبارة عن مجموعة من لقاءات، مليئة بالمناوشات والاتهامات، والأخطر من هذا وذاك، أنها شهدت ولادة محور اقتصادي ( الكبار التقليديين) داخل المجموعة التي يُفترض أنها أنهت عصر المحاور الاقتصادية!. كانت ببساطة اجتماعات "الاقتصادات الوطنية" لا "الاقتصادات العالمية". كانت اجتماعات الـ "أنا" لا الـ "نحن"، رغم معرفة الجميع – بما في ذلك المناوشين أنفسهم - بأن الـ "أنا" هذه، لم تجلب للعالم على مدى سبعة عقود من الزمن سوى الخراب والأزمات، والكساد والركود، والازدهار الوهمي الفقاعي!. إلى ماذا أدت هذه الحالة؟.. أدت إلى ترحيل الملفات الهامة إلى القمة المقبلة في فرنسا، وإذا ما بقي الحال على ما هو عليه، ستُرَحل إلى القمم المقبلة التي تليها!. وقد ساهم التوتر القائم بين الكبار التقليديين – باستثناء ألمانيا – وبين الصين تحديداً، في انتهاء القمة إلى قرارات "تسويفية"، أكثر من كونها قرارات مُلزِمة، وهو أمر يبدو مقبولاً من مجموعة هامشية إقليمية ضيقة، لا مجموعة أُوكلت ببناء نظام اقتصادي جديد، يحل مكان النظام الذي صبغ العالم بألوان قاتمة، واحتكر القرار الاقتصادي " المقدس"!.

المشكلة التي واجهت مجموعة العشرين - التي حققت قفزات نوعية في أعقاب الأزمة ربما من فرط الصدمة وهول الواقعة – في قمة سيول، أن بعض الأطراف الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بدأت تلعب "سياسة اقتصادية" محلية لا "اقتصاد سياسي" عالمي. وهذا أمر لا يتوافق و"عضويتها" في مجموعة عالمية احتوت كل المجموعات التقليدية!. والسلوك الأميركي في القمة المذكورة، لا يتوافق مع سياسة إدارة الرئيس باراك أوباما، التي اعتمدت "الإشراك" و المصلحة الاقتصادية العالمية، أساساً لتوجهاتها. كما لا تنسجم مع ما قاله أوباما نفسه – قبل القمة – بـ "بضرورة أن يقوم قادة زعماء مجموعة العشرين بتنحية خلافاتهم جانباً، والعمل معاً والتعاون من أجل تحقيق تعافي الاقتصاد العالمي". فالذي حدث أن خلافات واشنطن – بكين هي التي سيطرت على التحضيرات للقمة، وبعدها استحوذت على القمة نفسها، وهمشت ما لا يجب أن يُهَمش!. فالأولى تقول: إنكم تخفضون قيمة عملتكم (اليوان)، وتسببون الضرر لاقتصادنا بإغراقنا بمنتجاتكم، والثانية تقول: إنكم تطبعون الدولارات الأميركية بدون غطاء، وتتلاعبون بعملتكم لتنشيط اقتصادكم.

في ظل هذا "الردح الاقتصادي"، كيف يمكن لمجموعة تسيطر على 90 في المائة من الاقتصاد العالمي، أن تحقق خطوات مطلوبة الآن أكثر من أي وقت مضى، على صعيد تهدئة الاقتصاد العالمي، تمهيداً لتأسيس منظومة مستدامة له؟. كيف يمكن أن يتفرغ قادة العالم العشرون، إلى المسائل المصيرية؟. كيف يمكن للمجموعة القائدة، أن تحسم ( أو تُحَضِر للحسم) قضايا التنمية والفقر والفوضى المالية والاختلالات والفوائض التجارية؟. كيف يمكنها أن تقدم ما عجزت عن تقديمه مجموعة الثماني؟. فالقضية – رغم التصريحات "الجميلة"- ليست عالمية صرفة، بل ثنائية محضة. وهذا آخر ما يريده هذا العالم الذي لا يزال يبحث عن مخارج النجاة من الخراب الأكبر!. مرة أخرى كانت قرارات قمة سيول "تسويفية"، لا مستدامة. بل لم تكن مُلزمة بصورة فعلية لأي من الأطراف. وعلى هذا الأساس، يحق للعالم أن يبدي مخاوفه من المستقبل، ويحق له أن يقول للكبار: مهلاً.. نحن في أزمة، أنتم مفجروها. لا تواصلوا التفجير. أنتم تفجرون ما هو مُفَجَرٌ أصلاً!!.

كانت المملكة، أكثر دول المجموعة حرصاً على ترابطها، سلوكاً ومنهجية وسياسة اقتصادية شاملة.. لا فردية أو ثنائية أو "محاورية" – إن جاز التعبير - . وفي مجموعة تخص العالم، ولا تخص دولها فقط، حرصت الرياض على دورها المكمل، لا دورها "المُنقِص". وهذا أمر مطلوب من كل دولة فازت بمكانة لها في مجموعة العشرين. فعندما تفشل قمة – بهذا المستوى – في الاتفاق على آلية لكشف الاختلالات الكبرى بين الفوائض والعجوزات التجارية، يعني أن حرب العملات تقترب من الانفجار. الذي حدث أن القمة وجهت وزراء مالية المجموعة، بوضع ما سمي "إجراءات إرشادية" لكشف الاختلالات الكبيرة في الموازين التجارية التي تهدد استقرار الاقتصاد العالمي!. وعندما تُرحِل قضية فرض ضرائب على المعاملات المالية للمصارف والمؤسسات المالية الكبرى، للمساهمة في تغطية نفقات مواجهة الأزمة العالمية إلى القمة المقبلة، هذا يعني أن القضية أصبحت مطاطة، ربما تُرَحل من قمة فرنسا إلى قمم أخرى في المستقبل!. هذا دون أن نتحدث عما وصلت إليه الخطوات الرامية لتأسيس نظام اقتصادي عالمي جديد، لا يحتوي الخلافات والاختلافات والاختلالات والمآرب الفردية فحسب، بل يقي العالم من أزمات كبرى شبيهة بالأزمة العالمية.

لقد بدا واضحاً – قبل القمة وبعدها – أن هناك من يريد خطف المقود في مجموعة العشرين، لأسباب وطنية صرفة ( المآرب السياسية في صبها)، وهذا لوحده يضع المجموعة مستقبلاً، في مواجهة تهديد خطير، سينال منها ومن هامتها.. بل وهيبتها. فقد أثبتت التجارب التاريخية، أن الاستئثار في القيادة العالمية، لا يختلف عن استئثار أي ديكتاتور في دولة يحكمها، ويصنع القرارات وفق المزاج والفائدة الشخصية. لكن الأوقات تتغير. فـ " السائق" السابق للعربة العالمية، فقد الكثير من مهارات القيادة بما في ذلك قدرته على التحكم بها، إلى درجة أودى بها ومن فيها في واد سحيق، فشلت عمليات الإنقاذ في انتشالها، واكتشف العالم أن كل "بوالص التأمين"، لا يمكن أن تغطي الخسائر الناجمة عنها!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق