الأحد، 8 نوفمبر 2009

كساد الطلاق!


( هذا المقال خاص بموقع "سي إن بي سي عربية")







" الطلاق باللاتينية.. هو سطو غير مسلح على جيب الرجل "
الممثل الأميركي روبين وليامز


محمد كركوتــي

غيرت الأزمة الاقتصادية العالمية، المفهوم التقليدي للطلاق. واستحدثت نوعا من المستجدات تبدو غريبة وغير متوافقة مع المنطق. لمَ لا؟ والأزمة نفسها، لم تكن وليدة مسببات منطقية، ولا عوامل طبيعية. فقد تجمعت حممها "خارج النص"، وقذفت بها في كل الأرجاء. وإذا كانت عمليات الانتحار الفردية التي انتشرت في العالم، بسبب الخسائر من الأزمة وضياع الأموال إلى الأبد، تبدو مفهومة، رغم كونها مرفوضة إنسانيا. فإن تأثر "حراك" الطلاق بصورة عكسية بها، طرح الكثير من التساؤلات، ونشر حالة من الاستغراب. وأحسب أنه حتى "الملهمين الاقتصاديين" انضموا إلى قوائم المستغربين.

هناك الكثير من مسببات الطلاق. من بينها شخصية، وأخرى ترتبط بمؤثرات خارجية، فضلا عن تدهور الأوضاع المعيشية للأسرة، لاسيما إذا ما كان الشح المالي يتسيد الموقف داخلها. فعندما تفرغ الجيوب، تبدأ الأزمات، وعندما تستفحل هذه الأخيرة، تنطلق المواجهات، وعندما تفشل كل الجهود للحد منها، يبرز الطلاق كحل أمثل للحالة كلها. وفي المجتمعات الغربية، كِلا الطرفين ( الزوج والزوجة) يجهزان أسلحتهما، ويتقمصان شخصيات أكثر الرموز عنفا في التاريخ، للحصول على أكبر قدر من المكاسب المالية أولا، والمعنوية ثانيا. والطلاق في الغرب، أعلى كلفة للطرفين منه في الشرق. وعلى هذا الأساس، تدخل عملية الطلاق في طرق ومسارب طويلة وأحيانا معقدة، وتستهلك مساحة زمنية ليست قصيرة، تُنهك الزوج والزوجة، قبل أن يفترقا ويستريحا من بعضهما البعض.

غير أن أحد عوامل الطلاق، شهد تغيرا في اتجاهه أو مفهومه بصورة عكسية. فعلى الرغم من المشاكل الاجتماعية والمعيشية والمالية والإسكانية، التي أتت بها الأزمة، تراجعت حالات الطلاق في الغرب بشكل عام، وفي الولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص. لماذا؟، لأن الطرفين لا يستطيعان تحمل نفقات الطلاق، في الوقت الذي يبحثون فيه عن دولار أميركي منسي هنا وهناك، لمواجهة تبعات الأزمة معيشيا. وبذلك أخرجت الأزمة " لسانها" في وجوه الساعين إلى الطلاق، والخلاص من شركائهم إلى الأبد، تماما مثلما أجرت الـ " لسان" نفسه في وجوه الساعين إلى الزواج. فالتكاليف عالية في الحالتين، والمال تبخر في كل الحالات، من جراء تقليص الوظائف وتخفيض الرواتب وتراجع أسعار المنازل.

وطبقا لـ "الأكاديمية الأميركية لمحاميي قضايا الزواج"، فإن 57 في المئة من هؤلاء أكدوا وجود تراجع كبير في دعاوى الطلاق في الربع الأخير من العام 2008، مقابل 14 في المئة منهم قالوا: إن هذه الدعاوى زادت بشكل طفيف. والأمر مشابه إلى حد بعيد في الدول الأوروبية، التي تتبع أنظمة طلاق متقاربة مع الولايات المتحدة. وهذا يعني أن الأزواج غير القادرين على تحمل بعضهم البعض، باتوا مكبلين ومتسمرين في مواقعهم غير المرغوبة، إلى أجل غير مسمى. وما على هؤلاء إلا أن "يجتروا" حبا سابقا، ربما يستجمع حال الأسرة عاطفيا، أو أن يعيشوا خانعين لأزمة اقتصادية لم يرتكبوها. فعندما يكون الطلاق في كفة، والميزانية "النافقة" في الكفة الأخرى، يصبح " الحب المستعاد" أقل كلفة.

ومن يدري؟، ربما تقدم الأزمة الاقتصادية آلية لصيانة الحب، حتى لو كان مكروها!.


هناك تعليق واحد:

  1. تحية حب إلى محمد كركوتي الرائع !! ذكرتني بصديق فقد أكثر من ثلاث أرباع أملاكه في الولايات المتحدة منذ سنين عديدة .. وحين أتى صدقنا ج بذكر دعوى الطلاق من زوجته في بريطانية أيضاً .. لكنني أعجبت كثيرا بفرضيتك الذكية بشأن صيانة علاقة الزواج ولو كان مكروها .. كأجترار الحب القديم الذي ذكرته في مقالتك هذه !! رائع !!

    ردحذف