الأحد، 1 نوفمبر 2009

مادوف.. كـ "مصاص دماء"


( هذا المقال خاص بموقع " سي إن بي سي عربية")













" نكون غير أخلاقيين، لم تركنا هذا المصاص المحتال يحتفظ بأمواله"
رئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرتشل





محمد كركوتــي

يبدو أن المحتال الأميركي الأكبر برنارد مادوف المحكوم بالسجن 150 عاما، سيدخل التاريخ عدة مرات، ولكن من الأبواب الخلفية. كيف لا؟ وهو الوحيد في التاريخ قاطبة، الذي استطاع أن يجمع أكثر من 65 مليار دولار أميركي، عن طريق الاحتيال والخداع، وأوقع من الضحايا ما يزيد عن 30 ألف بين مؤسسة وشركة وجمعية خيرية واجتماعية و مدرسة جامعة ومصارف وأفراد، بل وحتى كنائس!، ونشر الهموم في كل الأرجاء. فقد تفوق على أستاذه الإيطالي – الأميركي تشارلز بونزي، الذي ابتكر "نظاما" استثماريا احتياليا في عشرينات القرن الماضي، يقوم على دفع "الأرباح" للمودعين ( المدخرين) الأقدم، من أموال المودعين الجدد، دون استثمار دولار واحد في أي عمل أو مشروع!. وهذا التفوق ليس فقط على صعيد حجم الأموال، حتى لو حسبت بأسعار اليوم (تشارلز بونزي سرق ثمانية مليون دولار)، ولكن أيضا من حيث المدة الزمنية الطويلة. فقد احتال مادوف وسرق على مدى عقدين من الزمن، بينما لم تدم عمليات الاحتيال على يد بونزي أكثر من خمس سنوات، تخطيطا وتنفيذا!.

الاثنان دخلا التاريخ من أضيق أبوابه الخلفية، وسيخلدان على رأس قائمة المحتالين واللصوص، لكن مادوف عاد ودخله من جديد من باب تخليد مصاصي الدماء! كيف؟. في الحادي والثلاثين من شهر أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام، يحتفل الأميركيون – وغيرهم من شعوب الدول الغربية - بيوم يطلق عليه "هالوين" ، ويرتبط هذا اليوم بالطقوس السلتية الوثنية التي كانت تمارس في الجزيرة الأيرلندية منذ 800 سنة قبل الميلاد. وهذه الطقوس هي عبارة عن استذكار الأموات والإيمان بالتجدد. لكن مع مرور الزمن، تحول الاحتفال بهذا اليوم، إلى ما يشبه مهرجان مخصص للأطفال، لكنه يجتذب الكبار أيضا. ولأنه يوم يرتبط بالموت، فقد اعتاد المحتفلون التنكر في ثياب تجسد الخوف والرعب، كما أطلقوا العنان لمخلياتهم، لتصميم أقنعة تتناغم مع كل عناصر الرعب.

ماذا فعلت الشركات التي تنتج هذه الأنواع من الملابس والأقنعة هذا العام في الولايات المتحدة؟ أضافت قناعا مستوحى من وجه برنارد مادوف، وطرحته كرمز للخوف والشر، وقبل هذا وذاك، كمصاص دماء. واللافت أن الشركة التي صنعت هذا القناع، أعلنت بأنها سجلت أفضل المبيعات له، مقارنة ببقية الأقنعة.

وعلى الرغم من أن هذه الاحتفالية لا تجري إلا مرة كل عام، فإن دخول مادوف عالم الأقنعة، يعزز مرة أخرى، مدى تأثير العمليات الاحتيالية الإجرامية التي قام بها هذا المحتال في المجتمع الأميركي، ومدى التصاق آثامها بهذا بأفراد هذا المجتمع. لا غرابة هنا. فهذا " المصاص" نال من الأثرياء، ومن أولئك الذين كانوا يبحثون عن مئة دولار إضافي لمواجهة متطلبات الحياة، بعد أن سرق من مؤسسات يفترض أنها محصنة بفعل الضمير والأخلاق لا القانون. فهو لم يوفر حتى الجمعيات الخيرية، ومؤسسات الوقف التي تشرف على مدارس وجامعات وغيرها من مراكز للثقافة والفنون.

ولو كان هناك يوم أو مهرجان لـ "الاحتيال"، من ينافس برنارد مادوف كشعار له؟!.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق