الثلاثاء، 28 مارس 2017


اقتصاد الإرهاب والخراب




"ترمب وضع تحت عينيه إيران كراع قيادي للإرهاب"
مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي

كتب: محمد كركوتي

كيف يمكن لعلي خامنئي أكبر قائد للإرهاب على مستوى العالم، أن يقدم رؤية اقتصادية هادئة ومتوازنة وحقيقية لبلاد؟! والأهم من هذا، كيف يمكن لمخرب أن يبني؟! ولراع لأنواع مختلفة ومبتكرة من الإرهاب والخراب، أن يتحدث عن خطة تنمية بصرف النظر عن عمقها أو قوتها أو اتساع دائرتها؟! مثل هؤلاء الأشخاص لا يمكن أن يقدموا أي مساهمة للحياة الإنسانية، بما فيها تلك الحياة التي تخص شعوبهم مباشرة. فلا غرابة في زمن الإرهاب الإيراني وتصديره إلى ما أمكن من مناطق، أن يرتفع عدد الفقراء في إيران، وأن تزيد البطالة، وأن تنخفض بصورة تسلسلية قيمة العملة الوطنية، وأن تبحث طهران عن "مواخير" مصرفية لتمرير معاملاتها، وأن يسيطر قائد الإرهاب على اقتصاد البلاد دون مساءلة أو رقابة. هذا واقع يعرفه الإيرانيون قبل الجميع، وهم أول المبتلين بداء إرهاب النظام الإيراني، الذي أثبت أنه يفضل تمويل عملية إرهابية هنا وهناك، على أن يحول هذا التمويل إلى سد رمق أولئك الذين انضموا إلى صفوف الأشد فقرا. ماذا كان يفعل هذا النظام، لتبرير الخراب الاقتصادي الذي تعيشه البلاد؟ يحمل مباشرة المسؤولية للحكومات المتعاقبة، وغالبا ما يحرص خامنئي "وقبله الخميني" على إظهار الخلاف بين القيادة الفعلية للبلاد "مرشد الثورة" وبين الرئيس أو حكومة الرئيس إذا كان هذا الأخير مقربا من المرشد. غير أن اللعبة فضحت منذ زمن، صحيح أن الحكومات لها أخطاؤها، لكن الأصح أنها لا تتحكم بالموارد ولا يمكنها أن تحاسب من المتحكم الفعلي فيها. لا بأس، يخرج خامنئي ويوجه انتقاداته (بل هجومه الشديد أحيانا) للحكومة والرئيس، دون أن يعطي أي حلول ممكنة للمشاكل التي تواجهها بلاده. في الواقع يقوم "المرشد" بتكريس الأدبيات التي قامت عليها "الثورة" وهي أن ولاية الفقيه لا تمس، وأي شيء دونها قابل للهجوم والانتقاد والعزل وغير ذلك. أقصى ما قدمه خامنئي شعار يليق بكل المناسبات المحلية، والإقليمية والعالمية ذات الصلة "الاقتصاد المقاوم". وهذا الشعار بات مثارا للسخرية السرية حتى في أوساط المسؤولين المتفتحين قليلا في طهران، ناهيك عن المعارضين والشرائح المجتمعية المعدمة في هذا البلد، فضلا عن القوميات والطوائف الأخرى التي لا تعاني مر الاقتصاد فقط، بل وحشية النظام في آن معا. أخيرا خرج علي خامنئي بـ "رؤية اقتصادية" لخصها بـ "صنع في إيران" المرشد الاقتصادي طالب بحظر بعض الواردات، وتمكين الصناعة المحلية. ومثل هذا الأمر لا يحتاج إلى "رؤية اقتصادية"، كما أنه لا يحتاج لمختصين اقتصاديين. من الطبيعي أن تمنح الأولوية للإنتاج المحلي، ليس فقط لتوفير العملة الصعبة المستخدمة للواردات، بل أيضا لتوفير فرص عمل للعاطلين المتزايدين. إلا أن الأمر لا يتم هكذا نظريا، بل يتطلب بيئة اقتصادية تتمتع بالحد الأدنى من الصحة، وأن تكون الموارد الحقيقية للبلاد على الطاولة وليس تحتها، وأن تمنح الحكومة بالفعل صلاحية صنع القرار الاقتصادي على أساس ما لديها وما تتحكم فيه. وكل هذه المعايير لا توجد على الساحة الإيرانية، وهي غائبة في الواقع منذ أكثر من ثلاثة عقود. كلام يقوله خامنئي ويمضي دون أثر حقيقي، تماما مثل كلامه عن ضرورة التخلص من تجارة التهريب التي قدر قيمتها بـ 15 مليار دولار سنويا. وهنا تكمن مشكلة أكبر من الأولى. لماذا؟ لأن عمليات التهريب التي تحدث عنها يسيطر عليها "الحرس الثوري" الذي يقوده خامنئي مباشرة. أي أن زعيم التهريب يطالب بمحاربة التهريب! من يجرؤ على ذلك من كل السلطات الموجودة في إيران؟ لا أحد! من يمكنه أن يمضي قدما في مقاومة التهريب استنادا إلى مطالبة خامنئي نفسه؟ لا أحد! رافد واحد من روافد التهريب المتعددة؟ لا أحد! كل شيء مرهون بالمرشد المهرب، ولا بأس من إطلاق شعارات لاحتواء ما يمكن من الكارثة الاقتصادية التي تعيشها البلاد. ولذلك فهو عندما تحدث عن التهريب وصنع في إيران، كان حريصا على الإعلان أن "بعض المسؤولين لا يقنعون الشعب الإيراني"! هذا عن التهريب. فماذا عن غسل الأموال والاتجار بالمخدرات والبشر، وتمويل العمليات الإرهابية في كل مكان تمكن إيران من الوصول إليه؟ لا شيء بالطبع. فالمرشد مهتم بجريمة واحدة، عله يستطيع التغطية على بقية الجرائم التي لا تنال من الإيرانيين فحسب، بل من كل الشعوب التي وقعت بصورة أو بأخرى تحت الآلة الإجرامية الإيرانية هنا وهناك. ستنتهي حكومة حسن روحاني، ويأتي خامنئي بواحدة غيرها. دعك من الانتخابات التي تجري عادة في البلاد، ويعرف المرشد نتيجتها حتى قبل معرفة شخصياتها. إيران ليست بلدا يمكن أن تطبق فيه أي معايير اقتصادية بدائية كانت أم معقدة. إنه بلد منتج ومصدر للإرهاب، ونظام يؤمن حرفيا بأن "المهدي المنتظر" الخاص به، لن يأتي إلا بقتل ما أمكن من شعوب لم تنظر يوما لإيران على أنها من الأعداء. ناهيك عن الخراب المحلي الذي يتجلى في أرقام لا نقاش فيها.

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق