الثلاثاء، 14 مارس 2017

الإجراءات المنكوبة للأموال المنهوبة



"الفساد هو الهلاك الأكبر لنا"
أوليسجون أوباسنجو - الرئيس النيجيري السابق


كتب: محمد كركوتي

يبدو أن دور الأمم المتحدة في استرداد الأموال المنهوبة من الشعوب، مثل دورها في صناعة القرار العالمي، أي بلا قيمة عملية. وقد تكون الأموال التي صرفتها المنظمة الدولية على الاجتماعات الخاصة ببحث كيفية استرداد ما تم نهبه من الشعوب على مدى عقود، أكثر جدوى بالتبرع بها إلى منظمات الأمم المتحدة نفسها، ولا سيما تلك التي تعنى بمسائل الغوث والمعونات والمساعدات في زمن الطوارئ. لماذا؟ لأن هذه الاجتماعات، على الرغم من ضمها لمختصين من كل أنحاء العالم، لم توفر أي دفعة على صعيد العمل في مجال استرداد الأموال، خصوصا تلك التي تعود لشعوب أنهكها الفساد على مدى سنوات طويلة، وتم امتصاص ثرواتها ومقدراتها بأقذر الوسائل الممكنة وغير الممكنة. وبهذه الصورة، تضيف الأمم المتحدة فشلا جديدا لها، في ظل فشلها على أكثر من صعيد لأسباب معروفة للجميع. الواضح أيضا، أن الدول التي تتجمع فيها الأموال المنهوبة من الشعوب، ليست متعاونة بما يكفي سواء مع المسؤولين في الأمم المتحدة، أو الجهات المعنية مباشرة بهذه السرقات. وفي أحسن أحوال التعاون، تقوم حكومات هذه الدول بترك القضايا للإجراءات القضائية التي تستغرق سنوات بل عقودا لكي تتم أو تتوصل إلى نتيجة ما. في حين أن مثل هذه القضايا لا تتطلب الخضوع للإجراءات القضائية المعمول بها على مستوى الأفراد، لأن الأموال المستهدفة تخص شعوبا ثبت عمليا أنها سُرقت ونُهبت بأشكال مختلفة، من جهات كانت تمتلك السلطة والنفوذ والحكم على مدى سنوات. دون أن ننسى، أن الاعتراف بالحكومات الجديدة "النظيفة" على المستوى الدولي، لا يوفر دعما واقعيا للمطالبات بالأموال المنهوبة! كل عام تظهر التقديرات الخاصة بحجم الأموال المنهوبة من الشعوب، وهي كبيرة إذا ما أخذنا الحد الأدنى منها. وأسهمت الملاذات الضريبية والمالية الآمنة في أسوأ عملية تغطية عن أموال مسروقة من أصحابها. وعلى الرغم من الخطوات التي اتخذت ضد هذه الملاذات في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية، إلا أنها ما زالت قاصرة عن فتح الملفات المالية للأفراد والجهات التي تخص الأموال فيها. وإذا كانت سويسرا تمثل بؤرة تاريخية للأموال المنهوبة، إلا أنها تبقى واحدة فقط من عشرات البلدان أو المناطق التي تستوعب هذه الأموال وتوفر لها الحماية، ليس فقط من أصحابها الحقيقيين، بل من الحكومات الغربية التي اعترفت أخيرا بأن الملاذات الآمنة، تعمل ضد الجميع، وأن حريتها وسريتها المالية أسهمت في فقدان مئات المليارات من الضرائب والرسوم إضافة طبعا إلى الأموال المنهوبة. لا شك أن حجم الأموال المنهوبة هائل، والممتلكات التي تم شراؤها من هذه الأموال كبيرة ومتعددة وموجودة في أغلبية البلدان، بما فيها بلدان تحارب الملاذات الآمنة كبريطانيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وغيرها. ليس المقصود هنا التقليل من حراك الأمم المتحدة في هذا الاتجاه، ولكن كان على المنظمة الدولية أن تتخذ موقفا أكثر وضوحا حيال عدم تعاون بعض البلدان في مسألة الأموال المنهوبة، أو تلكؤ البعض الآخر في هذا السياق. وكان بإمكان الأمم المتحدة أن تستند إلى الحملة الكبيرة والسريعة التي شنتها البلدان الكبرى في السنوات الماضية ضد الملاذات الضريبية ــــ المالية الآمنة. وفي الواقع، أن المشاركين أنفسهم في اجتماعات الأمم المتحدة بهذا الخصوص يعترفون علنا بعدم تحقيق أي خطوة في هذا المجال. وإذا لم تتقدم البلدان الكبرى بهذا الخصوص، فإن مسألة الأموال المنهوبة ستبقى مراوحة مكانها إلى عقود أخرى مقبلة. لم تعد تشريعات الأمم المتحدة مهمة في قضية ينبغي أن تكون متفاعلة بسرعة وبوتيرة إجرائية عالية النشاط. علما أن حجز أموال أشخاص أو جهات لأسباب سياسية يمثل الخطوة الأولى على صعيد حصر الأموال المنهوبة، لكن في أغلب الأحيان تبقى الأموال محجوزة لسنوات طويلة جدا. والمسألة ، على الرغم من تعقيداتها، تتسم بالبساطة، كيف؟ إذا تم نزع الشرعية الدولية ، مثلا، عن هذا النظام أو ذاك، أليس هذا كافيا لأن ينزع الشرعية مباشرة عن أصول وممتلكات وأموال هذا النظام سواء على شكل جهات أو أفراد؟ وعندما يصل الأمر إلى هذه المرحلة، فإن الإجراءات القانونية لن تكون معقدة أو بطيئة. الرغبة والإرادة لدى البلدان المؤثرة كفيلتان بأن تحسما موضوع الأموال المنهوبة من الشعوب بصورة سريعة، وبقالب قانوني شرعي لا غبار عليه على الإطلاق، خصوصا أن الأصحاب الحقيقيين لهذه الأموال في أمس الحاجة إليها الآن، ولا سيما في أعقاب التحول من مرحلة إلى أخرى، بل من عصر إلى آخر. إن الأموال المنهوبة ستظل هكذا حتى تتغير "الذهنية" العالمية تجاه أمر لا يختص فقط بحقوق كانت مسلوبة ومقدرات نهبت، بل بكرامة تمت استعادتها، مع التأكيد هنا أن بعض هذه الشعوب يمكنها النهوض الاقتصادي بصورة أفضل فيما لو استعادت أموالها حقا.

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق