الثلاثاء، 21 مارس 2017


مرحلة تجارية عالمية صعبة



"لست انعزاليا ولكنني نصير للتجارة الحرة"
دونالد ترمب رئيس الولايات المتحدة

كتب: محمد كركوتي

ليس مهما مسألة عدم مصافحة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لمستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل. في الواقع صافحها عند استقبالها على مدخل البيت الأبيض، وهذا من الناحية البروتوكولية يكفي. وليس مهما أيضا استحواذ هذا الحدث على وسائل الإعلام والتواصل الغربية، هو في النهاية حدث مثير، لكن لا قيمة له. أما المسألة التي تخص ألمانيا والعالم، وترتبط مباشرة بالولايات المتحدة، فهي التجارة العالمية وآفاقها، بل لنقل "التجارة العالمية ومستقبلها" في ظل المتغيرات التاريخية الهائلة بالفعل، ولا سيما في أعقاب وصول ترمب إلى السلطة في البيت الأبيض. إلى جانب طبعا تبعات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتحول الشعبوي المخيف في غير بلد غربي يفترض أنه يتمتع بحد معقول من الرشد.
ستمضي مسألة المصافحة من عدمها بسرعة، لكن الذي سيبقى الآن هو الخلاف الخطير الذي ظهر بصورة واضحة على صعيد اجتماعات وزراء المالية في مجموعة العشرين في ألمانيا، الذي برز بالطبع في البيان الختامي لهذا التجمع المهم، الذي أخذ زمام المبادرة على الساحة الدولية في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية. ببساطة هذا الاجتماع فشل في إعادة تأكيد التزام "أطراف العشرين" بالتجارة الحرة. وهذا الالتزام بات تقليدا معروفا منذ أن أطلقت هذه المجموعة. بمعنى، أن التجارة الحرة تعتبر عماد مجموعة العشرين، التي بدورها تتحرك على بقية الساحة العالمية لتكريسها وتمكينها لتوسيع نطاقها، وضم مزيد من البلدان إلى نطاق "الدائرة" التجارية العالمية الحرة. إنها (أي التجارة الحرة) رمز للتعاون الدولي، والتنمية العالمية المستدامة بصرف النظر عن الجهات المنغمسة فيها.
هذه المرة لم يصدر وزراء مالية مجموعة العشرين بيانا متجانسا ومتناغما ومتفاهما حول القضايا الرئيسة على الأقل، لماذا؟ لأن تأثير الموقف الأمريكي الجديد حيال مفهوم التجارة العالمية كان سائدا على أروقة هذه الاجتماعات، بصرف النظر عن التصريحات الإيجابية التي أطلقها ترمب خلال لقائه بميركل، أو تصريحات وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين التي تكتسب الإيجابية نفسها. قال الأول، إنه ليس عدوا للتجارة الحرة بل نصير لها. بينما قال الثاني "نؤيد التجارة الحرة شريطة أن تكون نزيهة ومتوازنة". وهذا المستوى من الخطاب لم يتخلف عنه أي مسؤول في إدارة ترمب، على الرغم من توقع مراقبين أن تظهر اختلافات ضمن هذه الإدارة، مستندين إلى حقيقة أن بعض السياسات التي تتخذها لا يمكن أن تلقى إجماعا مقبولا عليها حتى ضمن التيار السياسي الواحد. وهذا يفسر في الواقع التباين الواسع في رؤية الحزب الجمهوري للأشياء ورؤية ترمب لها.
على كل حال، لا متمردون في إدارة الرئيس الأمريكي على الأقل في الوقت الراهن، وهم واضحون كرئيسهم، لا بد من إعادة النظر في المعاهدات والاتفاقيات التجارية ـــ الاقتصادية العالمية، ليس لتعزيز الحمائية، بل لتكريس النزاهة في هذا المجال. غير أن واقع الحال ليس كذلك على الإطلاق، لأن سعي ترمب إلى فرض رسوم جمركية على الواردات تحت اسم "ضريبة حدود تصحيحية" تقارب 20 في المائة، يتعارض مع المواقف والعبارات الأمريكية المرنة التي أطلقت قبل اجتماعات وزراء مالية العشرين في ألمانيا. ناهيك طبعا عن الخلافات الكبرى الحقيقية في المفهوم العالمي البيئي، ومفهوم دونالد ترمب، الذي لا يرى أي أضرار بشرية على البيئة العالمية، ما أسقط أيضا ثابتا من ثوابت المجموعة في الاجتماع المشار إليه.
وربما الموقف الأمريكي الراهن من ألمانيا يلخص المشهد العام للحراك الاقتصادي العالمي المقبل، أو يعطي مؤشرات سلبية مستقبلية لهذا الحراك. وتكفي الإشارة هنا إلى إعلان ترمب بوضوح أن على برلين أن تدفع أموالا أكثر ضمن نطاق حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية الدول الأعضاء في هذا الحلف. وهو يقول هذا الكلام بعد أن توقف عن الهجوم على ألمانيا من ناحية "اليورو" الضعيف ـــ حسب اعتقاده ــــ الذي يؤثر سلبا في الصادرات الأمريكية. ألمانيا لم تواصل الصمت طويلا، وإن كانت تحاول حل المشكلات ضمن أضيق نطاق إعلامي ممكن. الأمر على ما يبدو لا يحتمل صمتا دبلوماسيا، ولهذا السلب أطلقت بريجيت تسيبريس وزيرة الاقتصاد تهديدا برفع شكوى أمام منظمة التجارة العالمية ضد الولايات المتحدة، في حال قررت هذه الأخيرة فرض ضرائب على الواردات.
لكن مهلا، هل ينظر الرئيس الأمريكي أساسا بأي شيء من القيمة لمنظمة التجارة العالمية؟ الجواب بالتأكيد هو لا كبيرة، لأنه بدأ الهجوم على هذه المنظمة منذ سنوات، أي قبل أن يفكر حتى في الترشح للرئاسة. وهو يعتقد أن القوانين الخاصة بها غير عادلة بالنسبة لبلاده. لكن الواضح أن كل الاتفاقيات التي وقعتها واشنطن طوال العقود الماضية لا تروق لترمب ولا لكل أركان إدارته. بدليل أنه يريد التفاوض على اتفاقية "نافتا" لشمال القارة الأمريكية. وكذلك الأمر بالنسبة لاتفاقيات ثنائية مع المكسيك وكندا وغيرهما من البلدان الأوروبية، بما فيها تلك التي تدخل ضمن إطار الحلفاء! إنها مرحلة تجارية عالمية صعبة، بمخاطر عديدة ومؤشرات سلبية.

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق