الثلاثاء، 27 يناير 2015

خسائر خراب سورية على الجوار

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




"يمكن دائما العثور على الخراب، إذا كنت تبحث عنه"
توم كيتي - أكبر لاعبي الجولف في الولايات المتحدة



كتب: محمد كركوتــي

لا يتطلب الأمر نحو أربع سنوات فأكثر، وقوع 300 ألف قتيل، و18 مليون نازح ولاجئ (من أصل 22 مليونا)، وانهيار كامل للاقتصاد، وإفساح المجال أمام المخربين والمجرمين والإرهابيين للعب أدوارهم، وتفتيت كيان عربي راسخ، لا يتطلب الأمر كل هذا لمعرفة أن إزالة نظام سفاح سورية بشار الأسد إلى الأبد، أرخص بما لا يترك مجالا للمقارنة، من إبقائه يوما واحدا في حكم لا يستحقه، وفي سلطة اغتصبها ابنا عن أب. ليس صعبا منذ اليوم الأول للثورة السورية الشعبية ضد هذا الحكم البربري، قراءة الحقيقية كاملة وبلمح البصر. وهي تتلخص في التالي. بقاء الأسد وعصاباته في حكم سورية، لا يعني فحسب حدوث كل ما تقدم، بل يقود بالتأكيد إلى انتشار الخراب في محيط سورية، بل في مناطق مختلفة من العالم.
كان بشار الأسد صادقا عندما هدد بتحويل ما يحدث في سورية بفعل الثورة، إلى أزمة إقليمية بروابط عالمية. لكن الغرب لم "ينتبه". كان مشغولا برسم الخطوط الحمراء للأسد، بل لم "ينتبه" أساسا إلى أن هذا الأخير كان يقفز على الخط الأحمر تلو الآخر، دون أن يدفع الثمن الوهمي الباهظ الذي فرض من قبل الغرب نفسه. كل هذا الكلام لا معنى له الآن. فالخطوط، أزالها نظام ينظر إلى الإنسانية باحتقار متصاعد. فالهدف المشروع له، هو رجل مسلح ورضيع، أو امرأة تعلك كسرة الخبز اليابسة لإطعام أطفالها، أو مسن يدعو الله أن يميته قبل أن يهبط عليه برميل متفجر. أيضا هذا الكلام ليس مهما الآن. فالصورة الآتية من سورية لا تتكلم، بل تصرخ بملء محتواها.
يقول المؤلف الأمريكي جويل أوستين "أحيانا، إذا تمكنت من التملص مما يتطلب منك القيام به، فإنك تصنع الخراب". وهذا ينطبق على البلدان التي كان بإمكانها أن توفر الصيغة النهائية الأقل ضررا للحالة السورية، شرط أن تقوم بذلك منذ البدايات لا النهايات، ومنذ الشرارة الأولى لا الحرب الماحقة، ومنذ مقتل أول طفل، لا المرحلة التي ضاعت معها أرقام القتلى. ومن هنا، لا غرابة في أن ينتقل وبسرعة قياسية الخراب السوري إلى الجوار. وغرابة أيضا، من تقرير البنك الدولي، الذي توصل إلى أن خسائر دول شرق المتوسط من الأزمة السورية بلغت 35 مليار دولار. وهذه الخسائر تعادل في الواقع حجم الاقتصاد السوري الذي سجل في عام 2007. خسائر مرحلية في حجم اقتصاد كامل؟ يا له من عنوان مروع. مع ضرورة الإشارة إلى أن مثل هذه التقديرات تبقى في الحدود الدنيا، لأن مؤسسة مثل البنك الدولي، تفضل عادة مثل هذه الحدود، حرصا على التحرك في الحدود الآمنة للتقديرات.
كل البلدان الإقليمية تأثرت سلبا بل بصورة خطيرة من تداعيات الخراب السوري، سواء اقتصاديا أو على الصعيد الأمني. صحيح أن الأضرار متفاوتة بين كل بلد وآخر، ولكنها في النهاية شاملة لكل الأطراف. تقول تركيا -على سبيل المثال-: إنها أنفقت ما يقرب من خمسة مليارات دولار لمواجهة أمواج اللاجئين السوريين إليها. وعلى الرغم من بعض السلبيات في تعاطي الأردن مع أزمة اللاجئين السوريين، نال ضرره الاقتصادي منها. وعلى الرغم من بشاعة تعامل لبنان في نواحٍ كثيرة ومتعددة الأشكال مع هؤلاء اللاجئين، إلا أنه يتصدر قائمة البلدان الأكثر ضررا، وذلك وفقا للبنك الدولي نفسه. أما في العراق، فهو حالة متداخلة بصورة أكبر بكثير مع الأزمة السورية مقارنة بالتداخلات مع بقية بلدان المنطقة، لاسيما في أعقاب زوال الحدود على أيدي تنظيم "داعش" الإجرامي.
لا مجال للحديث هنا عن التعاطي الطائفي الفاضح للحكومة العراقية السابقة مع اللاجئين السوريين. المهم أن الخسائر التي نالت جميع دول المنطقة كبيرة، وتأتي في ظروف اقتصادية هي الأسوأ في هذه البلدان. وعلى هذا الأساس، فإن البنك الدولي يعتبر أن تكلفة الحرب تتوزع بشكل غير متساو في المنطقة، حيث تتحمل (بالطبع) سورية والعراق عبء التكلفة المباشرة للحرب، فتراجع الإنفاق على الرفاهية لكل فرد في سورية بنسبة 14 في المائة، وفي العراق 16 في المائة، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي السوري بنسبة 30 في المائة بسبب الحظر على التجارة. كما هبط نصيب الفرد من الدخل في الدول المجاورة، حيث كانت أكبر نسبة في لبنان وبلغت 11 في المائة، بينما لم يتجاوز التراجع في تركيا ومصر والأردن 1.5 في المائة.
أمام هذا المشهد المروع، يظهر السؤال بصورة ملحة. ألم يكن من الأفضل اقتصاديا لكل الأطراف (عدا إسرائيل وإيران وروسيا على وجه التحديد) إزالة نظام الأسد نهائيا؟ لا نتحدث هنا عن الخسائر البشرية (لاسيما السورية) التي لا يمكن بأي حال أن تخضع لمعايير الربح والخسارة. كما لا نتحدث عن الخسائر المتواصلة التي تسببها التنظيمات الإجرامية التي اخترعها سفاح سورية وعصاباته على مدى السنوات الأربع الماضية، لا لشيء، إلا لرفع معدلات الخراب، وإبقاء آثاره أطول زمن ممكن، وبقائه يوما إضافيا آخر.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق