الخميس، 5 ديسمبر 2013

الأسد .. النهب بالعقوبات أيضاً

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")
 
 
 
 
 
 
«السارق الأكبر يقود مسيرة السارقين الصغار»
ديوجين سينوب فيلسوف إغريقي
 
 
 
 
 
كتب: محمد كركوتــــي
 
السلاح الكيماوي الذي يمتلكه سفاح سورية بشار الأسد أنقذه! وفق اعتبارات ومفاهيم إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وهي تقوم على مبدأ بهذا الشكل ''اقتل بالكيماوي، ليس مهمًّا. المهم أن تسلمنا إياه''. فالجريمة ليست محل مُساءلة، إذا ما سلَّم المجرم سلاحه! وقد فعل الأسد ذلك. لا معنى للضوابط الإنسانية بهذا الصدد، ولتستقر الاتفاقيات والمعاهدات الدولية في الأدراج. مفاتيحها ''مفقودة''، ولن يتم ''العثور''عليها، قبل خروج أوباما من البيت الأبيض إلى الأبد. إنه يخفيها، ولكن دون أن يمسها! غير أن الأمر لا يقف عند غفران فظاعة الأسد الكيماوية، إنه يشمل هدايا غربية لهذا الأخير، دون أن يعترف مقدمو الهدايا بها. الدول الغربية التي أربكها الموقف الأمريكي من ثورة الشعب السوري، تخطت ارتباكاتها بسرعة مذهلة، واندمجت في''مهرجان الهدايا''! مهلًا.. لا علاقة لاقتراب موسم أعياد الميلاد ورأس السنة بالأمر. فهدايا الأطفال، ليست كهدايا السفاح.
الولايات المتحدة ومعها ملحقاتها الغربية، أطلقت الشركات والمؤسسات والمصدرين والسماسرة، لعقد صفقات غذائية مع الأسد وعصاباته. والحجة، أن الشعب السوري يواجه شُحًّا غذائيًّا إلى درجة الحرمان، وأنه ينبغي تأمين المواد الاستهلاكية الرئيسة. وفي كل الأحوال، لا تشمل العقوبات الغربية المفروضة على الأسد وأتباعه، توريد المواد الغذائية والمحروقات وغيرها من المواد الأساسية. وما قامت به هذه الدول، أنها أفرجت عن حسابات مصرفية منهوبة في غالبيتها من الشعب السوري نفسه، لتسديد ثمن الصفقات التي تُعقد مع عدد من الدول القادرة على توفير الإمدادات الغذائية المطلوبة. حتى الآن، لا يوجد في الأمر شيء. من حق الفرد السوري الذي يُقتل أن يتناول الشاي بالسكر المستورد قبل مقتله، ولا بأس من رغيف بدقيق مستورد، وطبق أرز مستورد أيضًا.. وهكذا! فالولايات المتحدة وملحقاتها، لا يقبلون الجوع للشعب السوري، وإن قبلوا بمقتله!
أين المصيبة إذن؟ يقوم الأسد وعصاباته مباشرة بإبرام عقود التمويل الغذائي لسورية، ولا يوجد فرد من هؤلاء، خارج قوائم الحظر التي أعلنتها الدول الغربية كلها، على مدار عامين، ومنعت التعامل معهم. وهذه الدول تعرف بأمر هذه الصفقات، التي وفرت مزيدًا من الأموال المنهوبة للأسد وعصابته، الذين أخذوا يحققون المكاسب المالية الكبيرة، مستغلين الإفراج عن حسابات مصرفية، هي في الواقع مجمدة؛ لأن كل ما فيها من أرصدة منهوبه. وهؤلاء في الواقع، لم يستعيدوا الأموال فحسب، بل يقومون بتشغيلها! صحيح أن جزءًا من المواد الغذائية التي تصل إلى سورية تذهب إلى عدة شرائح من الشعب السوري، في إطار تعزيز ولائها للأسد، لكن الصحيح أيضًا، أنها استعادت جزءًا من الأموال التي يفترض أنها للشعب السوري. وهي بذلك سرقت أموال هذا الشعب مرتين. دون أن تصل المواد الغذائية التي يتباكى عليها الغرب، إلى كل مستحقيها!
إن الأمر برمته لا يتطلب جهود الاستخبارات الغربية كلها أو حتى واحدة منها، لمعرفة حقيقة ما يجري، ليس فقط من تربح أفراد تتصدر أسماؤهم قوائم الحظر الغربي، ولا عدم وصول الإمدادات الغذائية إلى مستحقيها، بل أيضًا السرقة المنظمة لهذه الإمدادات. لماذا؟ لأن موظفي الأمم المتحدة الذين يشرفون على شحنات الإغاثة لسورية، أكدوا في تقارير رسمية رُفعت للأمين العام نفسه بان كي مون، بأن إمدادات الإغاثة تُباع على أرصفة الشوارع من قبل عصابات الأسد، وأن هذه العصابات لم تهتم حتى برفع شعار المنظمة الدولية عن المواد المبيعة! ليس غريبًا أن ينهب الأسد وأتباعه شحنات الإغاثة، فقد نهب مع والده البلاد كلها على مدى أكثر من أربعة عقود، الغريب أن الدول الغربية التي أطلقت الأموال لتجري في أيدي هؤلاء، لم تكلف نفسها، ولو بتصريح رسمي يتيم، يفضح (ولا أقول يمنع) ما يجري. فالمعلومات التي وصلت إليها، لم تأت من المعارضة، أو من حكومات مناوئة للأسد، بل من موظفين تابعين للأمم المتحدة نفسها! لا شك أن الغرب مشغول بتفكيك أسلحة الأسد الكيماوية، ولا وقت لديه لأمور ''تافهة'' مثل بيع كيس من السكر على رصيف دمشقي.
لقد ظهرت على السطح- كما تجمع من معلومات- شبكة تجارية سرية، صحيح أنها تستخدم– كعادتها- أسماء مختلفة وجهات جديدة، لكن من السهل تحديدها؛ لأن تتعاطى مع جهات في الخارج، يمكن منعها من قبل الحكومات الغربية - إذا ما رغبت - من التعاطي مع هذه الشبكة الدنيئة، التي تسرق المسروقات عدة مرات! الأسماء هي.. هي، رامي مخلوف، أيمن جابر، عبد القادر صبرا، وعدد من اللبنانيين والعراقيين والإيرانيين، كلهم موضوعون على قوائم الحظر الغربية، لقد عادوا إلى الواجهة. ولا غرابة في أن يبتكر باراك أوباما الفَرِح بكيماوي الأسد، تبريرًا يتلخص في أن حاجة توفير الغذاء في سورية تبيح التجاوزات! بل ربما سيطلب من أحد معاونيه أن يؤكد أنه لا مناص من التعامل مع هذه العصابة الإجرامية التي توفر الغذاء! إنها الصيغة الرهيبة نفسها. لا بأس من ضرب المدنيين السوريين بالكيماوي، طالما أننا سنتسلم السلاح بعد ذلك!
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق