الثلاثاء، 19 نوفمبر 2013

"المهدي" الأمريكي لتخفيف العقوبات عن إيران

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




«قلت أكثر من مرة، إن إيران دولة راعية للإرهاب»
تشاك هاجل وزير الدفاع الأمريكي



كتب: محمد كركوتـــي

يفكر الرئيس الأمريكي باراك أوباما جدياً في تخفيف العقوبات المفروضة على إيران. فالرجل ابتكر سياسة جديدة في هذا العالم، لا دخل لها بالسيادة والإرادة، وحتى بالمصلحة العليا، وهي ''سياسة التسليم''، وهو يعيش وهماً بأن ''التسليم'' سيحقق الأهداف بلا خسائر، أو بأقلها! وهذه السياسة، تصيب حلفاءه بغصات متجددة، وبارتباك سياسي لم يعد خافياً، ومخاطر نالت من كل القضايا المطروحة، وتلقفت ناتجها وتنعمت به أنظمة مارقة في سورية والعراق وإسرائيل وروسيا.. وبالطبع إيران. هذه السياسة، منحت المسؤولين المارقين في هذه الدول، ما لا يحلمون به، في مواجهتهم للمجتمع الدولي. تكفي الإشارة هنا، إلى أن أوباما سلم زمام المبادرة لـ ''أزعر'' روسيا فلاديمير بوتين، الذي اقتنع (قبل مجيء أوباما إلى الحكم)، بأن العالم لن يتعاطى معه إلا كقاطع طريق، أو في أفضل الأحوال، زعيما لمافيا منظمة بدقة. الكبير على الساحة الدولية حالياً، ليس سوى بوتين! وهذا الأخير (وغيره من المارقين الآخرين) سينعم بذلك، طالما بقي أوباما في البيت الأبيض.
الرئيس الأمريكي يريد تخفيف العقوبات عن إيران، لكنه يخشى مَنْ؟ الكونجرس الأمريكي، الذي يعيش حالة مع إدارة الرئيس، مشابهة لحالة حلفاء الولايات المتحدة. الفارق بين الحلفاء والكونجرس، أن الأخير يمكنه أن يعرقل (وأحياناً يعطل) سياسة التسليم ''الأوبامية''، بينما لا يمكن للآخرين ذلك، ويمكن أن يلوح بالعصا، ويضع العقبات اللازمة في قضايا أخرى داخلية، مثل مسألة رفع سقف الدين، التي تحولت إلى مسلسل اقتصادي ''درامي'' متعدد الحلقات. أوباما يريد التخفيف (وإن وصفه بأنه سيكون طفيفاً جداً)، وإيران تتمناه حتى ولو كانت صوتياً فقط. إن مجرد الحديث عن تخفيف العقوبات، يعطي نظام الملالي الإيراني جرعة يحتاج إليها، خصوصاً أن الطرف المانح هو الولايات المتحدة نفسها، وعلي خامنئي المنتظِر لعودة المهدي الضائع، يعرف أن المهدي نفسه لا يستطيع أن يوفر فرصة كهذه. إن أوباما يقوم في المقابل (عند خامنئي) بواجبات المهدي.
في آب (أغسطس) الماضي، كانت آخر عقوبات أمريكية تُفرض على إيران، وكانت شديدة أيضاً. وقبل نهاية العام الجاري، قد نرى أول تخفيف لهذه العقوبات، ولن تخرج ''عطايا'' أوباما عن سياسة التسليم، التي اضطرته إلى إطلاق وزير خارجيته جون كيري، لكي ينشر ''طمأنينة صوتية'' في المنطقة! ولأنها كذلك، فقد ذهبت مع صداها. لا يمكن القيام بفك جزئي للحصار الاقتصادي المفروض على إيران، قبل أن يحصل المجتمع الدولي على ضمانات من نظام الملالي. لكن حتى هذه النقطة تمثل معضلة، لأن أحداً لا يمكنه في الواقع القبول بضمانات نظام لا يمارس إلا التقية في كل شيء، فكيف الحال ببرنامجه النووي الخطير الذي يشكل تهديداً مسلطاً على المنطقة والعالم. المصيبة أن سياسة أوباما تجنح إلى القبول، ومن الواضح أن المعارضين لهذه السياسة ضمن فريقه، لا يملكون الأدوات اللازمة لردعه. لقد فشلوا معه في الكارثة السورية ولا يزالون، وكذلك الأمر بقضايا تخص الشعب الفلسطيني، وحتى طبيعة العلاقة مع حكومة المالكي الإيرانية في العراق.
لا شك في أن العقوبات التي فُرضت على إيران تساهم بصورة مباشرة (قدر الإمكان) في كبح جماح نظام علي خامنئي. ومع ذلك، فإيران تحتل الآن بصورة أو بأخرى سورية العربية، وتمتلك القرار العراقي، وعصاباتها منتشرة في كل الأجواء، وفي مقدمتها عصابات حزب الله اللبناني. وعلينا أن نتصور تخفيفاً (مهما كان طفيفاً) للعقوبات المفروضة عليها، وناتجه التخريبي الحتمي. لقد قلصت العقوبات الإنتاج النفطي الإيراني إلى النصف، ولو كانت عوائد الإنتاج الكامل حاضرة، لوجدنا خراباً أكبر، ومخاطر أقوى. من فرط قباحة هذا الزمن السياسي، أن المرء مضطر للموافقة على ما يقوله، من؟ بنيامين نتنياهو، الذي قال ''الاتفاق مع إيران يتجه لأن يكون خطأ تاريخياً''. والسبب أن في البيت الأبيض رئيس مستعد لمنح الثقة للشيطان، طالما أن ذلك يعفيه من القيام بدوره كرئيس لدولة محورية في العالم، مطالَبة بالوقوف الصارم في وجه أعداء المجتمع الدولي.
هناك مشاريع عديدة وكبيرة تنتظر إيران لإطلاقها، أو إطلاق شيء منها، في أول فرصة تتنفس فيها اقتصادياً. وناتج هذه المشاريع لن يذهب إلى التنمية التي تحتاج إليها البلاد، بل إلى الإنفاق على سياسة الخراب الإيرانية. في عز الحصار خصص خامنئي المليارات لنظام سفاح سورية بشار الأسد، وهو لا يزال يمده بشريان الحياة، دون أن ننسى التهديد الإيراني المستمر لدول المنطقة، وفي مقدمتها الخليجية منها. لقد قلب الرئيس الأمريكي المعادلة، فبدلاً من أن ينتظر الجانب الإيراني إشارة أمريكية للتمسك بها، أخذت الولايات المتحدة دور المنتظِر، لتتلقف الإشارات من إيران! وأوباما المنتظِر أفضل كثيراً لإيران من مهدي منتظَر لن يظهر في يوم من الأيام. لقد انتظر الإيرانيون المهدي من الشرق، إنهم الآن مذهولون. لقد أتاهم من جهة الغرب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق