الخميس، 5 ديسمبر 2013

مع الثورات ومع الأموال المنهوبة أيضاً

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")

 
 
 
 
«اللص الذي يبتسم، يسلب شيئاً من السارق»
وليام شكسبير - أديب إنجليزي




كتب: محمد كركوتـــي

سيكون الصمت على الأموال المنهوبة مصيبة أخرى على الشعوب التي نُهبت منها، ولا سيما تلك التي تصارع الآن للوصول إلى أقرب نقطة من الاستقرار، في أسرع وقت متوافر. لا يمكن تأجيل العمل على إعادتها، ولا حتى البطء في عمليات حصرها، وإرجاعها إلى أولئك الذين سلبت منهم علانية، وعلى مدى عقود. في سورية، امتلك جمهورية واحصل على الشعب هدية! وفي ليبيا لم يبق للقذافي سوى الهواء خارج ممتلكاته! وفي مصر كان كل دولار ينفقه مبارك على البلاد، يحتفظ بـ ''فكة'' الألف! وفي تونس كان من الصعب على بن علي فتح حسابات شخصية في المصارف، فأخذ المصرف المركزي كله له! وفي اليمن، كان صالح يكنز أموال الشعب، على اعتبار أن الخراب في البلاد لم يترك مجالاً للإنفاق! هذه هي الخريطة''الاقتصادية'' في سورية، وهكذا كانت في الدول التي نجحت شعوبها في خلع أنظمتها المريعة.
لندع منتدى إعادة الأموال المنهوبة من ''دول الربيع'' يناقش ويبحث. إنه لا يزال في طور تشكيل اللجان! وفي مرحلة استيعاب القوانين والإجراءات في البلدان التي ''حطت'' فيها هذه الأموال، والتي لا تزال تستقطب المزيد منها. ولنضع جانباً بيانات التنديد والتهديد الصادرة عن عدد من دول المنتدى المذكور. هناك دول عربية (بينها خليجية) تستحوذ على كميات هائلة من الأموال المنهوبة. هذه حقيقة أكدها في أكثر من مناسبة علي المري المحامي الخاص للأمم المتحدة المكلف بملف استرداد الأموال المنهوبة. ولكن مهلاً، هذه الدول لم تكن مع الأنظمة المخلوعة ولا مع نظام سفاح سورية بشار الأسد السائر إلى الخلع، إنها ''مؤيدة'' للثورات، ولـ''حقوق'' الشعوب التي قامت بها من أجل عيش كريم، وعدالة مستحقة. والدول العربية هذه، كانت تكدس للناهبين هذه الأموال، حتى قبل أن تندلع الثورات.
ليست مفارقة، أن الثورات رفعت من وتيرة تهريب الأموال المنهوبة، إلى بعض الدول العربية. وهنا تتضح الصورة أكثر. فهذه الدول دعمت الثورات المشروعة لأنها تولد لها أموالاً غير مشروعة، عن طريق تهريبها كلها قبل سقوط الأنظمة الناهبة لها. ولا مانع من رفع أعلام الثورات، طالما أنها تغطي عمليات تمرير الأموال وناهبيها أيضاً. لا يهم ما يقوله المسؤولون عن ملف الأموال المنهوبة، طالما غاب الضغط عن الدول الحاضنة للأموال القذرة، ولا توجد مؤشرات تدل على أن توجهاً ضاغطاً سينطلق في هذا الاتجاه. إنها أموال تغني أصحابها الحقيقيين الشرعيين عن أي مساعدات أو معونات عربية ودولية، وقادرة على توفير السند اللازم لهذه الدول في مرحلة التحول والانتقال إلى حالة الاستقرار المنشود. وبعض الذين يقفون مع الثورات واستحقاقاتها ويكدسون أموالاً منهوبة، مثل اللص ''الجميل'' الذي لو أمِنت له، سيأخذ ما يمكنه من أسنانك في أول قبلة.
هذه الأموال ليست مكدسة في خزائن أو ''تحت البلاطة''.. تجري على مدار الساعة عمليات تبييض لها في الدول الحاضنة. وهناك أشكال في غسلها، بعضها بات معروفاً، وبعضها الآخر متجدد، يصعب حتى على الدوائر المختصة بمكافحة غسل الأموال اكتشافها بالسرعة التي تضمن ضبطها. وليس سراً أن مسؤولين كبارا في الدول المعنية، يتابعون مباشرة حال هذه الأموال. فهذا الحجم من المال لا يمكن أن يدخل البلاد عن طريق مهربين أفراد أو حتى عصابات منظمة على مدى سنوات، دون معرفة السلطات نفسها. وبالتالي لا يمكن لأي مسؤول في هذه البلدان أن يدعي عدم معرفته بوجود الأموال المسلوبة. لا شك في أنهم يريدون الاستفادة منها لأطول فترة ممكنة، وهذا ما ينبغي أن يدفع الدول المؤثرة للعمل السريع من أجل وضع حد لامتصاص أموال شعوب ظُلمت وسُرقت عدة مرات. وهي في الواقع تُنهب من الخارج أيضاً. يقول المحامي الخاص للأمم المتحدة علي المري ''إن أكره شيء على المسؤولين في الدول المعنية، الحديث عن الأموال المنهوبة''.
ربما نفهم التعقيدات الإجرائية والقانونية في الدول غير العربية في مجال إعادة الأموال المسلوبة. وهي تقوم حالياً بإعادة النظر في كل هذه القوانين. لكن في الدول العربية المخزنة لهذه الأموال، الأمر مختلف، كما أن اقتصاداتها ليست متشعبة بصورة يصعب العثور فيها على الأموال المستهدفة. وإذا ما أراد المسؤولون التعاون في هذا المجال، فإنهم يستطيعون إنهاء الأمر في أيام. لكن المصيبة أن أموال الشعوب المنهوبة، دخلت بالفعل في صلب الحراك الاقتصادي، ولعبت دوراً في سند الاقتصاد، مع ضرورة الإشارة إلى أن أي تعاون مع منتدى إعادة الأموال الدولي، سيجلب معه سلسلة لا تنتهي من الفضائح. إنها معضلة، غير أن استحقاقاتها لن تمضي أدراجها هكذا. هناك الكثير من المخارج يمكن استخدامها، ويمكن احتواء ما أمكن من الآثار السلبية على الدول الحاضنة للمال القذر، لكن الأمر برمته يتطلب قراراً سياسياً على أعلى المستويات. إن البيانات المؤيدة للثورات والتحولات في ''دول الربيع''، باتت قيمتها، كقيمة بيانات سفاح سورية المؤيدة لحقوق الإنسان.






 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق