الخميس، 5 ديسمبر 2013

بطالة ثورات الربيع

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")





«أنت تقتلني عندما تسلبني وسيلة العيش»
وليام شكسبير ـــ أديب إنجليزي




كتب: محمد كركوتـــــي

يقولون، إن ربيعاً عربياً جديداً سيندلع في دول الربيع نفسها، منفجراً من شرارة البطالة فيها. وإذا كان الظلم ومعه الاستبداد والطغيان، شكل ''مصنع'' متفجرات ''الربيع''، فإن المتعطلين عن العمل سيكونون ''المصنع'' الجديد. ورغم أن البطالة تبقى محورية ''إلى جانب غيرها من المحاور'' لثورة، أو تمرد، أو احتجاج شعبي واسع، إلا أن ''الربيع'' في دول الربيع لم ينته ليبدأ غيره. والآثار السلبية له، تدخل ضمن نطاق استحقاقاته الطبيعية. فالتغيير مثل العلاج، مزعج بلا شك، لكنه حتمي بطبيعته، وضروري بناتجه، ومحوري بدوره. دون أن ننسى، أن مستويات البطالة كانت في أسوأ حالاتها، تحت حكم الأنظمة المخلوعة. صحيح أنها زادت سوءاً بعدها، لكن الصحيح أيضاً، أن العوامل التي سبقت الثورات، عمقت الآثار السلبية في فترة التغيير. فالقضية لا ترتبط ببطالة أقل، بل بوجودها الظالم في ظل أنظمة سرقت ما تستطيع من مقدرات شعوبها.
لا يمكن بأي حال من الأحوال تطبيق مقاييس البطالة في الدول الراشدة، على تلك التي تعيش حتمية التغيير. ومع ذلك، حتى في دول كإسبانيا واليونان وإيطاليا وغيرها، تأتي قضية البطالة في البند الثاني، لأن البند الأول لا مجال للالتفاف حوله، وهو ببساطة إنقاذ الاقتصاد أولاً، ودون هذا الإنقاذ، يستحيل تشغيل العاطلين، أو إدخال جدد إلى مؤسسات العمل، أو حتى تشغيل من هم في العمل فعلاً. واقتصادات دول الربيع العربي، تحتاج في الواقع إلى إعادة بناء وصياغة جديدة، أي أنها أسوأ من أن تخضع للإصلاحات، تماماً مثل الأنظمة التي شكلتها. الثورة على هذه الأنظمة، أتت من فرط اضمحلال قابليتها للإصلاح. والحكومات السيئة، تنتج بالضرورة اقتصادات سيئة، إلى جانب إنتاجها التلقائي ثقافة سيئة، وسياسة سيئة، وسمعة سيئة. تكفي الإشارة هنا، إلى إجماع المشرفين على ما يعرف بـهيئة ''إعادة الأموال المنهوبة من دول الربيع العربي''، على أن هذه الدول ليست في حاجة إلى أي مساعدات أو معونات، إذا ما استرجعت بالفعل أموالها المنهوبة.
في مصر ''حسب البيانات الرسمية والدولية''، ارتفع معدل البطالة في نهاية الربع الأول من العام الجاري، إلى 13,2 في المائة، وفي تونس إلى 16,5 في المائة، وفي ليبيا إلى 15 في المائة، وقفز في اليمن إلى 40 في المائة. ومقارنة بحالة التشكيل الاقتصادي في هذه البلدان، فإن النسب المشار إليها ''باستثناء اليمن المُنتج الأكبر للبطالة'' ليست عالية. وفي أغلبية دول العالم العربي، هناك مصيبة تشغيلية لم تصب أياً من البلدان غير العربية الأخرى. فهي الوحيدة التي يرتفع فيها عدد المتعطلين عن العمل من المتعلمين، بينما ترتفع معدلات التشغيل عند الأميين! فلا غرابة إذن، من ارتفاع عدد المتعطلين الخريجين، خصوصاً ''مرة أخرى'' في مرحلة التشكيل الاقتصادي. في هذه الدول ''كن أمياً تجد عملاً أسرع''، و''إن كنت متعلماً نتصل بك في السنوات الطويلة المقبلة''!
ستستغرق عودة التشغيل في دول الربيع العربي إلى مستوياته السابقة وقتاً، وسيأخذ وقتاً إضافياً آخر من أجل الوصول به إلى مستويات معقولة، تحاكي ما سيتم إنجازه على الساحة. وما سينجز مرتبط بالتأكيد بالاستقرار السياسي المنشود، إضافة طبعاً إلى جهود دول النيات الحسنة، التي توفر الاستثمارات والمساعدات الاستراتيجية لا التمويلية فقط. والنيات الحسنة هنا، تتعلق بعدم تسييس هذه المساعدات، كما أن من مصلحة الدول التي تشهد التغييرات الحتمية، أن تُدخل في تشكليها الاقتصادي الجديد مفهوم المساعدات التنموية لا الاستهلاكية. والمال الاستهلاكي يتحول في كثير من الأحيان إلى أعباء تبقى ملازمة للوضع الاقتصادي لسنوات، بل في أحيان كثيرة إلى الأبد. إن العالم العربي كله، يحتاج إلى 100 مليون وظيفة بحلول عام 2025، حسب تقديرات البنك الدولي. مع الإشارة إلى أن النسبة الكلية للبطالة تراوح بين 25 و30 في المائة، بينما لا تتعدى عالمياً 6 في المائة. ومنظمة العمل العربية تقدر عدد العاطلين في كل الدول العربية بـ 25 مليون نسمة، من إجمالي قوى عاملة تبلغ 120 مليون نسمة.
إن دول الربيع العربي جزء من المشهد البائس هذا، صحيح أنها الأكثر تفاعلاً في الوقت الراهن، إلا أن الخريطة العامة سيئة أصلاً. هناك بطالة أحدثتها الثورات العربية، هذا لا شك فيه، وهناك اضطرابات تتفاعل فيها، وهناك ''ألاعيب'' سياسية تستهدفها، وهناك نيات أكثر سوءاً من الأوضاع الاقتصادية تجاهها. والاستقرار ليس مطلوباً لهذه الدول، بل لدول المنطقة كلها دون استثناء، والمائة مليون وظيفة التي تحدث عنها البنك الدولي، ليست خاصة بخمس دول تشهد استحقاقات الثورات والتغيير، بل تشمل الكل. لا شك في أن تغييرات ''دول الربيع'' سوف تُستكمل بأضرارها الطبيعية ومكاسبها الحتمية. وكلما كانت هناك نيات وطنية لا سياسية سائدة، كانت مدة التشكيل الاقتصادي الجديد أقصر، وكلما تأطرت النيات العربية الصادقة ''وهي متوافرة'' بحاضن استراتيجي، تغيرت حالة البطالة إلى الأفضل، بل حالة التشغيل المضطربة إلى اتجاه بعيد عن سراديب السياسة، وآثام النيات السيئة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق