الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

هل ينفجر «نووي إيران» بقنابل الاقتصاد؟

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



''عقاب الكاذب ليس فقط في أن أحداً لا يصدقه، بل في أنه لا يصدق أحداً''
جورج برنارد شو - أديب إيرلندي

كتب: محمد كركوتـــي
يمكن أن نفهم ''اضطرابات الدجاج'' التي ضربت بعض المناطق الإيرانية مؤخراً بسبب ارتفاع أسعار الدواجن ونقص الإمدادات منها. كما يمكن فهم ارتفاع نسبة التضخم المتصاعدة في إيران، وأسعار المحروقات، وكذلك التراجع التاريخي في قيمة العملة الوطنية، والتصاعد المخيف لمعدلات البطالة التي بلغت قرابة 45 في المائة، ووصول ''جيوش'' الفقراء إلى أكثر من 14 مليون نسمة من أصل 30 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر النسبي. يمكن فهم كل هذه الحقائق استناداً إلى ''التراجيديا الاقتصادية'' التي تؤطر المشهد العام في البلاد. ولكن أجد صعوبة في فهم حقيقة هي الأخطر قاطبة عندما تواجه منظمة الطاقة الذرية الإيرانية (التي تقف في وجه العالم) صعوبات في دفع رواتب موظفيها! لقد وصل الانهيار الاقتصادي، والهزات المتوالدة منه، إلى قلب المؤسسة التي يعاند علي خامنئي من قلبها للحقيقة، ويجد فيها قلعته المنيعة، ويرى من خلالها أحلاماً ''بديعة'' تُنتج له أوهاماً فظيعة!
قبل العقوبات الاقتصادية الغربية التي فُرضت على إيران، كان اقتصاد البلاد بمنزلة سفينة لا بحارة على متنها، وإنما مجموعة من الـ ''مُرقعين'' لبدنها. يسدون فجوة، ليباشروا بسد أخرى. وبعدها باتوا يجهدون في سد الرقعات نفسها. إنه عمل مستدام في اقتصاد هجرته الاستدامة منذ انتصار ثورة كان من المفترض أن تصون دولة لا أن تمسخها، وأن تقيم مؤسسات تبني على ما يمكن البناء عليه. ومصيبة الشعب الإيراني أن قيادته تريده أن يحارب بالأوهام، وأن ينتصر ''بعتاده'' هذا! بل أن تكون له القدرة على صناعة الأعداء. وفي أحسن الأحوال، أن يؤمن بأعداء صنعتهم قيادته، وليس مهماً أن يكونوا كذلك أم لا!
وسواء تلقت إيران ضربة عسكرية عقاباً على عنادها في برنامجها النووي، أم لم تتلق. تريثت إسرائيل حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ألم لم تتريث لتوجيه ضربة ما؟ انتظر علي خامنئي عودة ''المهدي'' المنتظر (للمساعدة والدعم) أم لم ينتظر؟ فجانب مهم من مصير ومستقبل هذا البرنامج المريب، يكمن في الاقتصاد الإيراني نفسه. والمتطلبات المالية (إلى جانب اللوجستية) للبرنامج كبيرة، وتردي الأوضاع الاقتصادية في السابق، مع ضربات العقوبات الغربية في الوقت الراهن، التي وضعت حلم خامنئي النووي في دائرة التهديد الكبرى. ويبدو من خلال ما تم الكشف عنه حيال مصاعب التمويل، أن سرقة مخصصات دعم الحبوب والخبز والمحروقات والمواد المعيشية الرئيسة، بل حتى مخصصات الدواجن، وتحويلها إلى البرنامج النووي، لم تحقق الكفاية المالية له. فعندما تنضب المخصصات، لا يوجد ما يمكن سرقته. إلى جانب ذلك، هناك الدعم الاقتصادي الإيراني المصيري (فضلاً عن الدعم السياسي والعسكري والتشبيحي)، لسفاح سورية بشار الأسد الذي يشكل عمقاً استراتيجياً بلا حدود للنظام الحاكم في طهران.
لقد دفع الواقع الاقتصادي في إيران قادة هذا البلد إلى تطوير صناعة الكذب، خصوصاً فيما يرتبط بآثار العقوبات الغربية. وإذا كان نصف الحقيقة كذبة كبيرة، فكيف الحال بالكذبة نفسها؟ ولم ينجح خامنئي في تسويق الكذب، حتى بعد أن انضم مروجون لبنانيون وسوريون (على وجه التحديد)، إلى حملة التسويق، وهم من أولئك الذين ''أعلنوا'' أن الميزان التجاري السوري حقق فائضاً في العام الجاري بلغ قرابة 8 مليارات دولار أمريكي!! مهلاً.. يقول هؤلاء أيضاً: إن سقوط الأنظمة العربية الخليجية بات قريباً، من ماذا؟ من الأزمات الاقتصادية!! لم ينته هؤلاء بعد، فهم ''يؤكدون'' أن إيران قادرة على المضي بقوة وثبات في نجدة الأسد اقتصادياً، وبالتالي لا أهمية للمساعدات العربية التي أوقفها العرب لسورية في ظل الأسد. وفي سياق هذه الأكاذيب، أضاف الأسد (وعصاباته) توصيف ''الشقيقة'' إلى إيران في خطابه الرسمي. وهذه هي المرة الأولى التي يصدق فيها! فإيران ''شقيقة'' له، وليس للشعب السوري.
لو كان نظام الملالي يتمتع بالحد الأدنى من الواقعية، لانتبه إلى نتائج تحقيق أجرته جريدة ''الفانانشيال تايمز'' البريطانية في مدينة أصفهان الحاضنة للمنشآت النووية. فسكان المدينة والمناطق المجاورة لها أكدوا أنهم لا يعبأون بوجود هذه المنشآت، ولا حتى بالمخاطر الناجمة عنها، بما في ذلك إمكانية ضربها. الذي يشغل هؤلاء الناس مشكلاتهم الاقتصادية الرهيبة وبؤس أوضاعهم المعيشية. تحدثوا عن فداحة العقوبات الغربية لا عن إمكانية تعرضهم لجحيم نووي، بصرف النظر عن طريقة انفجاره. وكيف لا؟ وقد وصلت آثار العقوبات حتى إلى رواتب أولئك الذين يعملون في المنشآت النووية نفسها.
ألم يتأكد الملالي أنه لا يمكن إخفاء ''التراجيديا الاقتصادية'' في بلادهم إلى الأبد؟ ليستمعوا إلى تصريحات وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، الذي اعترف فيها بأن العقوبات المفروضة على إيران وسورية بات لها تأثير متزايد حتى خارج الأراضي الإيرانية والسورية، وأصبحت تضر بمصالح الشركات الروسية نفسها. حتى الحكومات المارقة بدأت تصرخ من هول هذه العقوبات عليها. لكن ما جدوى ذلك؟ فخامنئي لم يسمع الصرخات الأقرب إليه!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق