الجمعة، 22 يونيو 2012

لا تريدون حماية السوريين.. احموا اموالهم

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



"اللصوص الصغار يشنقون من رقابهم، واللصوص الكبار ينشقون من مَحَافظهم"
                                                                                                     مثل لا تيني 


كتب: محمد كركوتــــي


كلما اقتربت النهاية الحتمية لنظام سفاح سورية بشار الأسد، كلما ازدادت وتيرة تهريب ما تبقى من أموال الشعب السوري التي تتعرض للسرقة بكل أشكالها منذ الأسد الأول إلى الأسد الثاني والأخير. فعند العصابات لا معنى لمصير المكان الذين يمتلكونه كرهاً، وبالتأكيد لا قيمة لحياة من يعيشون فيه ظلماً، ولا أهمية حتى لأولئك الذين تعاونوا معها على المستويات الدنيا.. المهم النجاة بأرواح قادتها وبالأموال المنهوبة، ولا بأس من ضم بعض المخلصين لها من الكبار في عملية الفرار، والبحث عن ملاذات آمنة لها، وبعد ذلك لهم. فالمشهد السوري المروع على مختلف الأصعدة، لم يمنع حتى أولئك الذين يحسبون كلماتهم قبل إطلاقها، وحركاتهم قبل الإيماء بها، من الخروج عن الثوابت اللفظية خصوصاً حيال القضايا المتفاعلة. فلم يجد رئيس فرنسا فرانسوا هولاند توصيفاً لنظام الأسد (أكثر دلالة) من "أنه نظام حقير". وعندما عبرت لأحد كبار مساعدي هولاند، عن إعجابي بالجرأة السياسية اللفظية لرئيسه في هذا التوصيف، رد مندهشاً.. هل لديك توصيفاً أمثل للأسد؟!
لا أعرف إذا كان للأسد و (عصابته) مساحة من الوقت لـ "توضيب" حقائبه قبل الفرار، إذا ما نجا فعلاً من عدالة الشعب السوري، وتمكن من إنقاذ رقبته. الذي نعرفه جميعاً، أنه (على طريقة رؤساء وقادة العصابات)، يقوم بتهريب وتخزين الأموال المنهوبة من السوريين، ليس بمساعدة المهربين وقطاع الطرق والخارجين عن القانون والأخلاق فحسب، بل أيضاً بعون ودعم كبيرين من بعض الحكومات التي تعيش وَهْمَ إمكانية بقاءه في سلطة لم تكن له شرعية فيها، أباً عن ابن، وشحبيحاً عن مرتزق، وقاتلاً عن مجرم. حكومات مثل الروسية واللبنانية والإيرانية والفنزويلية. بل هناك معلومات (لم تتأكد بعد) عن انضمام حكومة روبرت موغابي الذي فاز باليانصيب الوطني في زيمبابوي إليها! فتعاون العصابات (بمن فيها حتى المتخاصمة منها) يكون حتمي عندما تتعرض للحصار والمكافحة. هكذا فعلت في السابق أسر المافيا في الولايات المتحدة، وهكذا تفعل العصابات في كل مكان. المهم بالنسبة لها، ألا يتم القضاء على الشر الذي تعيش به ومنه.
أمام الشعب السوري الآن مهمة كبرى، تضاف إلى مهمته الفردية في إسقاط الأسد وعصابته. مهمة لن تكون سهلة، وليست قابلة للإنجاز في وقت قصير. وهي تفرض على جميع القوى الدولية مسؤولية كبيرة وأخلاقية لمساعدة هذا الشعب، الذي قرر العالم (حتى الآن) أن يتركه بمفرده عالقاً، بين "هجوم" دولي صوتي لفظي على الأسد، وبين الآلة العسكرية الوحشية لهذا الأخير. هذه المهمة تكمن في حصر وجلب الأموال التي نهبها الأسد الأب والابن، والأم والأخت، والعم والخال، إلى آخر الأسرة وتوابعها.. وتوابع توابعها. وإذا كان العالم قرر عدم مساعدة الشعب السوري، في الحرب التي يخوضها بالنيابة عن الإنسانية جمعاء، عليه على الأقل تقديم العون في استرجاع ما يمكن استرجاعه من أمواله المسروقة. فهذه المهمة لا تحتاج إلى قرار من (الرهينة الروسية) مجلس الأمن الدولي، بل إلى أوامر تصدر في لحظات، شرط ألا تكون أوامر صوتية.
تكفي الإشارة هنا، إلى أنه في الستة أشهر الأولى من الثورة الشعبية العارمة التي تجتاح سورية، تمكن الأسد من تهريب ما يزيد عن 23 مليار دولار أميركي، إلى الدول الصديقة له رسمياً وليس شعبياً. ومنذ إطلاق مبادرة المبعوث الدولي العربي كوفي عنان إلى سورية قبل شهرين تقريباً ، وبصرف النظر عن كونها ولدت ميتة ( وعند حتى المعجبين بالمبادرات، ولدت مشوهة)، فقد تمكن سفاح سورية من تهريب ما يقرب من 4 مليارات دولار أخرى. أي أنه في عام ونصف العام تقريباً هرب ما يزيد عن 27 مليار دولار من أموال السوريين المنهوبة، أو ما يوازي 2 مليار شهرياً. غالبية هذه الأموال كانت في خزائن البنك المركزي، الذي نزع عنه الأسد الأب الصفة الوطنية، ودغمه بالصفة الأسرية.
وإذا اعتمدنا على التقديرات التي اتفقت حولها غالبية الجهات المتابعة لاستراتيجية نهب سورية، حيث تأرجحت بين 30 و40 مليار دولار، فإن الأسد هرَب في 15 شهراً أكثر من ثلثي ما يُعتقد أنه هربه إلى الخارج في غضون 40 عاماً. وأقول الأسد لا عصابته، لأن الأموال التي نهبتها هذه الأخيرة، لا تدخل ضمن التقديرات المشار إليها. وقد تفيد الإشارة هنا، إلى أن ما نهبه محمد مخلوف خال الأسد (لوحده)، يصل إلى 12 مليار دولار أميركي. على كل حال، لا يمكن ترك هذا الأمر إلى ما بعد السقوط الحتمي للأسد وأسرته ونظامه الطائفي، فلا يزال السوريون يتعرضون للنهب والسرقة في غمرة تعرضهم للإبادة الجماعية التي أتاحها العالم. وإذا كان هذا العالم لا يرغب في مساعدتهم في حفظ حياتهم أمام هذا النظام الوحشي، ليساعدهم على الأقل في حفظ مستقبلهم الاقتصادي، بمالهم المنهوب. فالسوريون لا يطالبون بمعونات ومساعدات مالية، بل يطلبون أموالهم التي  سُلبت منهم في سياق قتلتهم الممنهج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق