الثلاثاء، 5 يونيو 2012

مصبغة الأسد لغسيل الأموال

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




"أهمية إيجاد الشهود توازي أهمية القبض على المجرمين"
سايمون وايسنتال محقق في الجرائم النازية

 
كتب: محمد كركوتــــي
 
يقف سفاح سورية بشار الأسد، بجدارة وامتياز في قائمة المجرمين الذين اكتسبوا توصيفهم الإجرامي، بصورة كاملة. ويرتفع عن بعض هؤلاء (في التاريخ) درجة، في أنه ورث الإجرام إبناً عن أب. بينما الأمر لم يكن كذلك، في حالة النازي هتلر، والفاشي موسوليني، والهمجي تشاوسيسكو، والمجنون القذافي، والسادي ميلوسوفيتش.. إلى آخر المجرمين الذين كان مرورهم في التاريخ الإنساني عاراً على البشرية جمعاء، ومصائب عليها لم تنته حتى اللحظة. والمجرم الكامل الأوصاف، هو القاتل والسارق. هو المغتصب لحقوق ليست له، ولحياة لا يملكها. هو ليس خارجاً عن القانون فقط، بل عدو له. وإن كان هناك من قانون خارج عن سيطرته، فهو يزدريه. وبشار الأسد، الذي قتل وعذب واعتقل ودمر وهجر وسرق ونهب، وارتكب الفظائع (بحكم قوانين الوراثة، و"محركات" الـ دي إن إى)، هو أيضاً غسل (ويغسل) الأموال المنهوبة من الشعب السوري، بل ومن شعوب أخرى (العراقيون في مقدمتهم)، وتلك الناتجة عن الجرائم المختلفة، من زراعة وتجارة المخدرات، إلى الإتجار بالسلاح، مروراً (طبعاً) بالتهريب، وتشكيل العصابات المتنوعة إجراماً، وتزوير العملات وطباعتها بدون سند، والرشى، إلى آخر تلك الجرائم التي لا تنتهي.

وعلى هذا الأساس، جاء قرار السلطات السويسرية مؤخراً بالتحقيق في عمليات تبييض الأموال لحساب نظام الأسد متأخر كثيراً، وذلك في سياق تقاعس سويسرا التاريخي في التعاطي مع عمليات غسيل الأموال التي تعج بها مصارفها، وعلى رأسها أموال شعوب عديدة في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، حيث شكلت تلك المصارف لسارقيها ملاذات آمنة. وقد عاندت سويسرا في السنوات الماضية حكومات دول كبرى، عندما طالبتها هذه الأخيرة، أن تتقدم خطوات إلى الأمام في هذا المجال. وبلغ الأمر حداً، أن هددت الحكومة السويسرية قبل عامين، بتجميد حصتها من الدعم المالي لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الأوروبية، لأن هذه الأخيرة وضعتها في مقدمة قائمة الدول التي لم تتعاون بما يكفي في مجال مكافحة غسيل الأموال. ولعل من المفيد الإشارة هنا، إلى أن تفعيل التحرك ضد سويسرا في هذا المجال، لم يأت إلا بعد انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية، مما تزيل عنه بعضاً من أخلاقياته.

أعود إلى بشار الأسد والعصابة التي يحكم بها سورية. فهذا الأخير لديه "مصابغ" أخرى كثيرة إلى جانب "المصبغة" السويسرية. ولأنه يمارس الكذب كاستراتيجية مصيرية له، لم يتردد بين الحين والآخر في إصدار مراسيم جمهورية لماذا؟ لمحاربة غسيل الأموال في سورية؟! آملاً في إقناع العالم بأنه محارب شرس لهذه الجريمة المتخصص بارتكابها (مرة أخرى) ابناً عن أب عن عم عن خال.. إلى آخر الروابط العائلية. فقد أصدر في العام 2003 مرسوماً تشريعياً بهذا الخصوص، عدله بآخر في العام 2005، وكل بند فيه ينطبق على الأسد وعصابته في دائرتيه الضيقة جداً أو في تلك الأوسع قليلاً جداً أيضاً.

الأموال غير المشروعة هي تلك الناتجة عن ارتكاب الجرائم التالية، حسب المراسيم "الأسدية": 1- زراعة أو تصنيع أو تهريب المخدرات.. فمنذ سبعينات القرن الماضي، وأسرة الأسد تسيطر على هذه "الصناعة" القاتلة، ليس في سورية فحسب بل وفي لبنان "الناشط" أصلاً فيها. 2- الأفعال التي ترتكبها جمعيات الأشرار.. لنتذكر استيلاد الأسدين المتواصل لعصابات أخذت شكل تنظيمات، ومن بينها حزب الله الشيعي الإيراني في لبنان، وفتح الإسلام، والجبهة الشعبية –القيادة العامة، والميليشيات العراقية وغيرها. 3- جرائم الإرهاب.. عمليات ممولة ومدعومة من الأسدين، تعدت الأراضي السورية لتشمل لبنان والعراق والأردن وتركيا ودول الخليج العربية، وعدداً من البلدان الأجنبية الأخرى. 4- تهريب الأسلحة والذخائر والمتفجرات وتصنيعها أو الإتجار بها.. مرتبط مباشرة بالبندين الثاني والثالث. 5- سرقة المواد النووية أو الكيماوية أو الجرثومية، أو تهريبها أو الإتجار بها.. هذه الجريمة خاصة بعدد قليل جداً من الأسرة الحاكمة في سورية، نظراً لحساسيتها الدولية. 6- سرقة واختلاس الأموال العامة أو الخاصة.. الأدلة في هذا المجال تحتاج إلى مجلد كامل، ولاسيما أن هذا النوع من الجرائم ارتُكب بصورة متواصلة على مدى أكثر من أربعة عقود. 7- تزوير العملة.. لم يكتف الأسد الأب والابن بارتكاب هذه الجريمة على مدى سنوات، بل أضافا إليها طباعة الأوراق النقدية بدون سند أو رصيد، مما دمر الاقتصاد السوري المنهوب أصلاً. 8- سرقة الآثار.. ظلت هذه الجريمة حكراً على أفراد عائلة الأسد فقط. 9- جرائم الرشوة والابتزاز.. هي جزء أصيل من الحراك "الاقتصادي" السوري. 10- تزوير حقوق الملكية الفكرية.. تجاوز الأسد وعائلته والمقربين منه التزوير إلى السرقة العلنية لهذه الحقوق.

لا تمثل "المصبغة" السويسرية التي يغسل فيها الأسد الأموال المنهوبة، وتلك الناتجة عن الجرائم المختلفة التي يرتكبها منذ أربعين عاماً، أهمية كبيرة. فـ "مصبغته" الخاصة بفروعها المنتشرة حول العالم، ولا سيما فرعيها اللبناني والإيراني، توفر ناتجاً مالياً مريعاً، يفوق ذاك الذي تنتجه له "السويسرية". إنها المصبغة الوحيدة التي تعمل بالآلام والدماء، لا بالكهرباء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق