الأحد، 29 يناير 2012

من يشتري النفط الإيراني؟

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")





"ليس بالضرورة أن يكون الشيء حقيقة، إذا مات أحد ما من أجله"
أوسكار وايلد أديب وشاعر ايرلندي

 
 
كتب: محمد كركوتــــي
 
كما فشل نظامي الأسد في سورية وأحمدي نجاد في إيران، في استجلاب التعاطف الإقليمي والدولي معها، وهما يتعرضان للعقوبات تلو الأخرى، والضغوط المتواصلة، كذلك يفشل هذان النظامان في إيجاد مشترين لنفطهما، حتى في ظل لجوئهما إلى سماسرة دوليين يستطيعون بيع حتى الوهم، و"يعملون البحر طحينة". وبعيداً عن نظام الأسد المتهاوي نفطياً واقتصادياً وسياسياً.. وبالطبع أخلاقياً، أتناول هنا إيران في ظل العقوبات وما بعدها، ولا سيما بعد أن دخل المسؤولون الإيرانيون في مرحلة تهديد الأعداء عن طريق طرف ثالث، لا دخل له بين طهران وهؤلاء الأعداء، وفي ظل تضارب في مواقف المسؤولين، بين مهدد مرة، ومستعطف مرة أخرى، وبين مستكبر حيناً ومستضعف حيناً آخر. والحقيقة، أن هذا التضارب لا يدل إلا على خوف لا حدود له يعيشه المسؤولون الإيرانيون، من سلسلة لن تنتهي من العقوبات حتى يعود هؤلاء إلى رشدهم، وإلى واقعهم.. وإلى حكمة ناطحها نظام الملالي على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، واستطاع القضاء عليها.

فرض حظر على النفط الإيراني، يعني ببساطة أن إيران ستخسر ما لا يقل عن 50 في المائة من دخلها القومي، وهي نسبة لا يتحملها أي اقتصاد في العالم، ويعني أيضاً - سواء قبِل خامنئي ومعه نجاد أم لم يقبلا- أن بلادهما مرشحة لاضطرابات شعبية كبيرة، قد تكون الاضطرابات السابقة مجرد زوابع في فناجين، ويعني المزيد من تدهور قيمة العملة الإيرانية، ويعني وقف تام للاستثمارات المحلية، ويعني استحالة حتى مجرد التفكير في استثمارات ضمن القطاع النفطي، ويعني مزيداً من البطالة، ويعني ضرب التمويل الإيراني لكل من نظام الأسد وحزب الله الطائفي في لبنان، ويعني فقدان السيطرة ليس على النمو، بل على الانهيار الاقتصادي. وبدلاً من أن يقوم المسؤولون الإيرانيون بالحيلولة دون ذلك، والدخول في طريق التعاون والتفاهم الذي وفرته الدول الكبرى، بما في ذلك إمكانية حصول إيران على قوة نووية سلمية خاضعة للرقابة الدولية، يقوم هؤلاء بإطلاق التهديدات، وبتقديم قراءات وهمية (بل وتضليلية) لحقائق مجردة وحاسمة على الأرض.

إنهم يروجون أن سعر برميل النفط سيصل في أعقاب تنفيذ حظر شامل على النفط الإيراني، إلى 200 دولار أميركي، وأن الأسواق ستدفع ثمناً باهظاً نتيجة لذلك. والأمر لا يتطلب خبيراً اقتصادياً لضرب حملاتهم "الترويجية" هذه، لأن ما ستخسره السوق النفطية من نفط إيران، قابل للتعويض بسهولة شديدة، ولأن الاقتصاد العالمي ليس نشيطاً بما يكفي لرفع الاستهلاك النفطي، بل أن تقريراً للبنك الدولي، أشار إلى أن هذا الاقتصاد سيشهد ثباتاً في العام الجاري، خصوصاً وأن التقرير نفسه، أورد بأن الناتج المحلي العالمي، سينخفض في العام الحالي إلى 2,5 في المائة من 2,7 في المائة سجلها في العام 2011. ولعل المفيد الإشارة، إلى أن الاتحاد الأوروبي يستورد 450 ألف برميل يومياً من النفط الإيراني (أو 18 في المائة من مجموع صادرات إيران)، موزعة على كل من إسبانيا واليونان وإيطاليا، وهي دول لا أحد يتوقع حراكاً اقتصادياً متصاعداً لها في السنوات القليلة المقبلة، نتيجة لكارثة الديون الغارقة فيها، يضاف إلى ذلك العبء الاقتصادي الكبير الذي ترزح الدول الأوروبية الكبرى تحته، من جراء محاولات إنقاذ اقتصادات هذه الدول، وغيرها في هذه القارة.

لن يصل سعر البرميل إلى 200 دولار أميركي. ففي زمن ما بعد الأزمة الاقتصادية العالمية، لم تعد الاحتياطات الهائلة من النفط التي تتمتع بها إيران، تشكل فارقاً على الساحة الاقتصادية، ولا في ميادين الأسواق النفطية، حتى لو امتلكت إيران 9,3 في المائة من الاحتياطي العالمي، و12 في المائة من احتياطيات دول منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبيك). وبدلاً من أن تنشر إيران الخوف الوهمي بهذا الخصوص، عليها أن تجد مشترين لنفطها بأسرع وقت ممكن. فحتى الصين التي تستورد ما يزيد عن 11 في المائة من احتياجاتها النفطية من إيران، بدأت بعقد صفقات بعيدة عن هذا البلد. فثاني دولة في العالم في استهلاك النفط، لا تستطيع أن تربط مصير جزء من احتياجاتها النفطية بدولة متخاصمة دائماً مع المجتمع الدولي، ومشجعة دائمة على عدم الاستقرار الإقليمي، ومحرضة مستمرة على الاضطرابات الخارجية. ولهذا السبب، وفي إشارة خطيرة بالنسبة لخامنئي ونجاد، لجأت الصين مؤخراً إلى استيراد كميات من النفط من فيتنام لأول مرة منذ أكثر من عام، ورفعت من حجم وارداتها النفطية من روسيا، وتحاول بشتى الوسائل أن تكون بعيدة عن آثار الحظر الدولي المفروض على النفط الإيراني. ليس مهماً اعتراض الصين على الولايات المتحدة الأميركية، لفرض الأخيرة عقوبات على شركة صينية تبيع النفط الإيراني. فمثل هذه الاعتراضات لا تلبس أن تتحول إلى اعتراضات صوتية، خصوصاً عندما "يجد الجد".

تطالب إيران دول الخليج العربية باتباع سياسات حكيمة بهذا الصدد، بينما لا دخل لهذه الدول بالبرنامج النووي الإيراني المشبوه، ولا بالعقوبات الغربية. في حين أن المسؤولين الإيرانيين لا يتذكرون آلاف المطالبات الخليجية العربية التي وجهت لهم على مدى ثلاثة عقود، لكي يعتمدوا الحكمة في سياساتهم وسلوكياتهم ونواياهم.

هناك تعليق واحد:

  1. ياريت بتيجى على الشراء وبس
    لكن ممكن تقوم حروب بل حرب عالمية تالتة بسب النفط

    ردحذف