السبت، 21 يناير 2012

"فيلق الإنكار" بين نجاد وبشار

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



"تعلمت الإنكار من أمي. لا أستطيع أن أواجه الحقائق، وإذا فعل أحد ذلك، فإنه يجرني إلى الجنون"
تاب هانتر ممثل ومغن أميركي



كتب: محمد كركوتــــي
 
لم يشهد التاريخ الحديث علاقة "تلاحمية" بين نظامين حاكِمَين، كتلك التي تربط النظامين السوري والإيراني، إلا إذا استثنينا تلك العلاقة التي جمعت نظامي النازي الألماني أدولف هتلر والفاشي الإيطالي بينيتو موسوليني. وإذا كانت الأولى تحمل معها الخراب، فإن الثانية أتت بالدمار. وللتذكير فقط، فإن رصاصة واحدة أنهت النازي وحُرقت جثته، بينما سُحِل الفاشي في شوارع روما، وعُقلِت جثته على أسلاك الكهرباء.

استكملت العلاقة بين بشار الأسد ونظام خامنئي عناصرها التلاحمية في أعقاب الثورة الشعبية السورية السلمية العارمة. ليس فقط من ناحية تزويد إيران الأسد بالآليات المخصصة لقتل المدنيين العزل، ولا بالمرتزقة الإيرانيين ومعهم قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني، ولا بالتنسيق مع حزب الله الإيراني في لبنان لهذا الغرض، ولا بالأموال التي بلغت 6 مليارات دولار أميركي لسند الأسد مالياً، ولا بإجبار طهران حكومة بغداد لعقد اتفاقيات "اقتصادية" سريعة مع سلطة الأسد توفر الإمدادات المالية له.. أقول، استكملت العلاقة عناصرها ليس بكل هذا فحسب، بل أيضاً بسياسة الإنكار التي باتت تشكل جزءاً أصيلاً من سلوكيات النظامين السوري والإيراني، خصوصاً فيما يرتبط بالعقوبات الاقتصادية الدولية المختلفة التي فرضت عليهما. فكلما تنوعت هذه العقوبات وتوسع نطاقها وازدادت حدتها، كلما تأصل الإنكار لآثارها على الساحتين المستهدفتين. ولأن العقوبات لن تنتهي بسرعة، بل مرشحة للمزيد من التنوع، فأنا أقترح على كل من الأسد وزميله أحمدي نجاد، تشكيل فيلق جديد، يضاف إلى الفيالق التي تربطهما، وليطلقا عليه اسم "فيلق الإنكار". وسأتفهم كثيراً جداً، أن يظهر أحد ليطلق عليه "فيلق مسيلمة".

وللإنصاف، لا يزال الأسد (وأعوانه) يتقدم خطوة واحدة فقط على نجاد (وأصحابه)، في إنكار المصائب الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الدولية. فالأول مُصر على أن سورية محسودة على قدرتها المالية، وخصوصاً "قوة" الليرة، بينما لم يتجرأ الثاني على قول مماثل يخص اقتصاد بلاده، إذا ما استثنينا طبعاً، إصرار نجاد على انتظار المهدي "المنتظر" لحل مشاكل الكون كله، بما في ذلك الكارثة الاقتصادية الإيرانية. في كل مرة تفرض فيه عقوبات على الأسد ونجاد، يخرج أعوانهما للتأكيد بأنها لن تؤثر على أداء اقتصاديهما. وسواء قبلا أم رفضا، أو أنكرا أم اعترفا، فليس هناك أداء واقعي لهذين الاقتصاديين. إنهما اقتصادان يسيران بقوة نحو الهاوية السحيقة، لن تنفع معها (في مرحلة لاحقة) إصلاحات أو "ترقيعات"، كما أنهما لن يتمكنا من صد النيران الاقتصادية المصوبة عليهما. وفي ظل هذه الحقيقة البائسة، تحول الأسد ومعه نجاد، إلى "حلول وجدانية" فريدة! فالأول يقول: "إن الشعب السوري قادر على مواجهة الحرب الاقتصادية التي تشن ضده"! والثاني يعلن: "أن كل الفاعلين الاقتصاديين هم جنود في مواجهة الأعداء الذين لن يتمكنوا من تقييد شعبنا، فيحاولون تقييد اقتصادنا"!

والمشكلة التي يواجهها كل من الأسد ونجاد، أن الشعبين السوري والإيراني يعرفان الحقيقة، ليس من مصادر غربية معادية، ولا من جهات متآمرة، ولا من أطراف مغرضة، بل من واقع يعايشانه، جعل من تداول الليل والنهار مصيبة يومية عليهما. ولأن النظامين الحاكمين في كل من سورية وإيران، لا يريدان التعاطي مع الحقائق، بما في ذلك بعض الحقائق التي يمكن انتقائها، فإن "فيلق الإنكار" باتت ضرورة حتمية لهما. عليهما أن يضعا معايير متطورة في استراتيجية الإنكار، من أجل الحد الأدنى من الواقعية. والحقيقة أنني لا أملك ما يمكنني من تقديم النصائح بهذا الصدد، خصوصاً عندما تكون الحالة المستهدفة للإنكار واقعية لا نظرية، وحقيقية لا وهمية، وحتمية لا متوقعة. ويبدو واضحاً أن هذين النظامين بلغا مرحلة، لا يمكنهما معها تغيير مسارهما، لأنهما استنفذا كل الفرص ومعها الوقت، واستهلكا كل الأكاذيب، بما في ذلك تلك التي كانت تستعذبها شرائح شعبية بسيطة، حركتها مشاعر "وطنية" رُبطت بنظامين لا بأمتين. وعلى عكس النظرية الشهيرة لجوزيف غوبلز وزير دعاية هتلر: "اكذب.. اكذب، سيصدقونك الناس في النهاية"، فالذي صدق الأكاذيب في كل من سورية وإيران، هم الذين أطلقوها فقط، وباتوا أسرى لها.

لا أعرف كيف سيكون أداء "فيلق الإنكار"، إذا ما أسسه الأسد ونجاد معاً، ووضعا له منهجية واستراتيجية مشتركة، كتلك التي ينفذانها في سورية اليوم ضد شعب أعزل أراد حرية فقط. لكن الذي أعرفه حقاً، أن أحداً لن يصدقهما حتى لو "خاطرا" بقول الحقيقة وعرضاها مجردة بمرارتها أما شعبيهما، وحتى لو اعترفا بما هو موجود على الأرض فعلاً، وحتى لو أرادا التعاون مع محيطهما الإقليمي والدولي، وحتى لو سامح الشعب السوري بشار الأسد على جرائمه (وهذا أمر مستحيل)، وحتى لو استحضر أحمدي نجاد "المهدي المنتظر"، لإقناع الإيرانيين بأنه أصبح صادقاً فيما يقوله، واعترف بأنه نجح في الانتخابات بالتزوير.

على كل حال، إن الإنكار في النهاية، هو بمنزلة إطار للوحة تغص بالأكاذيب.

هناك تعليق واحد:

  1. يالله بقى
    بتمنى افهم سر العلاقة الحميدة ياللى بين ايران وسورية ...
    يعنى لمجرد تقارب الحدود ... ام ... ماذا

    ردحذف