الثلاثاء، 5 أكتوبر 2010

ثورة العاطلين.. وفقدان الوظائف!

( هذا المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")


" شيء حسن أن الأمة لا تفهم كيف يعمل نظامنا المالي. لو فهمت بالفعل، لكانت هناك ثورة قبل صباح الغد"
هنري فورد الصناعي الأميركي

 
 

محمد كركوتـي

هل يقف العالم الغربي ( ومعه ربما غالبية دول العالم) على أعتاب ثورة اجتماعية – عمالية كبرى، على مبدأ الظلم الاقتصادي؟. هل يستطيع هذا العالم، تحمل مثل هذه الثورة، في وقت يحاول فيه لملمة تبعات أفعال الذين سيطروا على مقدرات القرار المالي والاقتصادي العالمي طوال عقود من الزمن؟. وهل يمكن لهذه الثورة المتصاعدة، أن تحقق ما فشلت فيه الحكومات؟. وهل يمكن أن نرى على الأرض المعايير التي يسعى إليها العاطلون عن العمل، وأولئك المرتعدين من إمكانية فقدان وظائفهم، ومعهم بالطبع الذين قُلصت مداخليهم قسراً، لا فشلاً في أداء واجباتهم؟. أسئلة كثيرة تحوم في الأفق الغربي على وجه التحديد، تزداد كلما ارتفعت حدة برامج التقشف التي أعلنتها الحكومات، لاحتواء ما أمكن من مصائب الأزمة الاقتصادية العالمية. إنها من تلك الأسئلة، التي تجعل من النوم حلماً لدى صناع القرار، لا ممارسة بشرية طبيعية. إنها من تلك التي تطرح قضية معقدة أخرى، في زمن العُقد الشاملة، تدور حول "الجريمة والعقاب"، وحول الظالم والمظلوم، وحول الفاسد والنظيف، وحول الحقوق وآكليها!. تدور أيضاً حول علاج المرض، بل حول تحديد المرض نفسه. فلا علاج ينفع لمرض، اختُلف على تشخيص مسبباته، بل اختُلف حول طبيعة مسبباته!. وهذا آخر ما ينتظره المعالجون الأكفاء، إن وجدوا في هذا الزمن.
في كتابي الأول عن الأزمة الاقتصادية، الذي صدر في العام 2009 تحت عنوان " في الأزمة"، تصورت كيف أن المفكر الشيوعي كارل ماركس، سيبتسم ( لو كان حياً) من جراء فشل النظام المالي المولود في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وكيف كان المفكر الاقتصادي الرأسمالي ( جداً) آدم سميث سيحاول الاختباء، ويتوارى عن الأنظار، خوفاً من رمية حجر أو بيضة فاسدة أو طماطم معفنة. وعلى الرغم من فشل الفكر الشيوعي الشمولي، إلا أن فشل الفكر الرأسمالي "السميثي"، كان أكثر وبالاً على العالم، لأنه كان يقود هذا العالم "بشمولية" رأسمالية. فالأول أضر بمحيطه وانسحب من الساحة، والثاني أضر بالعالم كله، ولا يزال موجوداً على الساحة!. ولذلك يمكننا أن نفهم "ابتسامة" ماركس المجازية، ونفهم في الوقت نفسه، اختباء سميث المجازي أيضاً. أما المفكرين الاقتصاديين الرماديين، فلا مكان لهم الآن. إن العالم وقع في أزمة سوداء، لا مساحة لبقية الألوان فيها. ولعل الأديب البريطاني الشهير جورج أورويل، استطاع في أربعينات القرن الماضي، أن يُلخص حالة العالم في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، عندما قال: "لا الثروة ولا العادات ولا الإصلاح ولا الثورة، قربت المساواة الإنسانية ملم واحد". وقد وَصَف بيج رينسي الصحافي والكاتب الأميركي، الجانب الأخطر( وهو البطالة) من الأزمة الاقتصادية العالمية قبلها بعقود، حين قال: " عندما أفقد وظيفتي، أفقد الإحساس بهويتي، في أقل من 15 دقيقة".
الثورة الاجتماعية التي يشهدها العالم، جاءت نتيجة تراكم مجموعة من التحولات، بدأت بنمو مشاعر "الوطنية الاقتصادية"، ثم "القومية الاقتصادية"، لتتطور بصورة خطيرة إلى مشاعر "العنصرية الاقتصادية". ومع استكمال مراحل التطور هذه، برزت مشاعر "التمرد الاقتصادي"، على من؟ على الحكومات التي تسعى من خلال خطط التقشف القاسية، أن يدفع المجتمع ( لاسيما بعماله وعمالته) ثمن أخطاء المصرفيين الكبار الذين ارتكبوا الأزمة، والذين استطاع عدد كبير منهم، أن ينجوا بفعلته دون محاسبة!. أو الذين " قتلوا القتيل ومشوا في جنازته". لا بأس في أن يساهم المجتمع في حل المشاكل الاقتصادية التي يمكن أن تظهر بين الحين والآخر، لأن ذلك جزء أصيل من الحراك الاجتماعي، لكن المصيبة أن الذين وقعت على عاتقهم حل المشكلات، لم يكونوا المسببين لها، ويشعرون بأن القوانين التي تضعها حكوماتهم، لاستعادة السيطرة على الاقتصادات الوطنية، هي أشبه بقوانين " قرقوش"، أي محاسبة أو تغريم الضحية، لا الجاني!. وأن عليهم أن يتقشفوا، من فرط فحش المصرفيين، ووهِم الازدهار، وفوضى الاقتصاد، التي سادت السنوات السابقة للأزمة الكبرى.
التقشف يعني على الفور البطالة، ويعني أن العالم سيشهد كل عام انضمام 213 مليون شخص إلى زملائهم العاطلين أصلاً عن العمل، ويعني – حسب مكتب العمل الدولي – أن عودة مستويات العمالة إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، لن تتم قبل العام 2015، ويعني أيضاً وأيضاً، مشاكل ومصائب اجتماعية، لن تستطيع -حتى الدول الكبرى - احتوائها. والحقيقة أن الدول التي تواجه مشاريع ثورات اجتماعية، أطلقت برامج التقشف، بعد أن أوقفت برامج التحفيز، التي كانت توفر بعضاً من المواساة للشعوب التي اكتوت بنار الأزمة. وكل هذا يعني، أن الاضطرابات السياسية والاجتماعية، ستتواصل على مدى الخمس سنوات المقبلة. ومن المشاكل أيضاً، أن غالبية الحكومات ( ولاسيما في العالم الغربي)، ليست مستقرة شعبياً بما يضمن لها الاستمرار في السلطة، الأمر الذي سيجعل من البرامج والمخططات التي وُضعت للخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية، عرضة للمناوشات الحزبية، وللاستقطاب السياسي، في الوقت الذي تحتاج فيه هذه الدول، حكومات وطنية، أكثر من احتياجها لحكومات الحزب الواحد.
ونظرة سريعة على بعض الإحصائيات التي توصلت إليها مؤسسات متخصصة، بما في ذلك مكتب العمل الدولي، تكفي لتعطي صورة حقيقية للمستقبل القريب، الذي يمثل أساساً للمستقبل البعيد. فهناك أربعين في المائة من طالبي الوظائف في 35 دولة تتوفر فيها إحصاءات حقيقية، لا عمل لديهم منذ أكثر من عام، أي ما يوازي 10 في المائة عن عام 2009 لوحده!. ولمزيد من الفداحة، قرر في العام الماضي أكثر من 4 ملايين عاطل، التخلي عن البحث عن وظيفة!. فقد دخل هؤلاء في عالم اليأس، الذي سيقودهم إلى عالم الضياع، الذي سيقود بدوره المجتمع، إلى الاضطراب. وبنظرة سريعة أخرى، يمكن أن نلحظ الاضطرابات الاجتماعية في 25 بلداً، منها بلدان من العالم الأول، لا العاشر!. يمكن أن نرى المظاهرات والاعتصامات، في مدن مثل باريس وبروكسل ولندن وبرلين وأثينا ومدريد، لا في داكار ولا هراري ولا أبوجا، ولا مقديشو، ولا أديس أبابا!.
مرة أخرى، هل هذا بمثابة مقدمات لثورة اجتماعية عالمية؟. وهل ستتوازى هذه الثورة فيما لو استكملت أدواتها، مع حجم كوارث الأزمة الاقتصادية العالمية؟. هل حل موعد دفع الفاتورة الاجتماعية، التي لا توجد حكومة في العالم تستطيع الوقوف في وجهها؟. هذه الأسئلة وغيرها، ستلقى إجابات لها في غضون الخمس سنوات المقبلة، وهي فترة ما بعد البركان، الذي انفجر بفعل قوانين وقرارات ورؤى اقتصادية، كان مجرد المس بها، يعني الكفر، عند "المُلهمين" الاقتصاديين، ومعهم "المُلهمين" السياسيين. لم ينفجر هذا البركان أبداً بفعل قوانين الطبيعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق