الأحد، 25 أكتوبر 2009

جمعيات ماذا؟!



( هذا المقال خاص بموقع " سي إن بي سي عربية" )









" لإسرائيل الحق في محاكمة الآخرين، لكن لا أحد يحق له محاكمة اليهود ودولتهم "
رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق (المغمى عليه) أرييل شارون



محمد كركوتــي

سقط الرئيس الأميركي باراك أوباما في الامتحان الفلسطيني – الإسرائيلي الأول. فلم يعد ( مع إدارته) متشددا في مسألة تهويد مدينة القدس المحتلة، ولا في توسيع المستعمرات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية. وتوبيخه المعلن للإسرائيليين على هاتين القضيتين المحورتين، تحول إلى صمت معلن أيضا. ويبدو أن سقوطه في الامتحان الأول، يؤسس لسقوط آخر في امتحان ثان مرتبط بإعفاءات ضريبية تتمتع بها المؤسسات والشركات الأميركية – وحتى الأفراد - التي تتبرع لـ " الجمعيات الخيرية" اليهودية. فلم يحرك الرئيس الأميركي ساكنا – حتى الآن – تجاه إعادة النظر في الإعفاءات الضريبية لهذه المؤسسات، بعدما تأكد للجميع، بأن متلقي تبرعاتها، يدفعون بالأموال الهائلة، ليس للتعليم ولا الفنون ولا لحوار الحضارات، بل للمستعمرات والمشاريع الجارية حاليا لتحويل القدس المحتلة، إلى مدينة يهودية صرفة، بعد أن يُقذف أصحابها إلى الجهة الأخرى من جدار الفصل العنصري المُهين، ولا بأس لو قذفوا إلى ما بعد حدود فلسطين نفسها. ويكفي أن نعلم، أن الحكومة الإسرائيلية رصدت ضمن ميزانيتها للعام المالي 2009 – 2010 ما يزيد عن 167 مليون دولار أميركي لإتمام عملية التهويد المتواصلة!، بعدما خصصت قرابة الـ 50 مليون دولار لتوسيع مستعمرتي "معالية أدوميم" و " جبل أبو غنيم"!.

في غضون ثلاث سنوات، قدمت "الجمعيات الخيرية" اليهودية الأميركية أكثر من 133 مليون دولارا أميركيا لدعم المستعمرات الإسرائيلية، وحصلت جمعية يهودية صهيونية واحدة، هي "إتيريت كوهانيم" على أكثر من 30 مليون دولار في عام واحد، لدعم جهود طرد 250 ألف فلسطيني من القدس الشرقية، لدمجها ديموغرافيا ( وجغرافيا بالطبع) بالقدس الغربية "المهودة أصلا". ومع ذلك لا تزال هذه الأموال – وغيرها – محصنة من الضرائب الأميركية، وهي ببساطة أموال يقدمها دافع الضرائب الأميركي غصبا عنه، أو في الأفضل الأحوال، يقدمها دون أن يعلم. ولا بد أن أوباما يعرف بأن هناك المئات من المؤسسات التي تقدم هذا النوع من التبرعات، مخالفة للقوانين الأميركية، التي تحظر على الجمعيات الخيرية – أيا كانت - الانخراط في نشاطات سياسية. وإذا كان قد "نسي" ، فقد وضعت مجلة " فوربس" الأميركية مؤخرا 12 جمعية يهودية في الولايات المتحدة، ضمن قائمة أكبر 200 جمعية في البلاد. ولمزيد من "التذكير" يبلغ مجموع اليهود في الولايات المتحدة 6,4 مليون فقط من أصل المجموع الكلي للسكان البالغ 307,784,000 .

والمريع في الأمر، ليس فقط سكوت الإدارة الأميركية عن المخالفات و "الجرائم" الضريبية في بلادها، بل أن القانون الأميركي ينص – يا للمصيبة – على أن أي جمعية خيرية إسرائيلية معترف بها، أين؟ في القانون الإسرائيلي، تخضع تلقائيا للإعفاءات الضريبية، أين أيضا؟ في الولايات المتحدة!. وللمزيد من الصدمة، فإن مثل هذا الامتياز لا ينطبق على الكثير من دول العالم!. ولكي تتحول الصدمة إلى ذهول، أظهرت دراسة للبروفيسور في الجامعة العبرية الإسرائيلية إيليز جاف، أن عدد "الجمعيات الخيرية" في الدولة العبرية يبلغ 27 ألف جمعية!، وجميعها معفاة من الضرائب. أي أن هذا العدد الهائل من الجمعيات، يحظى أيضا بالإعفاءات الأميركية التلقائية!!.

لا تزال سلطات الضرائب الأميركية ترفض الدعاوى المرفوعة ضد "الجمعيات الخيرية" اليهودية. ففي القضايا الإجرائية هناك آلاف المسارب و"الأزقة"، يمكن أن توفر حماية أو مبررات لرافضي هذه الدعاوى من "رجال ونساء القانون". لكن على الصعيد السياسي، تكون "الأزقة" محدودة، والانكشاف سريع جدا. وطبقا للمحامي الأميركي إيريك لويس، فإن الأمر يحتاج إلى إرادة سياسية، فيما لو رغبت الإدارة الأميركية في منع التبرعات الخبيثة – المدمرة، من خلال أمر تنفيذي. لكن لا تبدو في الأفق، أي إشارة إلى تحرك أميركي حكومي، حيال قضية لا تخص الفلسطينيين والإسرائيليين فحسب، بل ترتبط بالمواطن الأميركي نفسه، الذي يدفع جزءا من فاتورة توسيع المستعمرات وتهويد القدس ونقل واستيعاب المهاجرين اليهود، وقبل هذا وذاك، القضاء على ما تبقى من الهوية الفلسطينية انتسابا ووجودا.

يقول أول رئيس لوزراء إسرائيل ديفيد بن غوريون، في هجومه على ما كانوا يعترضون على بناء المستوطنات اليهودية على الأراضي الفلسطينية: " إنكم لا تعرفون حتى أسماء المناطق الفلسطينية التي بنينا عليها قُرانا. وأنا لا ألومكم، لأن كتب الجغرافية لم يعد لها وجود". لا شيء يعزز هذا التوصيف العنصري الإجرامي، سوى الأموال المتدفقة إلى القرى والمستعمرات اليهودية – الصهيونية. ولا أعرف إن مر ما قاله بن غوريون على الرئيس الأميركي، الذي يرغب بأن ينظر إليه الفلسطينيون بصورة مختلفة عن زملائه السابقين.



هناك تعليق واحد:

  1. إلى متى سنظل ندور وندور وندور .. التأثير الاسرائيلي على السياسة الامريكية كان ولايزال, الأقوى منذ تأسيس اسرائيل 1948 .. هل سنبقى ندور في تلك الناعورة .. على العرب ايجاد استراتيجيات لأنقاذ الشعب الفلسطيني " والشعوب العربية" من جدران الفساد والفقر والجهل .. قبلاً هل هناك صندوق دعم عربي يعتمد سياسة اعفاء ضريبي في اي دولة من الدول العربية إن تبرع احد ما إلى أي جهة أو جمعية انسانية عربية أو حتى غير عربية .. العرب معظم العرب فقراء يحتاجون إلى سد رمقهم .. اين الأموال والضرائب .. !! علينا بالنظر إلى مانفعله بأنفسنا قبل أن ننبش في ما يفعله الآخرين بنا .. ولك الشكر

    ردحذف