الأحد، 18 أكتوبر 2009

الرأسمالية.. الموت حُبًا!



(هذا المقال خاص بموقع "سي إن بي سي عربية")








" في ظل الرأسمالية.. الرجل يستغل الرجل، وفي الاشتراكية العكس هو الصحيح "
مثل شعبي بولندي


محمد كركوتــي

لو كنت قريبا من المخرج الأميركي الراديكالي الصادم الشجاع مايكل مور، لاقترحت عليه اسما آخر لفيلمه " الرأسمالية.. قصة حب"، رغم أن الاسم الأصلي يعبر بلاغيا عن هيكلية الفيلم ومحتواه. كنت سأقترح على مور عنوان: "الرأسمالية.. الموت حبا". وإذا كنا نستطيع بسهولة "ضبط" المخرج الأميركي كـ "سارق" لاسم فيلمه، من الفيلم الأميركي الشهير الذي عرض عام 1970 " قصة حب" أو Love story ، فيمكن للجميع أن "يضبطوني" كـ "سارق" لاسم الفيلم الذي اقترحته، من فيلم فرنسي شهير آخر عرض عام 1961 هو "الموت حبا" أو Mourir d'amour . ومنعا لـ "التصادم" وجدت مناسبا أن أقترح حلا وسطا للاسم: "الرأسمالية.. قصة حب نحو الموت" أو Capitalism .. A love story to death!!.

كان من المؤكد أن "تصعق" الأزمة الاقتصادية العالمية شخصا مثل مايكل مور. فمثل هذه القضايا تصب في  صلب اهتمامه وطبيعة إنتاجه، وتوفر له المادة المجردة لآلياته السينمائية المجردة. ولأنه كذلك، فهو لا يعرف " الفزلكة" في الطرح، ولا يتبع الأسلوب الإنشائي الدرامي في أعماله. هو مزيج من الصحافي المنقب، والأديب الجارح من فرط حرقته، ومخرج الأحداث الحية المجبولة بالواقع. والدراما التي يقدمها، لا ترتكز على أحداث حية فقط، بل تستند إلى أرقام أكثر حيوية من ناحية "توالدها"، وأكثر عنفا من جهة حقائقها. وإذا أردت أن أقدم توصيفا واقعيا لهذا المخرج الأميركي، أقول:إنه ينتج "دراما الأرقام". وهذا النوع من الدراما، قد لا يكون بليغا، ولكنها الوسيلة الأمثل لبلوغ القمة عندما تختفي الكلمات، أو تصبح هذه الأخيرة مجرد مفردات لا معنى لها، حتى لو كان قائلها هو المتنبي نفسه!.

قدم مور الأزمة الاقتصادية في فيلمه، من خلال مصائبها على المجتمع الأميركي، وسعى إلى تعرية الفكر الرأسمالي – المستنير أو غير ذلك - ليس من خلال الهجوم أو السخرية من مرتكبي الأزمة "الملهمين" فقط، بل عن طريق عرض الآلام الاجتماعية والمعيشية مع الكرامة المفقودة التي خلفتها الأزمة. فعندما تتحكم سوق واحدة هي "وول ستريت" بمصير مجتمع بأكمله، يصبح الأميركيون البسطاء الذين يعيشون في منازل متنقلة (على شاحنات)، من "علية القوم"، وتتحول هذه الشاحنة أو تلك، إلى أمل لا للمشردين، بل لأولئك الذين خسروا منازلهم بفعل الأزمة!. لم يكن مايكل مور قاسيا، عندما وضع في فيلمه شريطا أصفر على مبنى بورصة " وول ستريت" كتب عليه " مسرح الجريمة". فالجريمة انطلقت من هناك، لكنها لم تتوقف عند حدود سوق المال، ولا مدينة نيويورك ولا الولايات المتحدة نفسها. واليوم تبرز أصوات في عشر ولايات أميركية تدعو إلى الانفصال عن"الاتحاد الأميركي"، لأن أصحابها يرون أن الدولة الاتحادية تدار من قبل هذه السوق، وأن زمام الأمور لا تزال في أيدي " ملهمي" السوق، حتى بعد أن اتخذت الإدارة في واشنطن إجراءات مشددة لكبح جماح "وحوش" السوق المعنية. ولم يكن هذا المخرج مهرجا، عندما ظهر أحد المذيعين في الفيلم، يطلب من الجمهور الخروج إذا ما كانوا دون سن الرشد، أو من ضعاف القلوب. فالمشاهد ودلالاتها ووقعها وآلامها، تجعل من فيلم " سكريم" أو "الصراخ" نوعا من أنواع أفلام الأطفال!.

الأزمة الاقتصادية، أتت بهموم اجتماعية، تبدو أمامها هموم المصارف والمؤسسات التي انهارت أو تلك التي بيعت بدولار أميركي واحد، مجرد سحابة صيف. ولأنها ارتُكبت بأيدي بشر لا بمسببات طبيعية، فإن العالم يحتاج إلى " تسونامي" لإزالة مرارتها. فالولايات المتحدة الأميركية، التي قدم مايكل مور حرائق مجتمعها كمثال لنيران المجتمع الدولي بأسره، لم تخرج بعد من سيطرة السوق. ولكي أكون أكثر اعتدالا من مور الراديكالي الذي لا يرى من الرأسمالية إلا الخراب، أقول: إنها لم تكرس بعد المعايير المنضبطة للسوق". وعندما تنجح الإدارة المركزية في الولايات المتحدة، بضبط سوقها التي يتأثر بها العالم أجمع ( بأغنيائه وفقرائه)، تكون قد وضعت زمام الأمور في أيدي المجتمع نفسه، وتكون قد أبعدت " الملهمين الاقتصاديين" عن "مسرح جرائمهم"، وتكون قد أغاظت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر التي تنتظر صدور شهادة وفاتها. فهذه الأخيرة خسرت حياتها السياسية بعدما قدمت معايير السوق على قيم المجتمع، بل أنها ألغت هذا الأخير أصلا من حراك الحياة.

وإلى أن يتم تصحيح المشهد، أقترح على مايكل مور، أن يكتب ويخرج سلسلة من الأفلام عن الأزمة، لأنها تستحق إنتاجا سينمائيا لكل الأعمار، يتناول كل المصائب التي أفرزتها، وأن يتحول إلى "جاكي رولينج الأزمة الاقتصادية"، تيمننا بكاتبة أفلام " هاري بوتر"!.


هناك تعليقان (2):

  1. أعجبتني جملة التفائل التي بدأت فيها نهاية مقالك ب" وإلى أن يتم تصحيح المشهد" !! هل تعتقد سيدي أن هناك تصحيحا لمشهد أم استمرارا لما حل به أو بجملة مفيدة أكثر, الاستمرار بمساره الجديد ..
    مايكل مور هو بكل بساطة رجل أزماتي وهو أيضا ناشط سياسي .. كل ماشاهدته له, أعمال تتعلق بالازمات.... الحرب, الضمان الصحي الامريكي, البطالة. ولقد نجح في لفت نظر العالم له, حين أعلن جملته الشهيرة "عار عليك , عار عليك !! للرئيس الامريكي انذك جورج بوش, ردا على توريط الولايات المتحدة بالحرب في العراق " لكن إلا أن يتم تصحيح المشهد, أيها الكبير أشواقي وتحياتي وحبي ..

    ردحذف
  2. شكرا على وضع رابط راديو نوستالجي ... اعادة ذكريات ليست بعيدة جداً حين كناسوية بين حدود اسبانيا وفرنسا ... شيء جميل .. شكرا لك وامتناني الذي لاينتهي .

    ردحذف