الثلاثاء، 19 نوفمبر 2013

أموال منهوبة من شعوب منكوبة

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")







«القانون الأول عند اللصوص، أن شيئاً لا يصغر على السرقة»
جيمس بريسلين صحافي ومؤلف أمريكي



كتب: محمد كركوتـــي

الذي يتابع أعمال المنتدى العربي الثاني (في مراكش) لاسترداد الأموال المنهوبة، ويهتم بالتصريحات والمواقف التي أُطلقت وأُعلنت من جانب ممثلي الدول المشاركة، يعتقد للوهلة الأولى، أن الأموال التي نُهبت من الشعوب العربية، ستعود إليها في غضون أيام، بل إن الأمر لا يحتاج حتى لمنتدى أو اجتماع أو مؤتمر! ممثلو الدول الغربية، كانوا ''ثوريين'' في تصريحاتهم، بمن فيهم المتحدثة باسم الحكومة البريطانية لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا روزماري ديفيس التي كشفت عن وجود توجه دولي، يهدف إلى استرداد الأموال المنهوبة، من دول ما بات يعرف بـ ''الربيع العربي''، وذلك لمساعدة اقتصادات مصر وتونس وليبيا. ومضت أبعد من ذلك، بقولها: ''إن المجتمع الدولي وافق على تحمل مسؤولياته في مساعدة الشعوب العربية، التي شهدت ثورات وتمر بمرحلة انتقالية على استرداد أموالها المنهوبة''.
لكن ببساطة، الأمر ليس كذلك. لا تزال هناك الكثير من التغييرات التي ينبغي على الدول الغربية القيام بها، تتعلق بالأنظمة الإجرائية والقضائية، وطبيعة ملاحقة هذه الأموال التي لا تزال تمثل نزيفاً لشعوب تحتاجها من أجل أن تعيش، لا لتخزنها، أو تجمعها في حسابات لجني فوائدها. أما لماذا الدول الغربية؟ فلأنها تستحوذ بالفعل على أكبر قدر من هذه الأموال المشينة. في حين لا يمكن تبرئة بعض الدول الخليجية، لتوفيرها ملاذات آمنة لأموال تنتشر روائحها القذرة في كل الأجواء. والدول الخليجية هذه، أشار إليها دون تسميتها علي المري المحامي الخاص للأمم المتحدة المكلف بملف استرداد الأموال المنهوبة. ''البطولات'' في التصريحات الغربية وبعض العربية، التي تضمنت التزاماً بإعادة هذه الأموال، لا تزال صوتية. ويبدو أن الغربيين أُصيبوا بالعدوى من العرب في المجال الصوتي.
فرغم هذا الالتزام، والاجتماعات التي تمت منذ إطلاق المنتدى العربي لاسترداد الأموال قبل أكثر من عام، و''التعهدات'' المنطلقة دون توقف، لم يُرَد إلى الشعوب العربية المعنية سوى 100 مليون دولار أمريكي من أموالها المنهوبة! فهل عجزت الاستخبارات في هذه البلدان عن تعقب الأموال في مصارفها وعقاراتها ومؤسساتها؟! إن الأمر برمته ليس بهذه الصعوبة، خصوصاً في بلدان باتت أنظمتها المالية محكمة بصورة لم يسبق لها مثيل، وأصبح مجرد فتح حساب شخصي في مصرف ما، عملية مضنية، لا تنجح في بعض الأحيان. غالبية الأموال المنهوبة، وصلت إلى البلدان الغربية (وبعض الخليجية)، بمعرفة مباشرة من المسؤولين فيها. ومن بينها بريطانيا، في عهد رئيس وزرائها الأسبق (مُسوّق الطغاة) توني بلير، إلى جانب دول وأشباه دول، مثل سويسرا ولوكسمبورج وإمارة موناكو وجمهورية التشيك وجزر كايمن وإسرائيل، وغيرها. على ديفيد كاميرون الاتصال فقط ببلير، كي يعطيه معلومات حقيقية عن مكامن هذه الأموال في قلب بريطانيا نفسها.
لا يمكن تجاهل الفوائد الناتجة عن الأموال المنهوبة في بعض الدول. وهنا المفارقة. يصعب تعقب هذه الأموال، لكن من السهل ملاحظة الفوائد الناتجة عنها! ومن المعطلات في رد الأموال إلى أصحابها، تلك القوانين التي تفرض قيوداً صعبة وجامدة، على الرغم من أنها في طبيعتها إجرائية أكثر منها تشريعية. والدول المندفعة باتجاه إعادة الأموال، ليس عليها سوى إحداث تغييرات سريعة في قواعدها الإجرائية، من أجل ردها بصورة أسرع، والاستفادة منها خصوصاً في المراحل الانتقالية التي تمر بها بلدان الربيع العربي. وإذا ما أراد الغرب إحقاق الحق في هذا المجال، يمكن أيضاً، توفير مساعدات مالية للشعوب المتضررة من عمليات النهب، وربط المساعدات (بصورة تقريبية) بما سيعاد لها من أموالها. ولكن في النهاية، تبقى عملية تسهيل إجراءات رد الأموال، أفضل بكثير من أي حلول أخرى.
غير أن هذا كله مرتبط بالجدية في تحديد حجم الأموال المنهوبة، ومكامنها. وفي بعض الحالات، مرتبط بالقدرة على الإفصاح عنها من قبل بعض الدول الحاضنة لها. دون أن ننسى، أن هناك حكومات ستتعرض لإحراج كبير (خصوصاً تلك التي تتشدق بالعدالة) إذا ما كشفت عن حجم الأموال التي تستوعبها مصارفها وأعمالها وسراديبها ومخازنها، ولا سيما تلك التي أعلنت وقوفها إلى جانب الثورات العربية. وفي كل الأحوال، الأمر بات جزءاً أصيلاً من اتفاقية الأمم المتحدة التي وقعت عليها 167 دولة، وهي مخصصة لمكافحة الفساد، كما أنها ملزمة لكل الأطراف. ولعل من أهم نقاط هذه الاتفاقية، تلك التي تتعلق بالسماح بعمليات تفتيش دولية في الدول الموقعة عليها.
إن المسؤولية في هذه القضية، أخلاقية أولاً وأخيراً، لأنها خاصة بحياة ومستقبل شعوب تعرضت لنهب لا حدود له، على مدى عقود، إلى جانب تعرض كرامتها للاغتصاب المتكرر. وإذا كانت هناك بعض الحكومات المُخزِّنة للأموال المنهوبة، لا تهتم بالجانب الأخلاقي، فمن واجب الحكومات التي تدعي الأخلاق، أن تتحرك الآن .. وليس غداً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق