الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

الولايات المتحدة الأمريكية «النامية»

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")





«رأيت طفلاً وليداً تحوم حوله الذئاب»
بوب ديلان، شاعر ومغن أمريكي


كتب: محمد كركوتـــي

يستحق الرئيس الأمريكي باراك أوباما ''كأس العالم''، باعتباره الرئيس الأكثر شرحاً لأشياء لا يقوم بها! وهو أيضاً يستحق جائزة عالمية أخرى، كرئيس يُجبر بقوة المُضرب عن الطعام ليأكل، دون أي اهتمام بالأسباب التي قادته للإضراب! هو أكثر الرؤساء الذين مروا على البيت الأبيض، حرصاً على نهاية خدمة رئاسية مضمونة، الأمر الذي يُغيِب عنه مسؤولياته كرئيس لأكبر دولة في العالم، ويحوله إلى موظف كبير، ينتظر تقاعده المضمون يوماً بيوم. قد ينفع أوباما مديراً لمصرف مهمته الرئيسة، أن يقول لا لأي شخص يسعى للحصول على قرض، مهما كان هذا القرض ملائماً، أو حتى مستحقاً. وهذه أهون المهام لكل المناصب. لقد فضل الرئيس الأمريكي الجانب الأسهل في الإدارة، على الرغم من أن هذه السلوكيات الإدارية، تنال بصورة مهينة من القدرات الإدارية. ولهذا السبب، لا تنقطع المناكفات والخلافات داخل إدارة أوباما نفسها. فالفريق يريد أن يعمل، والرئيس يريد أن ''يضمن'' دون عمل!
يقول محبو الرئيس الأمريكي ''اللذيذ''، إنه ابتعد عن الساحة الدولية من أجل الساحة الداخلية! ورغم أنه لا يحق لرئيس الولايات المتحدة هذا الابتعاد، لأسباب معروفة للجميع، ولا سيما تركه الساحة الدولية لـ ''أزعر'' روسيا ليقرر السياسة وفق معايير المافيات، إلا أن أوباما لم يحقق نجاحاً يتناسب مع انكبابه على الشأن الداخلي. ولهذا السبب وغيره، انصرف إلى شرح الأشياء، ولا بأس من التبريرات معها على إخفاقات، ما كانت لتحدث، لو أنه ارتضى أن يكون صانع قرار بعيد عن اعتبارات، ستختصر حجم البوابة التي سيدخل منها إلى التاريخ. فإذا أراد تقزيم دور بلاده خارجياً، بحجج ساذجة، عليه أن يرفع من شأنها على ساحتها الداخلية. الذي حدث، أن ما حققه داخلياً، جاء أقل بكثير من تكاليف تخلصه الطوعي من إرادته كصانع قرار، ومن إرادة البلاد على الساحة الخارجية.
يعيش اليوم في الولايات المتحدة 46 مليونا تحت خط الفقر. ورغم أن خط الفقر في هذه البلاد، أعلى بما لا يمكن مقارنته بغيرها من البلدان الفقيرة، إلا أنه يمثل عاراً على أوباما، وفق المعايير الأمريكية، وليس الإفريقية أو الآسيوية. هذا العدد الذي يمثل 15 في المائة من مجموعة سكان البلاد، يماثل إجمالي عدد سكان دولة كإسبانيا! ويقل بصورة طفيفة عن عدد سكان أوكرانيا! لم يقلل الرئيس الأمريكي ''المتخصص في الشؤون الداخلية''! عدد الذين يعيشون تحت هذا الخط، على الرغم من عدم انشغاله بالخطوط الحمراء التي حددها لسفاح سورية بشار الأسد. اكتفى بالحديث عن هذه الأخيرة كـ ''مُنظر'' لا كمنفذ. وكعادته، أسهب في شرحها بمناسبة وغير مناسبة، دون أن يقوم بها. الذي حدث، أنه ترك لـ ''سيد'' العالم حالياً فلاديمير بوتين مهمة تغيير اللون، من أحمر إلى أبيض! بل إن هذا الأخير (في بعض المواقف)، رسم الخط الأحمر لأوباما نفسه!
الأثرياء في الولايات المتحدة، ازدادوا ثراءً، والفقراء ازدادوا فقراً مدقعاً. هذه المعادلة المريعة في كل مكان، أتى أوباما أساساً لتعديلها. أو هكذا قال شارحاً إلى حد الملل. عتبة الفقر الرسمية في الولايات المتحدة تبلغ 11702 دولار سنوياً للفرد، و23201 دولار لعائلة مكونة من أربعة أفراد. وعلى هذا الأساس، فإن مستوى الفقر في البلاد يبلغ - حسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية - 11 في المائة، بينما يصل أعلى متوسط لدى المنظمة نفسها 6 في المائة. وهذا يعني أن أوباما فشل حتى في خفض الفقر وفق المعايير التي تضعها منظمات دولية. علماً، بأن هناك دائماً فروقات بين تقديرات ومعايير المنظمات، وحقائق الوضع على الأرض. مع ضرورة الإشارة هنا، إلى أن المؤسسات الأمريكية المحلية تضع الأمريكيين تحت خط الفقر عند نسبة 15 في المائة. وسواء كانت هذه النسبة أو غيرها، فإن الرئيس الأمريكي، أخفق في أهم واجب أوكله لنفسه.
نسبة من الفقراء الأمريكيين لا تزال تحمل ''وول ستريت'' مسؤولية معاناة الفقراء أجمعين في البلاد. وهذا صحيح. لكن الصحيح أيضاً، أن أوباما فشل أيضاً في إيجاد ''كابح'' سريع لمتنفذي السوق الأمريكية. وكانت معركته مع هؤلاء متقدمة في بداية ولايته، لكنها لم تلبث أن تراجعت، أو أصابها الوهن. وهذا يفسر الارتفاع في عدد الفقراء الأمريكيين، في السنوات الماضية. ولا يزال الرئيس ''المتخصص'' في الشؤون الداخلية لبلاده، يستجدي المؤسسات التشريعية لرفع سقف الدين العام، وأبقى أخيراً على برنامج التحفيز.
غير أن هذا كله لم يحقق أي هدف على صعيد الحد من معدلات الفقر في البلاد، الذي يبقى فقراً عنصرياً بتركيبته. وحسب مركز التعداد السكاني الأمريكي، فإن نسبة الفقر بين البيض من غير الأصول اللاتينية، تصل إلى 2,19 مليون نسمة، ومعدلات الفقر هي الأعلى بين الأقليات. وماذا أيضاً؟ يعيش أكثر من ربع السكان من أصل زنجي أو لاتيني في حالة فقر، في حين تنخفض تلك النسبة إلى 10 في المائة من البيض. هل هي الولايات المتحدة الأمريكية ''النامية''؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق