الثلاثاء، 17 سبتمبر 2013

«اقتناص» المهاجرين.. كسب اقتصادي أناني

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




«تذكر.. تذكر دائما، أننا جميعاً، أنت وأنا على وجه الخصوص، وُلدنا هنا من مهاجرين وثوريين»
فرانكلين روزفلت الرئيس الأمريكي الراحل


كتب: محمد كركوتــي

في بعض الحالات تتماهى وضعيتا المهاجر واللاجئ، مع ملاحظة أن حالة النازح قد تتطور إلى الحالتين السابقتين، أو إحداهما، بصرف النظر عن تمسك الجهات المسؤولة حول العالم بهذا التأطير. هي تحرص على هذا النوع من التأطير، لأسباب تتعلق بمسؤولياتها وواجباتها حيال الحالات الثلاث. فلكل حالة التزامات مختلفة، وبالطبع أي جهة معنية تفضل الحالة الأقل تكلفة (بل الأدنى تورطاً) على المديين القريب والبعيد. لكل حالة تكلفتها الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية.. ولها منغصاتها. والتكاليف الاقتصادية هنا لا تنحصر فقط في المانح، بل تشمل نسبة من الممنوحين أنفسهم. ولا سيما من خلال تشغيلهم بأكثر من حقوقهم، أو ''سرقتهم'' من أوطانهم المحتاجة إليهم. علينا فقط أن ننظر إلى فلسطين المحتلة، من هناك جاء التطور. نازح أولاً، لاجئ ثانياً، مهاجر ثالثاً، ولا بأس من مواطن أخيراً. البعض يعتبره تطوراً جيداً، استناداً إلى المعايير الاقتصادية والمعيشية، أما البعض الآخر فيرى عكس ذلك تماماً، ويحمل القوى الفاعلة المسؤولية.
على كل حال، تبقى قضية النازحين واللاجئين، مأساوية بصورة لا تُقارن مع مسألة المهاجرين، أو مع أي قضية اجتماعية معيشية أخرى، باستثناء تلك التي شهدها العالم على مدى سنوات، واستحقت عنواناً عريضاً هو ''الموت جوعاً''. حسب الأمم المتحدة، هناك 232 مليون مهاجر حول العالم. وهؤلاء أكثر من عدد النازحين واللاجئين، وهم يشكلون ما يقرب من 3,2 في المائة مع المجموع الكلي للبشرية. ويقيم هؤلاء بصورة رئيسة في أوروبا وآسيا. هذا العدد من المهاجرين يقارب عدد سكان إندونيسيا، ويفوق سكان البرازيل عدداً. وفي غضون عقد واحد، أضيف لأعداد المهاجرين 21 مليوناً. وحسب التوقعات التي تستند إلى أسس علمية، فإن عدد هؤلاء سيشهد ارتفاعاً في السنوات المقبلة, فالمهاجر يبحث أساساً عن حياة أفضل, بينما يبحث اللاجئ (وكذلك النازح) عن مكان يوفر له يوماً إضافياً على قيد الحياة.
تصل نسبة المهاجرين 11 في المائة من سكان البلدان المتقدمة. فهذه البلدان قادرة على استيعاب سلس لهم، دون أن تتكبد أعباء كبيرة. غير أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد. فعدد متعاظم من الدول المتقدمة تحتاج إلى خبرات وكفاءات علمية ومهنية في مختلف المجالات، وهي إن فتحت الأبواب أمام المهاجرين، فإنها تسد بعضاً من الثغرات في هيكلية سوق العمل والتوظيف بشكل عام. ومن أجل ذلك، بدأت بعض البلدان بتشجيع هجرة الكفاءات إليها، بصرف النظر عن الدول المصدرة لها، أو بمعنى آخر، بصرف النظر عن الدول المتسربة منها. وهذه الدول ببساطة، تحتاج إلى الكفاءات أكثر من البلدان المتقدمة. هي غالباً دول تسعى إلى النمو الذي يوفر لها حداً أدنى من الاكتفاء في مختلف المجالات.
والحقيقة أن الدول المتقدمة ترتكب مزيداً من الأخطاء في هذا السياق. ففي الوقت الذي تسهم (بصور مختلفة) في التنمية في البلدان المصدرة للكفاءات والأيدي الماهرة، فإنها تستقطب (أو تسرق) رافداً محورياً في التنمية هناك. مع ضرورة الإشارة إلى أن مساهمات الدول المتقدمة في التنمية بالبلدان النامية، تراجعت بشكل كبير في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية. وقلت التزاماتها بحجة الأزمة، التي ارتكبتها هي نفسها، لا أحد غيرها. فحتى على صعيد المساعدات الإنسانية، ينبغي أن ينشر التحذير الذي صدر أخيراً عن منظمة ''أوكسفام'' الخيرية العالمية، الرعب في الأوساط الدولية قاطبة. هذه المنظمة تقول ''إن سياسات التقشف التي يتبعها الاتحاد الأوروبي، ستزيد عدد المعرضين للفقر بواقع 15 إلى 25 مليون أوروبي- مرة أخرى أوروبي- بحلول 2025، ليصل العدد إلى 146 مليون نسمة''.
أما لماذا ينبغي أن ينشر الرعب؟ لأنه إذا كان الأمر بهذه الصورة المرعبة في القارة الغنية، فكيف الحال في الدول الفقيرة أو النامية، المنتجة للأيدي الماهرة والكفاءات؟! الأوضاع المعيشية المتردية في هذه الدول، تعفي البلدان المتقدمة من ''عبء'' التشجيع على الهجرة إليها. فهؤلاء سيأتون إليها سواء بالتشجيع أو بالتسلل بصورة غير قانونية. وهذا ما يحدث بالفعل على كل الحدود المائية والبرية للبلدان المتقدمة. كل الدول تبحث عن مصالحها (هذا بدهي)، ولكن أليس من مصلحة البلدان المشار إليها، التقليل من التزاماتها الاقتصادية تجاه الدول النامية، بإبقاء الأدوات المنتجة في وطنها؟ سوف توفر عوائد في هذا المجال، يمكنها أن تستثمرها في بلادها نفسها، التي ستشهد (في الحالة الأوروبية) أكثر من 146 مليون فقير لاحقاً.
قضية المهاجرين، لا تنحصر في إطار شخصي فقط. إنها جزء أصيل من التنمية الشاملة في أي مكان، خصوصاً أولئك الذين يتمتعون بالكفاءات والمؤهلات اللازمة لبلدانهم. صحيح أن نسبة من بين المهاجرين تمثل عبئا حتى على الدول القادرة. فهي تبحث فقط عن مكان لعيش أفضل، دون أن تهتم بدورها في التنمية والمجتمع. ولكن الصحيح أيضاً، أن نسبة متعاظمة من المؤهلات تتسرب من دول تحتاج إليها بقوة، إلى دول تحتاج إليها بعض الشيء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق