الأربعاء، 29 مايو 2013

البراءة من فقر المصريين لا تعفي مرسي من المسؤولية

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")





«الحروب بين الأمم تستهدف رسم الخرائط، لكن الحروب على الفقر تستهدف تغيير الخرائط»
محمد علي كلاي - بطل الملاكمة الأشهر في التاريخ


كتب: محمد كركوتــــي
بالتأكيد.. لا يتحمل الرئيس المصري محمد مرسي مسؤولية الفقر في بلاده، وبالتأكيد هذه المسؤولية يتحملها مباشرة نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي لا يزال حريصاً وهو في قمة المهانة والذل وراء قضبان ''طرة''، على صبغ شعره. والمحصلة.. هي دائما،ً ''شاب'' على حافة قبره، أو ''مراهق'' مصاب بالزهايمر المبكر جداً. مرسي بريء من فقر المصريين، ولا دخل له بارتفاع عددهم قبل وصوله إلى السلطة، وليس ملوماً على ''تقزم'' المواليد، وليس مسؤولاً عن المصائب التي ألمت بالشعب المصري طوال العقود الماضية. ولكنه ليس بريئاً من الوصول إلى أفضل الصيغ لحل هذه المشاكل، ولن يكون بريئاً من آثام الحلول الفاشلة، أو من تلك التي تأتي بالآلام في زحمة الأوجاع. وبما أنه أسرع مع الإخوان المسلمين إلى القبض على السلطة، فرحاً بها، وناسياً فداحة الجرائم الاقتصادية والمعيشية التي ارتُكبت بحق الشعب المصري، عليه أن يكون حاضراً جاهزاً ليس للمعارضة وكتلها ومحاولاتها إسقاطه، بل لعديد من الفقراء الذين يتزايدون، و''جيش'' الجياع الذين يتضورون، وجماهير المحتاجين الذين يطلبون ويسألون، ولا يملكون رغد الوقت للانتظار طويلاً.
وعلى الرغم من أن نسب الفقر وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في مصر، ارتفعت -حسب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء- بصورة كبيرة في السنوات الثلاث الماضية، من بينها فترة حكم مرسي وحزب الحرية والعدالة البلاد، إلا أنه من العدالة، ألا نحمل الرئيس المسؤولية ''الجافة''. فلا بد من منحه مهلة. صحيح أنه مشغول في حربه على المعارضة، أو في حرب هذه الأخيرة عليه ''لا فرق''، إلا أن الاستحقاقات في شأن مكافحة الفقر والجوع، لن تتأخر طويلاً، والواجب الذي ينبغي أن يلبيه بهذا الخصوص، سيكون على طاولة المحاسبة طول الوقت، وليس بعضاً منه. لا أحد يطالب السلطة في مصر الآن، بأن ''تجلب الديب من ذيله''. فهذا ''الديب'' لا يزال أكثر مكراً من أدواتها و''أسلحتها''، ولكن ستجد السلطة صعوبة بالغة في العثور على من يصنع المبررات لها، في مسألة الحلول المطروحة لمصيبة الفقر والجوع وغياب الأمن الغذائي.
بين عامي 2009 و2011 ارتفعت نسبة المصريين الذين يعانون من نقص الأمن الغذائي من 14 إلى 17 في المائة. في حين انضم 15 في المائة من السكان إلى شريحة الفقراء في الفترة المذكورة. وطبقاً للدراسة الدولية، فإن الفقراء ينفقون أكثر من 50 في المائة من إجمالي دخلهم على الغذاء، وبالتالي، هم أكثر عرضة لتقلبات أسعار المواد الغذائية، على الرغم من اعتمادهم على الأطعمة الأقل تكلفة والأقل قيمة غذائية. ومن حقائقها المريعة، أشارت الدراسة، إلى أن نسبة التقزم لدى الأطفال (ما بين 6-59 شهرا) بلغت 31 في المائة في عام 2011 - وهو معدل ''مرتفع'' طبقاً لمعايير منظمة الصحة العالمية البالغ 30-39 في المائة - وقد كانت نسبة التقزم 23 في المائة في عام 2005 بحسب نتائج المسح الديموغرافي للأسرة. أما السبب الوحيد للتقزم، فهو سوء التغذية.
مرة أخرى، لا دخل لمرسي وحكومته في ذلك، لكنه مسؤول عن كل حالة تضاف إلى ملايين الحالات على صعيد الفقر والأمن الغذائي والجوع، منذ فوزه ''الطفيف'' في الانتخابات الرئاسية، وعليه أن يثبت أنه قادر على طرح الحلول، حتى تلك التي تستدعي وقتاً طويلاً. فنحن نعلم أن مصيبة كهذه لا تحل بقرار، بل بمنظومة من الحلول، تبدأ بما هو سهل على السلطة، ويمكن تنفيذه مباشرة. تستطيع الحكومة على الأقل، القيام بإعادة هيكلة نظام الدعم المتبع في مصر، بعد أن ثبت إحصائياً، أنه يغطي فقط 68 في المائة من السكان، بينما لا يشمل هذا النظام أكثر من 19 في المائة من الأسر الأكثر احتياجاً. كما أن إصلاح نظام الدعم، سيعزل الشريحة التي لا تستحقه، ولكنها تحصل عليه، فضلاً عن أن عملية الإصلاح هذه، لن تترك مجالاً لأي مؤسسة دولية (وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي) أن ''تتفلسف'' في نطاقه. وحسب الخبراء، فإن إصلاح الدعم، يعني وفراً في النفقات العامة، واستفادة الشرائح الأكثر احتياجاً، وبالطبع تحسن الحالة الغذائية لهؤلاء. هل يعقل، أن الدعم الحكومي لا يستهدف الشرائح الأكثر احتياجاً؟!
في بعض المناطق الريفية المصرية، يعيش الفرد على ''إنتاج'' وزة! وفي مدينة أسيوط (على سبيل المثال) بلغت نسبة الفقراء 58.1 في المائة من مجموع عدد السكان، بينهم –حسب تحقيق أكاديمي- 24.8 لا يجدون قوت يومهم، وفي بني سويف تصل نسبة هؤلاء إلى 53.2 في المائة، وفي سوهاج 45.5 في المائة.. وهكذا حتى تصل في أدناها إلى 7.9 في المائة في مدينة كالإسماعيلية. لا يمكن لمرسي ''ولا غيره'' أن يواجه هذه الكارثة على قدرها ومصائبها، بينما يتصارع سياسياً. ولا يمكنه أيضاً أن يطرح حلولاً ''بين الجولات''. وهو المسؤول الأول عن الحلول، وسيحاسب على جودتها، في سياق محاسبته على كل ارتفاع لمؤشر الفقر والجوع في ولايته المهزوزة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق