الاثنين، 7 مايو 2012

الفقر في سورية "ابن" 42 عاماً

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")


"الفقر هو أب الثورة"
سقراط فيلسوف إغريقي

كتب: محمد كركوتـــي
 
لو كان سقراط على قيد الحياة، وتابع ما يجري على الساحة السورية، لأضاف كلمة الإجرام إلى الفقر ليكونا معاً والدا الثورة. ولو أراد أن يوسع من مقولته في الحالة السورية، لأضاف إلى الكلمتين، الظلم والقمع والاستبداد والتعذيب والتنكيل، والفصل الطائفي وسرقة المال العام، واستئثار أسرة مجرمة واحدة وتوابعها من الأقربين والمقربين بمصير أمة بأكملها. بل ربما اختصر الأمر وقال: "الأسد هو مُلهِم الثورة ضده". والأسد الابن (كما الأب) احتضن كل سبب يمثل أب وأم وأخ وعم وخال الثورة. أليست أسرة اختصرت وطناً فيها لأكثر من أربعة عقود؟ أليست عائلة ملَكت نفسها حياة أمة بتاريخها وحاضرها، وسعت إلى تسجيل مستقبلها باسمها؟ ربما يأتي ماقالته ماما تيريزا، أكثر توافقاً مع الحالة السورية مما قاله سقراط، عندما اعتبرت "أن الفقر هو أسوأ أشكال العنف". تذكرت الكاتب والأديب الأميركي مارك توين، في مراجعتي اليومية لمؤشر تقاعس المجتمع الدولي، حيال الثورة السورية الشعبية السلمية العارمة التي انطلقت لإسقاط نظام الأسد الوحشي في سياق دفاعها عن الإنسانية، عندما قال:" تذكر الفقر.. إنه لا يكلفك شيئاً".

سأحاول هنا تذكير حكومات الدول التي أعلنت صداقتها للشعب السوري، بالفقر الذي منهجه الأسد الأب والابن، بل ويحاول الابن بائساً يائساً أن يستثمره بعد الثورة للتحايل على العقوبات العربية والأميركية والأوروبية، التي جففت بعضاً من منابع التمويل المالي له. يريد هذا النظام الناهب لكل شيء استغلال الذين فَقَرهم حتى ما بعد فقرهِم! ولذلك أوعز إلى أحد اتحادات العمال (الاتحاد المهني لنقابات عمال الكهرباء والصناعات المعدنية) التابع له، لإصدار تقرير اقتصادي حول الفقر في سورية، تضمن مجموعة من الأرقام، لو صدرت في أي دولة يحكمها نظام شرعي، لسقط النظام قبل أن ينتهي الناس من قراءة التقرير. ولتعرض أركان النظام أنفسهم إلى التحقيق، وربما للمحاكمة. فلا يمكن أن تكون أرقام الفقر في بلد ما بهذا المستوى المرتفع، إذا لم يسبقها فساد وسرقة ونهب وظلم واستحواذ من جانب النظام والمقربين منه. وطبقاً لهذا التقرير المريع، فإن نسبة الفقراء وصلت إلى 41 في المائة، وأن الخطة الخمسية العاشرة التي هدفت إلى خلق 625 ألف فرصة عمل جديدة للنصف الأول من عمرها، لم توفر –حسب التقرير المشكوك فيه دائماً- سوى 277 ألف فرصة. وفيه أيضاً أن نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر الأعلى تصل إلى 30 في المائة (2052 ليرة سورية شهرياً) في حين تصل نسبة خط الفقر الأدنى الى 11 في المائة (1458 ليرة شهرياً). وفي محاولة مفضوحة لمنح هذا التقرير بعضاً من المصداقية، أورَد "أن الحكومة لم تتمكن في خطتها الخمسية العاشرة (2006- 2010) من تخفيض هذه النسبة". غير أن الأرقام الحقيقية للفقر وللذين يعيشون فقراً مدقعاً بكل أشكاله المرعبة وتداعياته الفظيعة، ليست كذلك على الإطلاق. فنسبة خط الفقر الأعلى تصل على الأرض (وليس في التقارير) إلى 50 في المائة، أما نسبته في حده الأدنى فقد بلغت –طبقاً لمصادر محايدة ومعلنة- 17 في المائة. وهذا يعني أن 67 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، أو ما يعادل 13 مليون نسمة تقريباً، من مجموع عدد السكان. وهذا كله ليس ناتجاً عن العقوبات المفروضة على نظام الأسد الهمجي، بل يرجع إلى سلسلة من المراحل التي مر بها الاقتصاد السوري منذ العام 1970 (أي منذ وصول الأسد الأب إلى الحكم بطريقة غير شرعية)، وكانت –كما أشرت في مقالات سابقة لي- على الشكل التالي: "اقتصاد التفقير" و"اقتصاد الفقر ومادونه"، و"اقتصاد التشبيح".

فالفقر في سورية ليس وليد عام أو عامين أو حتى عشرة أعوام، إنه في الواقع "ابن" 42 عاماً. ولأنه ممنهج لا تنفع معه أية خطة للحد منه، وقد فشلت كل الدراسات والمخططات التي وضعتها المؤسسات الاقتصادية الدولية الحكومية والمستقلة، في الوصول إلى أفضل علاج للفقر في سورية، لأسباب عديدة، في مقدمتها بالطبع الفساد والسرقة، وعدم تكافؤ الفرص، والمحسوبية الممأسسة في توزيع الحصص وفرص العمل. وسورية التي يحكمها نظام فريد في وحشيته، هي أيضاً فريدة في فقر مواطنيها. فقد نما هذا الفقر في حالتين اقتصاديتين متضاربتين. الأولى: عندما كان الاقتصاد مغلقاً على كل الشعب، لم تنفع كل المفاتيح لفتحه. والثانية: حين أصبح مفتوحاً على مجموعة "انتخبت" نفسها لتستحوذ على كل ما في. ولعل تكرار التذكير بالحقيقة المفزعة بأن شخصاً واحداً هو رامي مخلوف (ابن خال نظام سفاح سورية) يملك ما بين 60 و65 في المائة من هذا الاقتصاد، توفر الكثير من الكلمات والتحليلات والدراسات، وتختصر قصة اقتصاد كان الأفضل على الإطلاق بين الاقتصادات الإقليمية قبل اغتصاب سورية من عائلة الأسد وتوابعها. بل كان الأكثر مرونة في التناغم مع الاقتصادات العالمية الكبرى والصغرى. يقول أحد الشعراء :" تعجبين من سقمي.. صحتي هي العجب"! فلا عجب في أن يكون أكثر من نصف السوريين تحت خط الفقر.

هناك تعليق واحد: