الاثنين، 14 مايو 2012

عقوبات موحدة ضد اقتصاد الشر

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




"أهمية عدم التعاون في الشر، هي بأهمية التعاون في الخير"
الزعيم الهندي ماهاتما غاندي

 
كتب: محمد كركوتــــي
 
لا يختلف التعاون بين نظام سفاح سورية بشار الأسد، ونظام الملالي في إيران من حيث الجوهر، عن التعاون الذي صبغ العلاقة بين نظامي النازي الألماني أدولف هتلر والفاشي الإيطالي بنيتو موسولوني. فالتعاون الأول (كما الثاني) هو ببساطة "تعاون الشر"، وبصورة أوسع، هو تعاون من أجل القتل والتدمير وارتكاب الفظائع. والأول، هو تعاون مريع لبسط نفوذ إيراني خبيث، على المنطقة العربية كلها. وليس أفضل من أداة عربية مساعدة لتحقيق هدف وُضع أصلاً على أمل إنجازه منذ أكثر من 3000 سنة. وفي المجمل، فالثنائي الأسد-خامنئي، هما نسخة حديثة متطورة في الأدوات للثنائي هتلر- موسوليني، مع الفروقات الجغرافية والتاريخية، وشيء من السياسية. وكما كان ينقص هذين الآخيرين إعلان الاتحاد بينهما، كذلك الأمر بالنسبة للثنائي الآخر، بصرف النظر عن طبيعة التعاون التي وصلت إلى المستوى الاتحادي، دون إعلان رسمي، خصوصاً عندما يكون هذا الإعلان.. تحصيل حاصل.

قبل الإمدادات المالية الإيرانية المباشرة للأسد لمساعدته على استكمال حرب الإبادة التي يشنها ضد الشعب السوري، في ظل تقاعس دولي وسط "جحيم" لا حدود له، "صنعته" حرب الكلمات التي تشنها دول أعلنت صداقتها لهذا الشعب! كانت هناك إمدادات القتل بتوريد قُطاع الطرق والمرتزقة الذين ما أن يصلوا إلى سورية، حتى يحصلون على وظيفة "شبيحة"، ومعها يأتي خبراء قتل الأبرياء فقط. وبعدها جاءت اتفاقية التجارة الحرة بين نظامي طهران ودمشق، وفي سياقها انتعش التهريب ونمت معه الصفقات التجارية الالتفافية على العقوبات الأميركية والأوروبية والعربية، وانتعشت عمليات المقايضة. وقبل هذا وذلك وفر نظام الملالي الملاذ الآمن للأموال المنهوبة من الشعب السوري، بما في ذلك الذهب، بل وحتى تسهيلات بتخزين النفط السوري المنهوب. ولا شك في أنه سيوفر ملاذاً آمناً للأسد وعصاباته عندما يسقطه السوريون. والذي لا يرى بأن سقوطه هو مسألة وقت، فهو بالتأكيد يعيش وهم التمنيات، أو أنه لا يتابع إلا القنوات الفضائية الأسدية، التي تنقل كاميراتها مشاهد من قلب المدن السورية تصاحبها موسيقى حالمة، تُستخدم عادة في مقاه يرتادها العشاق!

لا أعرف لماذا لا تهتم الدول التي فرضت عقوبات على الأسد، بصفقات شراء الحبوب التي يعقدها هذا الأخير عبر إيران؟! على الرغم من أن العقوبات المفروضة كلها لا تطال المواد الغذائية الأساسية. فقد فُرضت أصلاً للتضييق على الأسد وعصاباته، على أمل أن يتوقف عن قتل شعبه، وبالتالي فإنها لا تستهدف الشعب على الإطلاق. وهذه الصفقات مريبة، فمن خلالها تعقد صفقات أخرى لتوريد بضائع ومنتجات تشملها العقوبات، ويتم الاحتيال بنقل الأموال، التي يفترض ألا تنقل من داخل سورية. ويستغل الأسد ومعه إيران، ثغرات عدة في هذه العقوبات، بما في ذلك عدم إقدام الدول التي فرضتها، على ربط مباشر بين مؤسسات وشخصيات سورية وإيرانية. والأمر أيضاً ينطبق على مؤسسات وشخصيات لبنانية وعراقية، وكلها توفر قنوات احتيالية خطيرة، تخفف من إحكام الطوق الاقتصادي حول عنق الأسد وعصاباته.

لقد ارتفع حجم التبادل التجاري المعلن بين دمشق وطهران منذ انطلاق الثورة الشعبية السلمية العارمة في سورية، إلى معدلات كبيرة وسريعة جداً، يفوق مرتين حجمه على مدى عقد كامل من الزمن، رغم العلاقات الخاصة والخبيثة التي ربطت النظامين الحاكمين في البلدين. وفي أوج الثورة السورية، والحصار الاقتصادي المفروض على الأسد، وجد هذا الأخير مساحة لإقامة معرض للمنتجات السورية في إيران، شاركت فيه 300 شركة سورية! وعلينا أن نتخيل فقط الثغرات التي أحدثها هذا المعرض في العقوبات، ناهيك عن الصفقات السوداء المباشرة وغير المباشرة التي تمت بين الطرفين، والتي تتم في مرحلة لاحقة بين إيران وأطراف أخرى. ورغم أن إيران نفسها تخضع لسلسلة من العقوبات الدولية عليها بسبب برنامجها النووي الخطير، إلا أنها لا تزال تستطيع أن توفر "أوكسجيناً" اقتصادياً للأسد. وتكفي الإشارة هنا إلى الشركات الوهمية (والأفراد) التي تعمل لحساب نظام الملالي حتى في قلب الدول الغربية "الثائرة" اقتصادياً عليه.

قبل الثورة السورية، كان يجمع كلاً من دمشق وطهران اقتصاد خاص بنظامين لا بشعبين، وبعدها أصبح اقتصاد خاص بإنقاذ نظام وقتل شعب كامل. وإذا كنا نستطيع تمرير صفقات الحبوب –رغم الشكوك فيها- كيف يمكن (على سبيل المثال) تمرير إمدادات نظام الملالي للأسد بالديزل (أو المازوت)، مقابل تصدير هذا الأخير البنزين إلى إيران؟! والأمر نفسه ينطبق على كل الواردات التي توفر دعماً مباشراً لسفاح سوريا لمواصلة حرب الإبادة.

الذي تشكل بين طهران ودمشق بعد الثورة، اقتصاد الهلاك أو الشر. وهو اقتصاد لا يقل خطورة عن استمرار بشار الأسد في سلطة لم يستحقها في يوم من الأيام. والعقوبات المطلوبة ليست تلك المتعددة الجولات فقط، بل تلك التي تستهدف اقتصاداً واحداً لنظامين متجانسين في الشر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق