الثلاثاء، 6 سبتمبر 2011

النفط السوري يقتل السوريين أيضاً

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




"العقوبات الأمثل على الطاغية، هي تلك التي يفرضها عليه ضحاياه"
إين راد كاتبة ومؤلفة أميركية

 
 
كتب: محمد كركوتـــي
 
عندما فرضت أوروبا عقوبات مختلفة على طاغية زيمبابوي روبرت موغابي، تشمل حظر السفر إليها، قال هذا الأخير، الذي بلغ به الفساد، أنه ربح اليانصيب الوطني في بلاده!: "لا نحفل بمنعنا من السفر إلى أوروبا، نحن لسنا أوروبيون"! ومع ذلك فهو يتحرك حتى داخل منزله وسط حراسة مشددة. وكان سفاح ليبيا الساكن في الجحور معمر القذافي، لا يترك مناسبة – قبل أن ينصاع إلى أوامر الغرب- إلا وردد فيها عبارته المقززة: "ظز في أوروبا ومعها أميركا"! لكنه ينتقل من جحر إلى آخر هروباً من عدالة شعبه. وعندما وقفت أوروبا ضد سفاح سورية بشار الأسد، وفرضت عليه عقوبات ومنعته وأعوانه من السفر إليها، ظهر وزير خارجيته وليد المعلم، الذي يعيش في غيبوبة دبلوماسية منذ زمن بعيد، ليقول: "لقد مسحنا أوروبا من الخارطة"! ماذا حدث؟ خشي الأسد حتى من تأدية صلاة عيد الفطر في المسجد الأموي الكبير، ليؤديها في أحد المساجد الصغيرة المجهولة، التي لا يزال بإمكانه السيطرة عليها، حفاظاً على أمنه الشخصي. لم يحدث في التاريخ أن صمت طاغية على العقوبات التي تُفرض عليه، بل يتحداها –بصرف النظر عن آثارها السلبية على شعبه- حتى يصل إلى نهايته الحتمية، والأمثلة كثيرة، صدام حسين عربياً، وسلوبودان ميلوسوفيتش أوروبياً، وتشارلز تيلور أفريقياً، وغيرهم.

بعد خمس موجات أوروبية وموجتين أميركيتين من العقوبات على الأسد، في غضون ستة أشهر تقريباً، خرج أعوان هذا الأخير، ليتحدوا العقوبات، وارتفعت أصواتهم بعد أن دخلت العقوبات الخاصة بحظر تصدير النفط السوري إلى أوروبا حيز التنفيذ. وقد عودتنا هذه الأنواع من الأنظمة، أنه كلما علا صوتها ضد عقاب ما يفرض عليها، كلما كان هذا العقاب مؤثراً وفاعلاً عليها، ومرعباً لها. والحقيقة أن القطاع النفطي في سورية، هو في الواقع قطاع حساس ليس للاقتصاد الوطني، بل للأسرة الحاكمة وأعوانها، فعوائد هذا القطاع لا تدخل (منذ عهد الأسد الأب) في الخزينة العامة، وتصب كلها في خزائن السلطة و"جيوبها"، وقد حافَظَ الأسد (الأب والابن)، على هذه الإمدادات باتجاه أوروبا حتى في عز الاضطرابات الدبلوماسية بين الأوروبيين والسلطة الحاكمة في دمشق، مستفيداً من دعم الشركات النفطية الأوروبية له. وتكفي الإشارة هنا، إلى أن شركة (شل) الهولندية- البريطانية، قاومت القرار الأوروبي الأخير، على أمل الاستمرار في أعمالها داخل الأراضي السورية، رغم الحقائق والأدلة والبراهين العارمة، التي أثبتت أن الأسد يرتكب الفظائع ضد شعبه.

ولكن لماذا علا صوت أعوان الأسد، ضد الموجة العقابية الأوروبية الأخيرة؟ الجواب ببساطة هو أن أوروبا تستورد قرابة 90 في المائة من النفط السوري، تستخدم إيراداتها بالتحديد في الأعمال الوحشية التي يقوم الأسد بها ضد شعبه، وقبلها في تثبيت سلطته. وهذا يعني أن السلطة السورية ستبحث عن مشترين آخرين بأسرع وقت ممكن، للحيلولة دون توقف الإمدادات المالية، خصوصاً في ظل العقوبات الأوروبية والأميركية التي شملت شخصيات سورية ولبنانية وإيرانية هي في الواقع، ممولة تقليدية للأسد، فضلاً عن مؤسسات سورية كانت تدر أموالاً هائلة له، بما في ذلك تلك التي يمتلكها ابن خاله رامي مخلوف. وبات من الواضح، أن المساعدات المالية الإيرانية (إلى جانب الأمنية، إضافة إلى تصدير المرتزقة)، والاتفاقات الجمركية السريعة التي أبرمتها حكومة نوري المالكي "العراقية" مع السلطة في سورية، والتي تبلغ في مجموعها 12 مليار دولار أميركي، لم تحقق الأمن المالي المطلوب للأسد، لأنه يتوجب عليه (في سياق احتفاظه في السلطة أطول فترة ممكنة)، الإيفاء بالالتزامات الداخلية، ليس من منطلق تأمين الحد الأدنى من مستوى المعيشة للشعب السوري، بل لتأخير الانطلاق الحتمي للعصيان المدني الشامل، الذي بدأت بوادره تظهر بصور متقطعة على الساحة الداخلية. فمع توجه الاقتصاد السوري نحو حافة الهاوية، لا شيء سيقف أمام الشعب الذي يقوم بثورته السلمية العارمة، في التحول إلى العصيان المدني.

وعلى الرغم من أن العقوبات الأوروبية على الأسد، لم تشمل الاستثمارات (على عكس العقوبات الأميركية)، إلا أنها لا شك سوف تؤثر بصورة كبيرة على الوضعية المالية له، إلا إذا استنجد بالأموال المنهوبة (وهذا أمر مستبعد) الموزعة بصورة كبيرة بين لبنان وإيران وفنزويلا. وحتى هذه الأموال لن تكفل له بقاء طويلاً في السلطة، في ظل تعاظم الثورة ضده. غير أن الأوروبيين لم يغلقوا الباب أمام مزيد من العقوبات، فقد اتبعوا منذ بداية الثورة فرضها تدريجياً بما يتناسب –من وجهة نظرهم- مع حجم الفظائع والجرائم التي يرتكبها الأسد، علماً بأن حجم الفظائع التي يتحدثون عنها، لا تتناسب والبطء التدريجي للعقوبات التي فرضوها، بل لا تتناسب أيضاً مع حجم الإجراءات الدبلوماسية والسياسية التي اتخذوها ضد الأسد. وهذا يقودنا إلى السؤال الأهم. هل ستنحصر أضرار العقوبات المفروضة في الأسد وأعوانه فقط، أم أنها ستنال من الشعب السوري؟

في الحقيقة، أن هذه العقوبات التي حاول فارضوها أن تكون "عقوبات ذكية"، مختلفة عن تلك التي فُرضت على العراق منذ احتلاله الكويت، وحتى انتهاء حكم صدام حسين، ستنال من الشعب السوري، مهما بلغت درجة "ذكائها". وهذا يضع الأوروبيين والغرب عموماً أمام مسؤولية تاريخية بكل معنى الكلمة. لن يكون هناك تأثير على المدى القصير للعقوبات على الشعب السوري، ولكن تأثيرها سيظهر بوضوح على المدى المتوسط والطويل. وإذا ما كان الأوروبيون (والمجتمع الدولي عموماً)، جادون في مساندة الشعب السوري الذي يتعرض لحرب إبادة، عليهم أن يتحركوا بصورة أكبر وأقوى للوقوف إلى جانب هذا الشعب في إزالة سلطة تحكم البلاد بلا شرعية منذ عهد الأسد الأب. ولا يتم ذلك، إلا باستكمال عملية عزل الأسد وأعوانه، عزلاً تاماً، والعمل المثابر على تذليل العقبات الدبلوماسية أمام إدانته في مجلس الأمن الدولي، على شكل قرار لا بصيغة بيان رئاسي من المجلس المذكور.

إن بشار الأسد سيستخدم هذه العقوبات في مرحلة لاحقة ضد شعبه (إذا ما استمر في الحكم)، لتمثل سلاحاً جديداً يضاف إلى أسلحته الخفيفة والثقيلة، التي لم يوفر شيئاً ضد المدنيين العزل. فقد بدأ حاكم المصرف المركزي السوري، بإطلاق الإشارات بهذا الخصوص، حينما دعا السوريين إلى شد الأحزمة، في خطوة أولى ضمن حرب تخويفية. وفي كل الأحوال، يراهن الأسد على الوقت، على أمل أن ينجو من مصيره المحتوم، وعلى المجتمع الدولي العمل الآن لاختصار هذا الوقت بل ولقطعه إلى الأبد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق