الخميس، 6 فبراير 2014

«مغاسل» حزب الله الأسترالية للأموال .. وغيرها

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")






"المال قد ينهي المشاكل المالية، لكنه لا ينهي المشاكل الأخلاقية".
سونيا باركر - مؤلفة أمريكية

كتب: محمد كركوتــــي

قبل عام ونصف العام تقريباً، نشرت هنا مقالاً بعنوان "مصبغة حزب الله لغسل الأموال". وقتها انطلقت موجة غربية ضد المصارف الغربية الكبرى، التي ثبت تورطها المباشر في تبييض الأموال لحساب هذا الحزب الإيراني في لبنان. من بينها "إتش إس بي سي" و"باركليز"، وحتى "بنك أوف أمريكا". إلى جانب طبعاً عشرات المصارف والمؤسسات المالية الأصغر، إضافة إلى وكالات الصرافة المتناهية الصغر. بعض هذه المصارف، قطعت الطريق فوراً، واعترفت بتورطها، ودفعت الغرامات اللازمة، و"تعهدت" بالانضباط. وبعضها الآخر فضل الإنكار إلى أن ثبتت التهم. لا غرابة في ذلك، لقد تأكد بصورة موثقة أن المصارف الكبرى جداً ذات الأسماء الرنانة جداً، سندت نفسها بالأموال القذرة في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية. فليس مهماً (بالنسبة لها) تبييض أموال لحزب إرهابي قاتل كحزب الله، طالما أن الأمور لم تنكشف، و"الغسيل" يتم بدون روائح المبيضات.
انكشاف أمر المصارف والمؤسسات المختلفة المتورطة في تبييض أموال العصابات والمجرمين والناهبين وحزب الله، دفع هذا الأخير للبحث عن "مغاسل" أخرى، أو تفعيل ما كان هامداً منها. فهو لا يستطيع الاستمرار في الأموال النظيفة، تماماً مثل إيران التي عاشت أكثر من عقد من الزمن على الأموال القذرة. فمال المتمول من جنس مال الممول. وملاحقة أموال حزب الله، ليس فقط لأنه مليشيا إرهابية مجرمة؛ بل لأنه يقود واحدا من أكبر شبكات المخدرات في المنطقة والعالم، بالتعاون مع العصابات المختصة عالمياً، إلى جانب الاندماج الكلي مع نظام سفاح سورية بشار الأسد. قبل الثورة الشعبية العارمة ضد هذا الأخير، كانت سورية بمنزلة "المصبغة" الأهم لأموال حزب الله التي تُبَيَّض فيها وتمر عبرها. في حين كانت مصارف ومؤسسات مالية لبنانية "محترمة"، ممراً لتهريب الأموال المنهوبة من سورية لحساب الأسد وعصاباته.
قبل أيام، أعلنت السلطات الأمنية الأسترالية، تفكيك شبكة واسعة لتبييض الأموال، لها امتدادات في نحو 20 بلداً. الأهم، أنه تم الكشف عن أن جزءاً من أموال هذه الشبكة يعود لحزب الله، وأنها عبارة عن 18 عصابة مجتمعة، وتم التوصل إلى تورط أكثر من 128 شخصاً في الساعات الأولى لعملية التفكيك هذه. ولعل من المعلومات اللافتة أيضاً، أن نسبة لا بأس بها من الأموال التي قامت الشبكة بتبييضها، هي في الواقع من العوائد المباشرة للاتجار بالمخدرات على اختلاف أنواعها. لا غرابة إذن مرة أخرى. حزب الله يدير حقيقة شبكة مخدرات واسعة، تقول الأجهزة الأمنية الغربية، إن "صادراتها" تصل إلى قلب الاتحاد الأوروبي بل الولايات المتحدة. دون أن ننسى أن هذا الحزب الإجرامي يشترك في حكومة لبنان "الشرعية"، أو لنقل الحكومة التي يتعامل معها العالم أجمع. ومن اللافت أيضاً أن نسبة من الأموال التي ضبطتها السلطات الأسترالية، تأتي عن طريق تحويلات تصل لأفراد أجانب يعيشون في البلاد، على أنها معونات من أسرهم! هذه الشريحة من الأموال تحول مجدداً لحسابات خاصة بحزب الله.
تقول سيبيل إدموندز الموظفة السابقة في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي "سنصل إلى نقطة تكون فيها عمليات غسل الأموال، وتهريب المخدرات، وتمويل الإرهاب، عبارة عن وحدة متكاملة". والأمر بالفعل هو كذلك. صحيح أن الحرب ضد تبييض الأموال ليست سهلة، وتأخذ وقتاً طويلاً لتحقيق الانتصارات المرجوة منها، لكن الصحيح أيضاً أن الجهات المعنية تراخت كثيرا سابقاً في هذا المجال. وقد عاشت تخبطاً كبيراً يعود أساساً إلى التأخر في اعتبار عصابة كحزب الله، تنظيماً إرهابياً. ففي الصيف الماضي فقط، أعلن الاتحاد الأوروبي، أن الجناح العسكري لحزب الله تنظيماً إرهابياً بالمعايير الأوروبية! وسرعان ما قالت مفوضة السياسة الخارجية الأوروبية كاثرين أشتون، إن القرار لا يعني الكثير!! الموقف الأوروبي قوض من حراك الولايات المتحدة التي وضعت حزب الله في قائمة المنظمات الإرهابية ضد هذا الحزب على الصعيد المالي. لقد جاء التحرك ضد هذا الحزب الإرهابي متأخراً حتى من جانب دول مجلس التعاون الخليجي، وإن قامت في الآونة الأخير، بتجفيف منابعه المالية على الأرض الخليجية العربية.
سيجد حزب الله (ومعه إيران ونظام سفاح سورية) الكثير من "المصابغ" الجديدة لتبييض الأموال القذرة. لقد وصل حتى إلى تحويلات الطلبة في أستراليا! ولا يمكن تحقيق نتائج مقبولة في تجفيف مصادره، إلا بتعاون دولي كامل. ولا شك في أن موقف الاتحاد الأوروبي بهذا الصدد، يشكل فجوة واسعة في هيكلية تضييق الخناق على هذا الحزب. فالأوروبيون يعتقدون أن اعتبار حزب الله تنظيماً إرهابياً، سيؤثر سلباً في علاقاتهم السياسية والدبلوماسية مع لبنان، غير أنهم في الواقع يمنحون الشرعية له من خلال هذا المفهوم الضيق، أو الصيغة المشوشة. الأمر برمته لا يتعلق بجرائمه التي يرتكبها حالياً في سورية، ولا بعصاباته المنتشرة في الأرجاء، بما فيها خلاياه النائمة في قلب لندن وباريس وبرلين وروما وغيرها، بل بمشروعه التخريبي الجاهز. إنه تنظيم لا يستمر إلا باستراتيجية الخراب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق