الخميس، 6 فبراير 2014

«المغسلة» التركية للأموال الإيرانية

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



(أعتقد، علينا أن نجمع إيران والعراق في بلد واحد، نطلق عليه اسم "إيراق")
دينس ليري كاتب وممثل كوميدي أمريكي

كتب: محمد كركوتـــي

.. ومع مسلسل فضائح غسيل الأموال الإيرانية في تركيا، وارتفاع حدتها وتعدد سراديبها، وتشعب مداخلها ومخارجها، وتزايد المتورطين فيها على الجانبين، ربما أقترح على دينس ليري ضم تركيا إلى "إيراق" ونطلق على هذه الأخيرة "إيراقيا"، أو "إيراقتيا". فما قدمته تركيا بزعامة رجب أردوغان لإيران في هذا المجال الحيوي والاستراتيجي والمحوري بالنسبة لنظام الملالي، يحتوي كل الخلافات المعلنة بين الجانبين حول العديد من القضايا المطروحة، وفي مقدمتها (الآن) سورية. هذا البلد الذي يعيش تحت رحمة وأهواء وأجندات نظام علي خامنئي. كانت حكومة أردوغان لا توفر فرصة، إلا وهاجمت فيها إيران على موقفها التخريبي في سورية، دون أن تتأثر عمليات غسيل الأموال الإيرانية، عبر المؤسسات المالية والتجارية والنفطية التركية. في وقت، كان العالم يخشى مجرد الاقتراب الاقتصادي من طهران، خوفاً من الغضب الغربي. بما في ذلك دول كبرى، مثل اليابان والصين وغيرهما.
وإذا كانت ملفات الفساد الخاصة بحكومة أردوغان، تتجدد بفضائحها المختلفة، سواء تلك المتعلقة بالرشا التي طالت أقرب المقربين لرئيس الحكومة، أو تلك المرتبطة بمؤسسات قريبة من حزبه، فإن ملفات الفساد الخاصة بإيران لا تقل عنها تجدداً، خصوصاً والساحة التركية تنتظر نتائج التحريات والتحقيقات، وربما المحاكمات في وقت لاحق. صحيح أنه في السياسة تقل النزاهة، وفي كثير من الأحيان تختفي تماماً، لكن ادعاء النزاهة في السياسة أمر له تكاليفه، والأكاذيب في هذا النطاق، تتحول مباشرة إلى أدلة تدين، ولا سيما في دولة كتركيا، باتت سمعتها منذ عقدين من الزمن، تمثل جزءاً أصيلاً من"ثروتها" التي ستكفل لها المضي غرباً، ليس فقط من ناحية حرصها على عضوية مستقبلية في الاتحاد الأوروبي، بل أيضاً من جانب بناء علاقات تسهل الفوز بهذه العضوية. دون أن ننسى، أنها لم تغب عن "المجهر" الأوروبي.
أكثر من 100 مليار دولار حصيلة الأموال الإيرانية التي تم تبييضها في تركيا. وهذه الأموال الهائلة ما كانت لـ "تُغسل"، من دون أموال كبيرة مقابلة تمت بها رشوة المسؤولين الأتراك. يحاول المقربون من أردوغان الترويج بأنه لا يعلم! وهم بذلك لم يختلفوا عن أولئك النازيين المخلصين لزعيمهم هتلر، عندما روجوا بأنه لم يكن يعلم بالفظائع التي ارتكبتها قواته! والرد على هذا النوع من المدافعين بسيط جداً. إذا لم يكن يعلم، فهو لا يستحق قيادة البلاد، وليس مؤهلاً لأي شكل من أشكال الزعامة، محلياً وخارجياً. وعمليات تبييض الأموال الإيرانية، لم تتم لمرة واحدة أو في فترة قصيرة، لقد انطلقت منذ ثماني سنوات تقريباً، ولا تزال ماضية بصيغ مختلفة، حتى بعد انفجار الفضائح حولها. هل يوجد عاقل يمكن أن يصدق أن رئيس الحكومة لا يدري؟! المعارضون للنظام الإيراني، يعتبرون أن جزءاً كبيراً من هذه الأموال نهب في الواقع من الشعب الإيراني نفسه.
لا شك في أن المليارات الإيرانية هذه شكلت رافداً للاقتصاد التركي، مثل بعض الاقتصادات الأخرى التي لا تمضي إلى الأمام إلا بالأموال المشينة. وهذا في حد ذاته يشكل ميزة مهمة للحكومة التركية، التي وضعت جانباً حقيقة أن تبييض الأموال وإن دام طويلاً، فإنه سيظهر على السطح، وستتكشف الفضائح. ربما استندت الحكومة التركية إلى"براعة" الحرس الثوري الإيراني، المسؤول المباشر عن عمليات تبييض الأموال والاحتيال على العقوبات الغربية المفروضة على إيران. لكنها نسيت أن الجهات الأكثر براعة في هذا العالم، تقع لأتفه الأسباب، وغالباً ما تفتضح على أيدي موظف بسيط. الإيرانيون الذين ألقي القبض عليهم من قبل السلطات التركية، لهم وكلاؤهم الأتراك. وهؤلاء الوكلاء، ليسوا من عامة الشعب، بل من النخبة الحاكمة، كل في موقعه، وكل في قربه من قيادة الحكومة والحزب الحاكم. لقد اعترف عدد من المسؤولين الإيرانيين أنفسهم، بعمليات تبييض الأموال، ليس من أجل فضح بلادهم، بل لكشف فضائح المرحلة التي حكم فيها أحمدي نجاد البلاد.
لن تتوقف "كرة الثلج" عن التضخم. إنها تكبر مع استمرار إيران في عمليات الاحتيال الاقتصادي، حتى بعد أن أبرمت الاتفاق المبدئي مع الغرب حول برنامجها النووي. وهي لا تزال ـــ حسب الإدارة الأمريكية ــــ ماضية في إنشاء الشركات الوهمية. وأرصدتها المجمدة تبلغ 100 مليار دولار حول العالم. والأرجح أنها ماضية في تبييض الأموال على الساحة التركية، وإن بأدوات مختلفة عن تلك التي تم فضحها. فعلاقات اقتصادية مشينة قامت على مدى ثماني سنوات، من الصعب أن تنتهي بقرار أو بملاحقات سريعة، والسبب أن تشعبها لا يوفر لها مساحات للتخارج، أو نقل العمليات إلى ساحة أخرى. وسوط الفساد الإيراني ـــ التركي سيظل مسلطاً على أردوغان، ولن ينفع معه تغييرات حكومية مهما كانت كبيرة. إن الفساد موجود في كل مكان في هذا العالم، لكن تمت تغطيته في الحالة التركية، بالمواقف التي تبيع الوهم في السوق السياسية. وهذه البضاعة تحمل معها روائحها الكريهة، حتى قبل أن تفض أغلفتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق