الاثنين، 6 يناير 2014

نفط مشين آخر للأسد

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")

«المصيبة ليست في أولئك الأشرار، بل في أولئك الذين لا يفعلون شيئاً لرد شرهم»
ألبرت أينشتاين عالم ألماني الأصل


كتب: محمد كركوتـــــي

إمدادات حكومة نوري المالكي النفطية لسفاح سورية بشار الأسد، ليست خبراً. فالمالكي الذي دعا إلى اعتبار كربلاء قبلة المسلمين في كل مكان، بدلاً من مكة المكرمة! ليس أكثر من عميل فاضح لإيران في العراق. وهو يمارس هذه العمالة بصورة رديئة، لا يختلف عن زعيم عصابة تمولها إيران على شاكلة حسن نصر الله في لبنان، أو قادة ميليشيات الحوثيين في اليمن، أو مجموعات قطاع الطرق التابعين لطهران في باكستان. ولذلك، لا تمثل إمدادات المالكي النفطية لواحد من أبشع الأنظمة التي مرت على المنطقة، خبراً. فقد فعل كل شيء، من مد الأسد بالسلاح والخطوط المالية الائتمانية، وتهريب الأموال المنهوبة من سورية، إلى التنكيل باللاجئين السوريين الهاربين بحياتهم إلى أرض العراق، دون أن ننسى معارضته لأي قرار صدر ضد الأسد وعصاباته، في كل مناسبة ممكنة وغير ممكنة.
الخبر، في الإمدادات العراقية النفطية للأسد، كما ورد في وثائق الجهات المتورطة مباشرة (الشركات الناقلة، والوسطاء، والتجار السريين الموضوعين على القوائم السوداء)، أن بعض الشحنات النفطية العراقية كانت تصل الموانئ السورية عبر ميناء مصري! ضمن سلسلة محكمة من التجارة السرية، على اعتبار أن الأسد (وعصاباته) يخضعون للعقوبات الدولية، بما في ذلك تلك التي ترتبط بإمدادات الوقود الخاصة بقوات الأسد. والحقيقة أن هذه الإمدادات تأتي من إيران والعراق على حد سواء، والأمر يخضع لمعايير لوجستية فقط. ووصلت إلى ذروتها مع بداية العام الجاري. وبلغ مجموع ما تم الكشف عنه 17 مليون برميل في تسعة أشهر. وهذه الكمية الكبيرة، وصلت للأسد عن طريق طرف ثالث ورابع وخامس. المهم أنها تصل في الوقت المناسب، وأن إيران لا توفر النفط فقط، بل والسفن الناقلة له. ويبدو واضحاً، أن هذه الطريقة، تمت لأن العراق ليس قادراً على مد الأسد بالنفط عبر الحدود التي لم تعد آمنة. يضاف إلى ذلك، الضغوط الغربية التي مورست على نظام المالكي، خصوصاً بعد انكشاف أمر الجسر الجوي بين إيران وسورية عبر العراق، لنقل الأسلحة والمرتزقة.
لقد بلغت عمليات نقل النفط هذه أوجها في ظل وجود حكومة الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي في السلطة، وهذا الأخير عين نفسه ''حامياً'' للثورة السورية، بل دعا إلى الجهاد فيها، قبل أيام من خلعه. والحقيقة، أن الأمر لا يتوقف على النفط فحسب، بل يشمل حتى السلاح. فخلال فترة حكم مرسي، كانت السفن الإيرانية المحملة بالأسلحة للأسد تمر عبر قناة السويس، وكانت حكومة مرسي تنكر مرورها! ولو استطاعت لأنكرت وجود قناة السويس نفسها! وليس لافتاً أن ''إخوان سورية'' أنفسهم كانوا يلتزمون بنفس خطاب الإنكار. وقد بلغ الأمر، أن طالب هؤلاء بـ ''أدلة''! وهو أمر مريع. فمن المفترض أن يطالب بـ ''الأدلة'' مرسي وأعوانه آنذاك، وليس طرفاً آخر غير مصري! ومع ذلك، الذي يسعى للحصول على هذه الأدلة مباشرة، أي أن يذهب ويفتش السفن الإيرانية المسافرة إلى الأسد، ستطلق عليه النار. فقناة السويس منطقة محظورة، ولا يستطيع أحد اصطياد ما يستطيع من أدلة، إلا أولئك العاملين فيها، بأوامر مباشرة من الحكومة. وفي النهاية، كانت الأدلة تظهر في سورية نفسها. الخراب، الدمار، أشلاء المدنيين وغيرها.. كلها أدلة على أن السفن الإيرانية مرت من هناك.
والأمر نفسه ينطبق على ميناء ''سيدي كرير'' المصري، الذي كان النقطة الوحيدة في تهريب 17 مليون برميل (على الأقل) من النفط للأسد. صحيح أن مثل هذه العمليات يصعب السيطرة عليها، على اعتبار أنه يمكن بيع النفط مرة أخرى بعد خروجه من الدولة المصدرة، لكن عمليات الترانزيت أو إعادة التصدير، لا يمكن أن تتم إلا بمعرفة السلطات المعنية مباشرة، إلا إذا اعتبرنا أن السلطات المصرية لا تملك السيطرة الكاملة على موانئها، وهذا أمر مناف للواقع. واستناداً إلى الوثائق التي نشرت مضامينها وكالة ''رويترز'' أخيراً، فإن الإمدادات النفطية الإيرانية والعراقية التي مرت من الميناء المصري، بدأت في فترة مرسي، ولكنها استمرت بعده حتى تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. ولو افترضنا أنها توقفت بالفعل في الشهر المذكور، فإن الإمدادات المشينة تواصلت ثلاثة أشهر على الأقل، في ظل وجود الحكومة المصرية الحالية.
لا أحد يتجرأ ويطالب بأدلة في هذا الصدد. إنها موجودة بصورة أصدق حتى من تلك التي تدونها الحكومات. هي وثائق شركات تسعى إلى الربح فقط، ولا دخل لها بشعب يُباد أو بأخلاق بلا قيمة في سوق بلا ضمير. وكل دولار موثق ومربوط بالخدمات التي قُدمت، بل وبخط سير السفن الناقلة للشحنات القاتلة. لم تعد المسألة تتعلق بمدى التأييد الصوتي للثورة السورية. هناك أصوات أيدتها، لكنها لم تأبه لطعنها. وهي بذلك أيدت المطعون، وتركت الباب ''موارباً'' لتسهيل فرار الطاعن! بعض الأصوات الأخرى، شاركت في الطعن وهي تهتف لهذه الثورة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق