السبت، 8 ديسمبر 2012

فشل «الحجاب» في صد الحسد عن الليرة السورية

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")





«المال لا ينتج النجاح، الحرية تصنعه بحرفية»
نيلسون مانديلا، رئيس جنوب إفريقيا الأسبق

كتب: محمد كركوتـــي


ورث بشار الأسد عن أبيه كل شيء، وليس فقط سلطة لم تكن له شرعية فيها، تماما مثل أبيه. ورث عنه حتى والدته (أنيسة) التي تستمتع بقتل الأطفال، وتدمير البلاد، من أجل البقاء يوما إضافيا في قصر لا تملكه. بل إن زوجته (أسماء)، ورثت عن والدته بشاعتها وأخلاقياتها، لتتكرس حقيقة، أن هذه العائلة تتوارث كل الخبائث، ضمن قوانين الحمض النووي وخارجها. فيكفي الاقتراب من (العائلة)، لضمان تلوث لا مُنظف مضاد له. تلوث لا يزول إلا بزوال المتلوث نفسه. ورث السفاح الراهن، الوحشية والهمجية، وإنتاج الظلم والقهر والتعذيب، وصناعة القتل والنهب والخراب. ورث طائفية ''أسرية''، توازي في بشاعتها قومية هتلر وموسوليني وميلوسوفيتش وكاراديتش. كانت تكفي بعض البراعة لدى أي شخص، للتحدث بلهجة الأسرة، ليس إعجابا ببلاغتها، ولكن لـ ''شرعنة'' المُحرم! كان إرثا يستحيل حصره. ولأنه كذلك في استحال إصدار شهادة ''حصر إرث''.
في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي نشرت مقالا بعنوان ''الأسد الابن يطبع الليرة بلا غطاء''. وقتها انبرى أعوان الأسد، لنفي أي شيء يرتبط بطباعة الليرة، بل شددوا على أنه ليس في نية النظام أن يقدم على هذه الخطوة، لماذا؟ لأن الاقتصاد السوري قوي، إلى درجة أن أصبحت الليرة نفسها محسودة! وأبديت ''تعاطفا'' مع هؤلاء، واقترحت عليهم أولا، تعليق ''حجاب إلكتروني'' على كل ورقة نقدية لحماية الليرة من الحسد، وتعيين العرافة ماجي فرح، إما مستشارة اقتصادية لـ ''الدولة''، أو حاكمة للبنك المركزي السوري، أو بالأحرى حاكمة لما تبقى من مركزية وسورية البنك، إن توفرتا أصلا. ففي قناعة هؤلاء، أن العالم أجمع يحسد سورية والسوريين على بشار الأسد. فلا غرابة في أن يحسد الاقتصاد كله، ومعه الليرة وكل القطاعات في البلاد. ولمن نسي، فقد أعلن أحد نواب ما يسمى بمجلس الشعب، بأن ''سورية أصغر من أن تحكمها يا سيادة الرئيس. يجب أن تحكم العالم''!.
لم تتمكن روسيا من إخفاء أمر طباعة الأوراق النقدية من الليرة السورية، لحساب بشار الأسد. مثل هذا الأمر لا يمكن إخفاؤه مهما كانت قوة وصلابة خبرات فلاديمير بوتين الاستخباراتية الموروثة من رئاسته لجهاز الـ ''كي جي بي'' لسنوات طويلة. ولو ظهر راسبوتين مجددا، لفشل في إزالة رائحة الطباعة عن الأوراق الجديدة. فالأوراق النقدية اختُرعت أصلا للتداول لا للتخزين، والأوراق التي يطبعها بوتين للأسد تحديدا، لا يقبل حتى هذا الأخير بتخزينها، لأنها بلا سند، وتكاليف تخزينها أعلى من قيمتها، وبالتالي لا نفع لها في المستقبل. لقد اختصرت المؤسسات الأجنبية الطريق منذ البداية، وأعلنت رفضها التعامل بالأوراق النقدية السورية الجديدة التي تظهر في نطاق التداول. والحقيقة، شكلت هذه الخطوة الضربة الأولى للأسد وعصاباته بعد أسابيع من اندلاع الثورة الشعبية العارمة في البلاد. بلغ وزن أوراق الليرة السورية المطبوعة في روسيا أكثر من 240 طنا، نُقلت على مراحل في فترة قصيرة إلى سورية. وكما أن تكاليف تخزينها أعلى من قيمتها، كذلك تكاليف نقلها. ومع ذلك، فإن هذه الكميات الهائلة، تجد في سورية سوقا وإن كانت وهمية.
لقد جرب الأسد طباعة الليرة في دمشق، لكنها أتت رديئة مثل نظامه، ومكشوفة مثل تاريخه. وبعد أن رفض الأوروبيون (وتحديدا النمسا) تنفيذ عقود الطباعة له، كان بوتين يوقع عقدا جديدا آخر معه، حتى بعد معارضة خافتة ومتواضعة (وفي حالة الحكومة الروسية.. وضيعة) من المسؤولين وخبراء المال في موسكو. فكلنا يعرف، أن النقاش والجدل من الممنوعات عند الرئيس الروسي، فكيف الحال بالمعارضة؟ لم يتبق لدى الأسد (بالفعل)، من الأوراق النقدية التي تغطي رواتب حوالي مليوني موظف حكومي في سورية. وحتى الأوراق المغطاة ماليا، انكشفت على مدى 20 شهرا، بحيث قفز الدولار الأمريكي من 57 ليرة إلى ما بين 85 و100 ليرة. فالغطاء المالي لهذه العملة، تبخر نتيجة لعاملين اثنين. الأول: النهب التاريخي الذي يتعرض له احتياطي البلاد من القطع الأجنبي، بما في ذلك احتياطي الذهب الذي صب في كل من روسيا وإيران، وتقدر قيمته بـ 2,5 مليار دولار. والثاني: تخصيص جزء كبير منه لتمويل حرب الإبادة التي تشن بلا هوادة على الشعب السوري.
الأطنان من الأوراق المالية التي يطبعها بوتين ويصدرها إلى سفاح سورية، هل بمنزلة حبل آخر حول رقبة الاقتصاد السوري ما بعد سقوط بشار الأسد. فهذا الأخير، يثبت مرة أخرى، حجم كراهيته للسوريين كلهم. يسعى إلى تكبيلهم اقتصاديا حتى بعد زواله الحتمي. فقد باع السندات قبل الطباعة المشؤومة، وهو مستعد في أيامه الأخيرة، لأن يبيع البلاد كلها، في سبيل أن يبقى يوما إضافيا في سلطة، وفرت كل الأجواء التي تقوده إلى حبل المشنقة، بعد أن حولها (وقبله والده)، إلى ''فرامة'' لشعب بأكمله. لن تنفع (الأسد) ''ليرات'' بوتين السورية، كما لم تنفع أسلحته الروسية. ليس فقط بسبب الثورة السورية الاستثنائية في التاريخ الحديث، بل لأنه لا عهود دائمة بين قادة العصابات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق