السبت، 8 ديسمبر 2012

المال المنهوب + المال الوطني = اقتصاد جديد

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




«علينا أن نستثمر في البني التحتية للتنمية، وإعادة بناء المجتمع لخلق فرص العمل»
كارول برون عضو مجلس الشيوخ الأمريكي

كتب: محمد كركوتــــي


ينشط أصدقاء الشعب السوري في حراك لافت ومتفاعل ومُركز، على صعيد مرحلة ما بعد سقوط سفاح سورية بشار الأسد، أكثر مما ينشطون ويتفاعلون ويركزون، على المرحلة التي تسبق سقوطه الحتمي. والأمر مفهوم تماماً، لأن حسابات ومحاذير بل ومخاوف ما قبل السقوط، أكثر حضوراً (لديهم) الآن من تلك التي تخص ما بعده، بصرف النظر عن الخسائر المتنوعة الناجمة عن سلوكيات تعاطي "الأصدقاء" مع المرحلتين، بما في ذلك الخوف الكامن والمعلن لدى هؤلاء، من إمكانية أن يسرق الإسلاميون السوريون (ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين) منتجات الثورة الشعبية الكبرى التي تجري في البلاد منذ أكثر من 20 شهراً. هذا الخوف، أفرز تقاعساً فظيعاً من جانب "الأصدقاء"، خوف يُعزز (بصورة باتت تدعو إلى السخرية) "الإمكانية" التي يخشون منها! الأمر الذي أدى إلى تعاظمه، بدلاً من تآكله. لقد ظهر هؤلاء في كثير من الأحيان، بمظهر العاجز عن مواجهته. الخوف المشار إليه، موجود ومبرّر، لكن آليات مواجهته أضعف منه.
هذا الوضع النادر (بالفعل)، لا يلغي أهمية ومحورية الحراك الناشط لـ "الأصدقاء" على ساحة ما بعد سقوط الأسد ونظامه، فهو في النهاية يرتبط بمستقبل يربط الشعب السوري ومحبيه، الذين قرروا بصدق المساهمة في إعادة بناء سورية، كما أنه يؤسس لعلاقة أكثر من ضرورية بين الطرفين. علاقة لا يستغني عنها الطرف الأول، ويصعب على الطرف الثاني تجاهلها. خصوصاً أن المساهمة في إعادة البناء، لا دخل لها بأي نوع من الإمدادات الخيرية. إنها مجبولة بالمصالح السياسية والاقتصادية، بل وبمستقبل ومصير منطقة، يبدو الهدوء والاستقرار فيها، شكل من أشكال الترف و"الكماليات". إنهما "سلعتان فاخرتان" للمنطقة بأكملها. ولذلك، فإن الحراك الذي يستهدف الاقتصاد السوري ما بعد الأسد، المتمثل باجتماعات مجموعة عمل أصدقاء الشعب السوري، المعنية بإعادة بناء الاقتصاد والتنمية، يكتسب أهمية كبيرة، ليس فقط من جهة نوعية وقوة المنخرطين فيه، بل من ناحية ما يُطرح من خلاله، وما ينتج عنه من أفكار وتصورات ودراسات. وإن برزت بين الحين والآخر في سياقه، شذرات قليلة (ليست غريبة بالطبع) عن مثل هذا الحراك.
العرب ومعهم الدول الغربية المحبة للشعب السوري خلال كارثته التي يعيشها، وما بعدها، يشكلون عاملاً مهماً جداً في مرحلة إعادة بناء الاقتصاد السوري، وبالأصح بناء اقتصاد وطني جديد. فما سيتبقى (بعد زوال الأسد) من "أطلال" اقتصادية، يستحيل البناء عليها. والجميع يعرف، أنه لم يكن في سورية على مدى أكثر من أربعة عقود شيء يستحق توصيفاً قريباً من الاقتصاد، بل كانت هناك مؤسسة عائلية (وطائفية) الدولة نفسها كانت إحدى شركاتها، يديرها "خريجون" من "المعهد الاقتصادي" لأي عصابة. ورغم أهمية الدور العربي والغربي في بناء الاقتصاد الجديد المأمول، الذي يستند (مرة أخرى) إلى الاستثمار لا الأعمال الخيرية، إلا أن هناك عنصرين يشكلان أساساً لهذا الاقتصاد، وهما: المال الذي يملكه رجال الأعمال السوريون الوطنيون، والمال الذي نهبه الأسدان (الأب والابن) وعصاباتهما على مدى السنوات الأربعين الماضية. وإذا كانت جلسة واحدة من جلسات مؤتمر "شركاء في بناء سورية" الذي عُقد أخيراً في دبي، سجلت تعهدات من مستثمرين سوريين مشاركين بلغت 5 مليارات دولار أمريكي، فهذا شيء مطمئن خصوصاً مع صدق النوايا وثبات الكلمة. ومن خلال معرفتي بغالبية هؤلاء "المتعهدين"، فإنني أستطيع القول: إن وطنيتهم تؤازر كلمتهم.
هناك العنصر الثاني، الخاص بالمال المنهوب. وهو محور لا ينبغي أن يكون مطلوباً فقط من السوريين المسروقين، بل من الدول التي تجمع لديها بصورة أو بأخرى، بخزانة أو بأخرى، بحفرة أو بأخرى، بشركة أو بأخرى.. وهكذا. صحيح أنه لا يوجد حكيم، يمكنه أن يحدد برقم معين حجم هذا المال، ولكنه يستطيع ألا يخشى من تقديره ما بين 30 و40 مليار دولار أمريكي، كحد أدنى. وهذه الأموال وحدها، يمكنها أن توفر انطلاقة كبيرة لبناء الاقتصاد السوري، خصوصاً أن التقديرات الأولية تحوم حول احتياجات سورية ما بعد الأسد إلى أموال فورية تترواح ما بين 50 و60 مليار دولار. على الدول المحبة للشعب السوري، أن "تنبش" بسرعة هذا المال. وهي بذلك لن تعيد المال لأصحابه، بل ستخفف عنها بعض الالتزامات الاستثمارية (أو الإنقاذية المستثمرة) التي ارتضتها لنفسها، في سياق بناء الاقتصاد السوري. وبما أن غالبية هذه الدول تواجه أزمات اقتصادية موروثة من الأزمة الاقتصادية العالمية، فإن العمل الجاد والسريع والديناميكي، بما في ذلك استصدار قوانين وتشريعات، تلغي تلك التي تُطيل أمد الرحلة نحو استعادة أموال الشعوب المنهوبة بشكل عام، سوف يعطي ثماره بنفس وتيرة السرعة المشار إليها.
عنصران أساسيان حاضران فعلاً، يمكن ببساطة تطويعهما في المشروع التاريخي المنتظر، لبناء اقتصاد سوري، يستحقه السوريون أولاً، ويكرس تلك المحبة التي أظهرها أصدقاؤهم، بصرف النظر عن أولويات هذه المحبة، التي قد لا تتفق بنودها الزمنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق