الاثنين، 19 يوليو 2010

أوباما يفوز بـ "النهائي" بلا كأس البطولة؟!

( هذا المقال خاص بجريدة " الاقتصادية")





" أكره المصارف. لا تقوم بشيء إيجابي لأي شخص، ما عدا حرصها على نفسها. إنها أول من يفرض الرسوم، وأول من يفر عندما تبدأ المتاعب"
قاضي قضاة الولايات المتحدة الأميركية الأسبق إيرل وورين

 


محمد كركوتــي
 

يستطيع الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يتباهى قليلاً (لا كثيراً)، بقدرته – بعد جهد جهيد - على تمرير مشروع قانون إصلاح النظام المالي على مجلس الشيوخ الأميركي. ويستطيع أن يستمتع قليلاً أيضاً، بوقوفه "التاريخي" جنباً إلى جنب مع الرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت، الذي فاز بخطة إصلاح مالي، في ثلاثينات القرن الماضي. يستطيع أوباما أن يحتفل بفوزه في "المباراة النهائية"، وإن كان فوزه لم يضمن له بعد الحصول على "كأس البطولة"، ورفعِه أمام العالم. إنه (أي أوباما) "إسبانيا" التي فازت مؤخراَ في نهائي مونديال 2010 لكرة القدم، لكنه ليس هي التي حملت الكأس. يستطيع هذا الرئيس أن يفخر – ولو متأخراً – بأنه تمكن من تمرير هذا القانون التاريخي، وله أن تستريح بعض الشيء، من آثار الحرب التي أعلنها الجمهوريون عليه، في الكونجرس بشكل عام (أيد القانون ثلاثة أعضاء جمهوريين فقط في مجلس الشيوخ من أصل 41 عضواً)، الذين لو أمكن لهم استخدام السلاح ضده في هذا الشأن.. لاستخدموه، ولو استطاعوا تدبير فضيحة له.. لدبروها. ولا أعرف إذا ما كانت من ضمن أمنياتهم، نهاية لأوباما لا تشبه إلا نهاية الرئيس الأسبق جون كينيدي. لقد وجدوا في القانون الجديد، "بذور" التدمير لـ "الثقافة" المالية الأميركية بشكل خاص، والغربية بصفة عامة، التي لم تُقدم على مدى سبعة عقود سوى الأزمات المتتابعة. لم توفر استدامة ومعها الاستقرار. كانت ارتجالية وظرفية دنيئة، ولم تكن في يوم من الأيام، مؤسسية وواقعية نظيفة. وقبل هذا وذاك، ظل النظام المالي محكومٌ، إما بمقامرين، أو محتالين، أو أفاقين، أو متسترين، أو لصوص!. وعمد الجمهوريون الأميركيون طوال العقود الماضية، على إزالة أو تبديد المَثَل الأميركي الشهير من الذاكرة، الذي يقول: "لا يمكن توظيف اللصوص في المصارف".


وإذا كان إصلاح النظام المالي الأميركي ( والعالمي) ضرورة حتمية، لإزالة آثار "عدوان" الأزمة الاقتصادية العالمية، فإن إصلاح الفكر والسلوك لدى الجمهوريين، لا يقل ضرورة. لكن المشكلة أن الإصلاحات الحزبية لا تأتي عادة إلا من الداخل، في حين لم يظهر بعد في هذا الحزب، يميني معتدل كرئيس الوزراء البريطاني المحافظ ديفيد كاميرون، أو يساري أكثر اعتدالاً من سلف هذا الأخير العمالي توني بلير. وعلى هذا الأساس، سيواجه أوباما فيما ما تبقى له من فترة انتخابية، مزيداً من العراقيل، وكثيراً من الاتهامات، وكماً هائلاً من محاولات الإحباط الجمهورية. وهذا يعني أن مقاومة تنفيذ القانون الجديد، لن تهدأ، ولن يستكين المتضررون الذين ارتكبوا الأزمة الاقتصادية، ولا المشبوهون الذين وقفوا وراءهم، حتى يفرغوا القانون من محتواه، ليس عن طريق تشريع مضاد، بل بواسطة الوسائل المشينة، التي سادت الأسواق ومعها المصارف على مدى عقود طويلة من الزمن.

تكفي الإشارة إلى أن الجمهوريين يعارضون – من ضمن معارضتهم – نصاً في القانون، يهدف إلى تعزيز مراقبة سلطات ضبط قطاعات كاملة من سوق المال، لم تكن تخضع للإشراف، يقضي خصوصاً بإقامة هيئة للمستهلك المالي في المصرف المركزي، ويَحول دون إنقاذ مؤسسات مالية كبرى على حساب دافعي الضرائب. ويعارضون أيضاً، نصاً يدعو إلى مراقبة أفضل وأشمل لسوق المشتقات المالية الهائلة، التي تعتمد على المقايضة. ويعارضون أيضاً وأيضاً بنداً يقضي بإنشاء مجلس لمراقبة الاستقرار المالي. وماذا يعارضون أيضاً؟ فقرات للحد من الصفقات المشبوهة. ولمن نسي، فقد كانت أدوات المضاربة ووسائلها المختلفة، سبباً رئيسياً مباشراً في اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية، التي بدأت شرارتها – كما يعرف الجميع – من الولايات المتحدة الأميركية، التي شهدت منذ سبتمبر/ أيلول 2008 وحتى منتصف العام 2010 إغلاق 228 مصرفاً، وهو رقم مرشح للارتفاع، إلى أجل غير مسمى!.

لن يحمل أوباما "كأس مونديال الأزمة المستمر"، قبل أن يؤمن أدوات وكوادر وبيئة نقية (للأخلاق نصيب فيها)، لتطبيق قانون لو نجح بالفعل، إلى جانب نجاح الرئيس الأميركي نفسه في تمرير قانون التأمين الصحي سابقاً، لسوف يقف ( حقاً) جنباً إلى جنب الرئيس روزفلت، ويدخل التاريخ من نفس الباب الذي ولج منه هذا الأخير. في مطلع العام الجاري صعد أوباما '"عاقداً الحاجبين'" على منصة أحد المؤتمرات الصحافية، وقال موجهاً كلامه إلى رؤساء المصارف: "أريد أن تعيدوا لنا أموالنا". ولكن كيف؟.. يتابع أوباما: "يجب على المصارف أن تدفع ضرائب جديدة، من أجل استعادة الأموال العامة (الحكومية) التي أُنفقت عليها لإنقاذها". عليه أن يصعد الآن على المنصة مجدداً ليقول: "إن هذا القانون وُجد لينفذ بحذافيره. إننا نراقبكم، وقد عرفنا أدواتكم. لا مكان بعد الآن لطفرة قاصمة هنا وأخرى هناك، ولن نكون مراقبين فقط لممارساتكم. تكفي الخسائر التي تكبدتها الولايات المتحدة والعالم، والتي بلغت 15 تريليون دولار أميركي حتى الآن".

يقول نائب الرئيس الأميركي الأسبق دان كويل ( وهو جمهوري ) : "إن فشل المصارف يعود إلى المودعين، الذين لا يودعون ما يكفي من الأموال، لتغطية سوء إداراتها". ولعلي أضيف – بعد الأزمة العالمية – "سوء نياتها وأخلاقها". لو كان هذا القانون مطبقاً قبل الأزمة، لما شهد العالم الكارثة الاقتصادية الكبرى. ولو سمح السياسيون المشبوهون، ببعض الرقابة، لما وقع هذا العالم في أتون نار، فشلت كل "مطافي" العالم في إخمادها أو السيطرة عليها، ولما أصيب البنك المركزي الأوروبي بالرعب، من فشل 1121 مصرفاً أوروبياً في إعادة 442 مليار يورو. لو كان هذا القانون موجوداً، لما انضم 47 مليون عاطل إلى زملائهم العاطلين أصلاً في الدول الصناعية فقط، ولما ارتفع عدد الفقراء في الدول الثرية الكبرى ( ولن أتحدث عن عددهم المريع في الدول الفقيرة)، ولما فقد الآلاف منازلهم، في دول تعد التشرد تهمة مشينة!.

هل سيُجنب قانون الإصلاح المالي الأميركي الولايات المتحدة ( ومعها العالم)، أزمة مشابهة لتلك التي انفجرت في العام 2008؟ نعم.. لأنه سيوفر الحماية من "الموبقات المالية" التي صبغت الأسواق لسنوات طويلة. ولكن هل ستكون له فاعلية مستدامة، إذا ما فقد التناغم مع مخططات الإصلاح المالية العالمية الأخرى، لاسيما الأوروبية منها؟ أغلب الظن أن لا. ولعل السؤال الأهم هو، هل "ستعيش" قوانين الإصلاح المالية ( بصرف النظر عن مدى قوتها وجودة تطبيقها)، بمعزل عن وجود نظام عالمي اقتصادي جديد، يستبدل النظام القديم الذي جلب للبشرية المصيبة تلو الأخرى؟. الجواب ببساطة، أن أي قانون لن يصمد لفترة طويلة، إذا ما واصل صانعو القرار تلكؤهم باستبدال النظام القديم بآخر جديد خالٍ من الأدوات والسلوكيات التي أسست لـ "الفحش المصرفي"، الذي بدوره حول المصارف إلى مؤسسات مُقرضة لجهات عليها أن تثبت – إذا ما رغبت بالحصول على الأموال - بأنها ليست بحاجة للقروض!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق