الثلاثاء، 13 أبريل 2010

بطالة عربية فتية.. لكنها مُعمِرة!


(هذا المقال خاص بجريدة " الاقتصادية")







" الجوع ليس الشكل الأسوأ للبطالة.. إنه الفراغ "
المؤلف والكاتب الأميركي وليام باريت

 
محمد كركوتــي
 
تستحق قضية البطالة في العالم العربي، صفحات دائمة في الصحف العربية، وفترات مستمرة في وسائل الإعلام الأخرى. وتستحق أن "تحتضنها" دراسات وبحوث أكثر واقعية، ومستندة إلى قاعدة بيانات أكثر حداثة من تلك المتداولة على الساحة. وتستحق أن تبقى ملازمة لصناع القرار، وكل المؤسسات المعنية بالتنمية والحراك الاجتماعي – الاقتصادي. فهي ليست قضية موسمية، ولن تكون في المستقبل بهذه الصفة. كما أنها تلتصق بقوة بالهم المعيشي، اليومي لا السنوي. بل هي صانعة أصيلة للهموم، أينما وجدت. هي "سرطان"، يكبر إذا لم يُقاوم، وينتشر إذا ما كانت المقاومة أكثر ملامسة للضعف، منها إلى القوة. هي بؤس مرحلي إذا كانت مرحلية، وكارثة إنسانية إذا كانت دائمة. هي حالة مشينة للمجتمع، قبل العاطل نفسه. فكما لهذا المجتمع أو ذاك الحق، في الحصول على الطاقة الإنتاجية لأفراده في كل المواقع، كذلك للأفراد الحق في الحصول على فرص، توفر لهم الكرامة، وتمنحهم الأدوات للقيام بدورهم الوطني والاجتماعي.

المصيبة في قضية البطالة العربية، أنها وصلت إلى مستويات مرتفعة، في أوقات الازدهار والنمو، وفي أزمنة الكساد والركود. وبذلك خلقت معادلة اقتصادية غريبة، ليس لها مثيل في العالم كله. ولأن الأمر كذلك، فقد أحدثت ( ولا تزال) إرباكاً في عمليات علاجها – إن وجدت -، وضربت بكل المحاولات الرامية للتقليل من آثارها. فنحن نعرف أن حلها ليس بالأمر السهل، لأنه لا يأتي بقرار ( أو قرارات)، بل من خلال منظومة اقتصادية تنموية وطنية شاملة، تساندها منظومة إقليمية مشابهة، ولا بأس من دور لمنظومة دولية. فبعد اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية، بات من الصعب ( إن لم يكن من المستحيل) فصل الاقتصادات عن بعضها البعض، لاسيما تلك التي ترتبط بوثاق إقليمي. والحل المنشود لأزمة البطالة، لم يكن ( ولن يكون) حلاً وطنياً صرفاً، بل هو "كوكتيل" من الحلول، الجانب الوطني فيها (لاشك) أساسي.

المصيبة الأخرى في هذه القضية، أن البطالة "استحوذت" على الشباب العربي، أي أنها ببساطة عطلت المستقبل، في حاضر مليء بالأعطال. حاضر يعج بسياسات مضطربة في بعض البلدان العربية، ومتعارضة في بلدان أخرى، مع استحقاقات التنمية. حاضر فاقد للتناغم بين متطلبات السوق ومخرجات التعليم. وهذه النقطة بالتحديد ساهمت بصورة كبيرة – إلى جانب الأزمات الاقتصادية المحلية والدولية – في ارتفاع معدلات البطالة في الدول العربية، ووصولها إلى أعلى مستوى بين الشباب عالمياً!. والجانب المريع في تحديد معدلات البطالة العربية، أنه لا توجد إحصاءات حديثة، وتقوم المؤسسات المهتمة بهذا الخصوص، بوضع دراساتها وفق إحصاءات جرت قبل خمس سنوات!. أي أن الضحايا الذين أوقعتهم الأزمة الاقتصادية العالمية، ليسوا في الحسبان، وإن كانت هناك تقديرات، يصعب الاستناد عليها، في بحث هذه القضية الخطيرة. والغريب، أن القمة العربية الاقتصادية الاجتماعية التي عُقدت في الكويت مطلع العام 2009، ناقشت دراسة قُدمت لها، بعنوان "تحديات التنمية في الدول العربية نهج التنمية البشرية" بُنيت أساساً، على إحصاءات من العام 2005، بل هناك بعض الإحصاءات (قُدمت إلى القمة) أُجريت في العام 2003!.

لن أستعرض هذه الإحصاءات، التي استُعرضت بما فيه الكفاية، منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وللتذكير فقط، تتحدث منظمة العمل العربية، عن بطالة تصل إلى 14 في المائة، لكن هذه النسبة "استُهلكت" من فرط عدم تجديدها، خصوصا وأنها لا تشمل في الواقع عدد العاطلين العرب الذي انضموا إلى زملائهم في أعقاب الأزمة العالمية. وحسب تقديرات أخرى، فإن النسبة تصل حالياً إلى 17 في المائة، بينما تتحدث جهات أخرى عن 19 في المائة. وأياً كانت النسبة، فالكارثة تكمن في نوعية العاطلين، مثلما تكمن في انتشارهم وارتفاع أعدادهم بصورة مستمرة. الجهات الرسمية العربية تقدر العاطلين الشباب بحدود 25,7 في المائة، وهي النسبة الأكبر على مستوى العالم، وأعلى من المتوسط العالمي بنسبة 77.8 في المائة. وعلى الرغم من أن واقع الحال يطرح نسبة أكبر منها ( بعض الجهات تقدر نسبة العاطلين الشباب بـ 50 في المائة)، إلا أن هذه المُعلنة تمثل قمة المصائب، وتفرض طرح قضايا متلازمة معها، في مقدمتها، ليس توفير فرص العمل، بل توفير العاملين للفرص. أي الموائمة بين ما تحتاجه السوق، وبين ما أصبح يعرف بصورة واسعة "مخرجات التعليم". صحيح أن الفرص في زمن الكساد والركود والأزمات، ليست متاحة بشكل كبير، لكن الصحيح أيضاً، أن هناك ضرورة حتمية، لسد ما هو متوفر في السوق من فرص عمل. هذه النقطة لا تزال ضائعة بين إحصاءات قديمة، وهموم متجددة.

يقول المؤرخ والكاتب الاسكتلندي توماس كارلايل : "إن الرجل القادر على العمل، وليس قادراً على الحصول عليه، يعيش شكلاً من أبشع أشكال البؤس". وعندما يصبح الرجل عاطلاً، دون أن يسبق له العمل في حياته، يكون البؤس أكثر بشاعة وأشد هولاً، وتكون الآثار الاجتماعية مريعة إلى درجة الانفجار في أي لحظة. نعرف أنه ليس هناك حلول سريعة وناجعة لهذه الأزمة المتفجرة، ونعرف أيضاً أن الأوضاع الاقتصادية العالمية، تبرر ازدياد عدد العاطلين عن العمل. ونعرف أن الحكومات العربية ترغب ( وتعمل) للوصول إلى أفضل الحلول الممكنة. لكن الذي نعرفه، أن كل ما طُرح من حلول ( في الركود وخارجه)، لا يعالج القضية، وإن كان يجعلها مطروحة على الساحة. وهذه القضية في الواقع، هي "أم القضايا"، لأنها مرتبطة بتنمية المجتمع، كما ارتباطها بخلق فرص عمل. بل مرتبطة بأمن المجتمع نفسه.

إن " التصالح" بين ما هو موجود في السوق، وبين ما يَصدر من المؤسسات التعليمية بكل مستوياتها من قوى بشرية، هو خطوة أولى على طريق إيجاد الحلول، ويكتسب هذا "التصالح" أهمية كبيرة في وقت الأزمات. كما أن العالم العربي لا يزال بعيداً جداً، عن ما يعرف بآليات "الاخراط"، التي تستند بدورها على أدوات التأهيل وإعادة التأهيل، خصوصا في عز الأزمات، التي تعيد تشكيل المشهد الاقتصادي "غصباً".

القضية ليست سهلة، ولن تكون كذلك. لكن يمكن من خلال بعض الخطوات العملية والواقعية، الوصول إلى مراحل، تفسح المجال أمام المراحل الكبرى، التي لا ينفع فيها، إلا انخراط عربي شامل، لحل مشكلة هي في الواقع " قنبلة" بشرية موقوتة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق