الاثنين، 6 نوفمبر 2017

«بيتكوين».. عملة الإرباك





«الآن عملة بيتكوين، تشبه شبكة الإنترنت قبل ابتكار صفحاتها»

ينس كاساريس أرجنتيني، مؤسس بنك «ليمون» البرازيلي

كتب: محمد كركوتي

جاء تحذير محافظ المصرف المركزي الإماراتي من المخاطر المرتبطة في التعامل بالعملات الافتراضية، في الوقت المناسب. وأتى مغلفاً بمسؤولية عالية المستوى والقيمة، ولا سيما العملة الأكثر شهرة «بيتكوين»، التي تحدث إرباكاً على الساحة المالية العالمية.
ولهذا الإرباك عدة أسباب، في مقدمتها، أنها حققت حضوراً فعلياً في العالم المالي الافتراضي-الرقمي، وتمكنت من رفع قيمتها على مدى سنوات قليلة لمستويات خيالية حقاً، وتصدرت المشهد المالي الإلكتروني الزاخر بعملات مشابهة أخرى. لكن الأهم من هذا وذاك أن «بيتكوين» لم تحظَ باعتراف من جانب الجهات التنظيمية. والنقطة الأخيرة هي التي استند إليها محافظ «المركزي الإماراتي».
هذه العملة المُحيرة، لا تتمتع بتغطية من الذهب والعملات الأجنبية، ما يعزز تحذير المحافظ، بصرف النظر عن سماح بعض البلدان التعامل بها. النقطة الأهم في النهاية، أنها لا تخضع لرقابة. ومثل هذا التسيب، لا يضع أموال المتعاملين بها في خطر، بل يهدد النظام المالي بأزمة لا يمكنه تحملها، وإن كان قادراً على استيعابها.
ولم يكن رجل الأعمال السعودي الأمير الوليد بن طلال مُبالغاً حين عبر عن اعتقاده بأن «بيتكوين» ستنفجر يوماً، بل مضى أبعد من ذلك بقوله «ستكون أنرون جديدة»! ومع ذلك، تساهم حكومات بعض البلدان الكبرى في التشويش الحاصل من العملة الافتراضية المذكورة. لماذا؟ لأنها سمحت بالفعل في التعامل بها، دون أن تمنحها الغطاء التشريعي المعول به عالمياً. ومن هذه الدول (مثلاً) الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا والسويد وكوريا الجنوبية وكندا وفنلندا وهولندا، إلى جانب بلدان أقل شأناً على الساحة الاقتصادية العالمية. والغريب أنها تُعتبر في الدول المشار إليها «عملة صديقة»، وهذا توصيف مطاطي وهلامي، يصعب قبوله وفق المعايير الحقيقية على الساحة المالية بشكل عام.
ومن ضمن المشاكل أيضاً أن «بيتكوين» ليست سوى عملة رقمية واحدة بين أكثر من 60 عملة متداولة افتراضياً! وهذه العملات تمضي قدماً بحضورها على الساحة بنفس الصيغة التي تتمتع بها «بيتكوين»، ما يعني أن غياب رقابة مباشرة إلى جانب عدم وجود لوائح تنظيمية حتمية، ستكون الفوضى حاضرة ستقود المشهد العام بدورها إلى أزمة مالية كبرى. ففي حين بدأت قيمة هذه العملة عام 2013 ب 1155 دولار لكل «بيتكوين» واحد، بلغت اليوم 2400 دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 3000 دولار بنهاية العام الجاري. وهي ارتفاعات مخيفة تحمل معها محركات الانهيار في أي لحظة.
لابد من الاعتراف هنا، أن العملات الافتراضية صارت واقعاً، وبدأت مؤسسات كبرى التعامل فيها، من بينها «مايكروسوفت» نفسها «وباي بال» وغيرهما. لا أحد يطالب بإلغاء هذه العملات أو محاربتها، لأن التطور المالي يحتم وجودها، لكن المطلب الوحيد حالياً يبقى منحصراً، بضرورة تدخل الجهات التنظيمية والتشريعية المالية، لتوفير الضمانات اللازمة ليس فقط لمن يرتضي التعامل ب«المال الرقمي»، بل لمسار الاقتصادات الوطنية نفسها.

(المقال خاص بجريدة "الاتحاد")

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق