الخميس، 4 مايو 2017

انتخابات مبكرة في بلد بلا بوصلة



"حكومة بريطانية جديدة قبل مفاوضات الخروج، جيد بالنسبة لنا أيضا"
أنطونيو تاجاني، رئيس البرلمان الأوروبي


كتب: محمد كركوتي

لنترك جيرمي كوربين زعيم حزب العمال البريطاني المعارض يواصل عيشه في أحلام تحمل معها خيبتها، ولندع الحزب الديمقراطي الليبرالي المتضائل جانبا. ولسنا مضطرين إلى تناول موضوع تيارات أو أحزاب أو تجمعات سياسية بريطانية متطرفة، لأنها ببساطة لا تشكل أية أهمية فاعلة على ساحة التغيير، خصوصا في زمن الانتخابات العامة الطبيعية، فكيف الحال بالانتخابات المبكرة غير الطبيعية التي تأتي وسط متغيرات يمكن وصفها بالمخيفة بالنسبة لأولئك الذين يسعون إلى أن تكون بريطانيا جزءا من محيطها والعالم بصورة سلسة، لا أن تصبح أداة أو عامل اضطراب في العلاقات الدولية. لنضع كل هذا جانبا، لأنه لا يشكل عمليا محاور رئيسة في الانتخابات المقبلة التي ستجري في حزيران (يونيو) المقبل، أي بعد عام واحد من الاستفتاء التاريخي على انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وقبل أيام من بدء رسمي لمفاوضات الانسحاب. رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تعرف أنها منتصرة في هذه الانتخابات، ليس من فرط قوة حزبها (المحافظين) على الساحة الشعبية أو الانتخابية، بل من هزالة مكانة أحزاب المعارضة كلها "ولا سيما العمال" على الساحتين الشعبية والسياسية. فالديمقراطيون الأحرار، الذين خسروا أكثر من 80 في المائة من مقاعدهم النيابية في آخر انتخابات عامة فاز بها حزب المحافظين بهامش ضئيل أيضا، هؤلاء لا أمل منهم على الأقل من الآن وحتى الانتخابات العامة العادية المقبلة. لقد انهار في الواقع هذا الحزب بفعل تلك الخسائر المهينة، ولم يستطع أن يلعب دورا مؤثرا في ساحة بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، باعتباره الحزب الأكثر تمسكا بهذا الاتحاد. دون أن ننسى، أنه فقد جزءا من ساحته بالتحالف مع المحافظين في حكومة ائتلافية. وتيريزا ماي التي دعت إلى الانتخابات العامة المبكرة، تعرف أيضا وأيضا، أن غريمها الأساس (حزب العمال) في أسوأ أوضاعه منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي. والسبب أيضا واضح يعود إلى وجود قيادة لهذا الحزب لا يهمها الفوز في الانتخابات بقدر ما يهمها تكرار الشعارات الكئيبة السمجة، والتمنيات بالنصر والنجاح التي ينتهي مفعولها عند أول خطوة خارج الاجتماعات. لقد أعاد جيرمي كوربين زعيم الحزب أدوات بالية إلى العمل، وهو بذلك يقدم أفضل خدمة ممكنة لحزب المحافظين في هذا الوقت بالذات. أما لماذا هذا الوقت؟ فلأن الحكومة المحافظة هي نفسها هشة ومعها الحزب تحمل اسمه. كما أن بريطانيا دخلت مرحلة "الهشاشة"، في أعقاب التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي. أي أن الأحزاب والبلاد هشة بلا بوصلة مضطربة سياسيا وإجرائيا. طبعا حجة تيريزا ماي للدعوة إلى انتخابات مبكرة، تكمن في أن إجراء الانتخابات في موعدها المحدد في عام 2020، سيكون في ذروة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، وهو أمر لا يتناسب مع الحالة العامة. إنه مبرر مقنع بالفعل، غير أن هذا لا يجعلنا ننسى المآرب الأخرى لماي من انتخابات مبكرة، وهي تنحصر بصورة رئيسة في الضعف الشديد لأحزاب المعارضة. وليس أفضل للمحافظين من هذا الوقت لإطلاق انتخابات يعرفون مسبقا أنهم منتصرون فيها. لن تكون هناك حكومة ائتلافية، وحتى حكومة محافظة بأغلبية ضئيلة، بل ستكون هناك (كما هو واضح) حكومة تمضي في كل الاتجاهات بأغلبية مريحة، بينما سينشغل حزب العمال بطرد زعامته الحالية، وإعادة تجميع صفوفه بما يتناسب مع المعطيات الحقيقية لا الوهمية. لا شك في أن الانتخابات العامة المبكرة ستعطل "بعض الشيء" مسيرة اسكتلندا نحو الاستقلال عن المملكة المتحدة، وهذا أمر مفيد لرئيس الوزراء البريطانية في هذا الوقت بالذات، غير أنه لا يضمن بالطبع توقع مسيرة الاستقلال التي تتخذ بعدا أكثر خطوة يوما بعد يوم بالنسبة لكيان المملكة ككل. في كل الأحوال، لم يتوقع أحد أن تجري بريطانيا انتخابات عامة مبكرة، تماما كما لم يتوقع أحد أن يفوز الانفصاليون باستفتاء الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. ومن توقع (مثلا) فوز دونالد ترمب بالرئاسة الأمريكية؟! غير أن انتخابات حزيران (يونيو) المقبل تبدو نتائجها أكثر وضوحا من كل الانتخابات والاستفتاءات الماضية، ليس بسبب قوة ماي والمحافظين، بل من فرط ضعف العمال وأحزاب المعارضة الأخرى، وهشاشة الوضع في كل البلاد. لن تكون هناك مفاجآت في هذه الانتخابات، وستعزز ماي مكانتها زعيمة لحزب المحافظين، وستعطي نفسها شرعية لم تتمتع بها بعد على اعتبار أنها تسلمت منصبها من دون انتخابات عامة. لكن القوة المتوقعة لرئيسة الوزراء، تأتي في وقت تفقد فيه البلاد كلها قوتها، ليس فقط بسبب انسحاب مؤكد من الاتحاد الأوروبي، بل من جهة تنامي التوجهات الاستقلالية الوطنية البريطانية. في حين أن هذه الأخيرة قد لا تكون موجود في غضون عقد من الزمن.

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق