الثلاثاء، 7 أبريل 2015

يروجون الاتفاق .. والشركات «تسن» أسنانها

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




"في الواقع، تعتقد إيران أنها تستطيع الاستمرار في خداع العالم، من أجل تحقيق أهدافها"
موشيه كاستاف - رئيس إسرائيل السابق


كتب: محمد كركوتـــي


لندع جانبا حملة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الترويجية لاتفاق إطار بين المجموعة الدولية وإيران، وكذلك الأمر بالنسبة للتصريحات الإيرانية المتناقضة حول مستقبل هذا الاتفاق الجزئي. ولنبتعد قليلا عن التطمينات الأمريكية (وملحقاتها الغربية) لدول المنطقة من هذا الاتفاق. فالجميع يعرف أن التطمينات وسط تبدل المصالح بين الدول لا قيمة لها، حتى لو أتت من دولة كبرى. ولنترك مسألة الرابح والخاسر من هذا الاتفاق المبدئي. المهرولون نحو إيران يدعون الربح، وهذه الأخيرة تعلن عوائدها من الاتفاق. ويشيع هنا الخاسر (إن وجد). فكل الأطراف المعنية مباشرة بالمفاوضات النووية، تستعرض (دون خجل) قائمة أرباحها. وإذا كان الأمر كذلك، لماذا كانت المفاوضات إذن؟! وهل يمكن أن يكون هناك رابحون من دون خاسرين؟!
تسن كل الشركات الغربية أسنانها لاقتناص الصفقات في إيران، إذا ما تم رفع العقوبات المفروضة عليها منذ سنوات، سواء تدريجيا أو مرة واحدة. ففي الاقتصاد (كما السياسة)، تكون الأخلاق ترفا. أو كوجبة "كفيار" لأشخاص يعجزون في الحصول على الخبز! وعندما يتعلق الأمر بالأرباح وآفاقها، تكون الأخلاق أكثر ترفا. هناك شركات ومصارف كبرى جدا، لم تجد مانعا في أن تسند نفسها بالأموال القذرة، وقد اضطرت إلى الاعتراف علنا بذلك. وبالمقارنة، يبدو اندفاع الشركات الغربية نحو إيران "طاهرا". دون أن ننسى، أن بعضها استمر في التعامل مع إيران في أوج العقوبات المفروضة على هذه الأخيرة، وتم ابتكار أدوات وأساليب فائقة الجودة للهروب من كماشة العقوبات. من الأفضل أن نقول "الهروب" ومعه "ربما"، لأن حكومات غربية كانت تعلم بأمر هذا التعامل غير القانوني، وصمتت.
لا شك في أن إيران كغيرها من البلدان التي تتمتع بقدر ليس بالقليل من الموارد الطبيعية، تشكل فرصا كبيرة للشركات الأجنبية ولا سيما الغربية منها. ومن هذه الشركات تتصدر النفطية المشهد، لما تملكه إيران من إمكانات كبرى في مجالي النفط والغاز. لكن الأمور، لا تبدو أنها تسير كما تشتهي الشركات النفطية الغربية، لأسباب تعرفها ربما أكثر من حكوماتها. ولن تؤثر "الابتسامات" الإيرانية المريبة في استقطاب المزيد منها في المرحلة المقبلة. والأسباب كثيرة، تبدأ بطبيعة رفع العقوبات أولاً. هل هي جزئية كما يروج الغربيون، أم ستلغى دفعة واحدة كما يعلن الإيرانيون؟ وسواء كانت جزئية أم كلية، فإن الفرص الحقيقية التي تسعى إليها الشركات الغربية، لن تظهر قبل أشهر. ويمضي البعض أبعد من ذلك، بقولهم لن تظهر قبل سنوات. فالمسألة لا تعالج بـ"كبسة زر"، لأن الحقائق على الأرض تؤكد ذلك بالفعل.
تحتاج المنشآت النفطية الإيرانية إلى استثمارات هائلة لكي تصل إلى المستوى المطلوب. فخلال السنوات الماضية توقفت هذه الاستثمارات تماما، بل إن بعض هذه المنشآت وجدت في بعض الأحيان مصاعب في دفع رواتب العاملين فيها. مع ضرورة الإشارة إلى أن العوائد النفطية في المرحلة الراهنة لم تعد مغرية لأي مشاريع نفطية جديدة، في الوقت الذي تقوم فيه شركات نفطية كبرى بخفض نسبة العمالة لديها، وإغلاق عدد من الآبار ولا سيما في الولايات المتحدة. واستقرار الأسواق النفطية يحتاج إلى وقت قد يصل إلى سنوات، لأن ما يجري على الساحة حاليا يمكن اعتباره بمنزلة عملية فرز للمنتجين المصدرين، أو حراكا يحدد القيمة الحقيقية لكل منتج نفطي ولا سيما إذا ما كان خارج منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك).
تسن الشركات النفطية الغربية أسنانها. هذا صحيح، ولكن على وليمة لا تحتاج إلى أسنان في الواقع في هذا الوقت بالذات. حتى لو افترضنا أن آليات الإنتاج النفطي الإيراني في أفضل حالاتها، فهناك عقبة أخرى أيضا تقف حائلا دون عودة إيران إلى السوق بكامل زخمها السابق، وتنحصر بالمخزونات النفطية الهائلة. فالسلطات الإيرانية عانت الكثير في الأشهر الماضية من أجل احتواء هذه المخزونات، وقامت حتى باستئجار ناقلات ليس للنقل بل للتخزين. وتصريف هذه الكميات أيضا يحتاج إلى وقت لن يكون قصيرا، مع الأخذ في الاعتبار الآثار السلبية التي سيتركها على الأسعار. أمام هذه الحقائق، لا يبدو "سن الأسنان" مجديا. دون أن ننسى أن الاتفاق الذي يروجه أوباما، ليس أكثر من "اتفاق إطار" من الآخر وحتى حزيران (يونيو) المقبل.
سواء رفعت الولايات المتحدة عقوباتها تدريجيا أم دفعة واحدة، فإن المرحلة المقبلة لن تكون سلسة كما تتمنى الشركات الغربية في كل القطاعات التي تعمل فيها. صحيح يتمنى الرئيس الإيراني حسن روحاني تدفق الاستثمارات الأجنبية خصوصا في القطاع النفطي، لكن الصحيح أيضا أن "حماس" الشركات سيصطدم بالكثير من العقبات. إلى جانب طبعا العقبة الثانية من حيث الأهمية، وهي تبدل أوضاع الأسواق النفطية بصورة دراماتيكية. هناك الكثير من الخطوات يجب أن تتم قبل أن تعود إيران إلى رفع صادراتها النفطية. وهي خطوات تتطلب وقتا، بينما لا أحد من مروجي "الاتفاق" يتحدث عن شيء اسمه "الثقة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق