الاثنين، 27 أكتوبر 2014

آلية بيانات مصرفية أوروبية .. أين المفر؟

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")







كتب: محمد كركوتـــي
 
ها هي أوروبا، تتعلم من الحملة الأمريكية الهائلة ضد المتهربين من الضرائب. إنها تستعد لرص صفوفها، ضد المتهربين الأوروبيين من الضرائب. لا ملاذ أوروبيا آمنا لأموال أوروبية في هذه القارة، التي تعيش واحدة من أسوأ أوضاعها الاقتصادية قاطبة. إلى درجة أن أقوى وأكبر اقتصاد فيها (الألماني) بدأت بوضوح يعاني التباطؤ. في حين ترتفع الأصوات في أروقة المفوضية الأوروبية، بضرورة عدم منح فرنسا مزيدا من الامتيازات والمهل، لتسوية أوضاع ميزانيتها المتعثرة جدا. لا يوجد في الاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن، بلد يمكن أن يعتبر نفسه خاليا من المشكلات المالية. وفي عز المشكلات الاقتصادية، تبحث الحكومات عادة عن مصادر دخل إضافية، أو تبحث في دفاترها القديمة. تماما مثلما يحدث مع تجارة تواجه أزمة، أو حتى بقال، يتعرض لكساد في حانوته.
تبقى الضرائب المصدر الأهم بالنسبة لكل الدول القائمة على اقتصاد السوق. وهي أموال هائلة للغاية، خصوصا، أنها تصل في بعض البلدان إلى 50 في المائة من الدخل السنوي، وهناك بالطبع ضرائب متعددة المستويات. وتبقى في النهاية، المصدر المشروع الحاسم بالنسبة للموازنات العامة. الضرائب المرتفعة، تدفع جانباً من الأعمال، وحتى المشاريع الكبيرة، إلى النزوح باتجاه بلدان تفرض ضرائب أقل، أو في أفضل الأحوال، ضرائب رحيمة أكثر. وحتى ضمن نطاق الاتحاد الأوروبي، هناك تفاوت في الضرائب، ليس كبيرا، ولكنه يوفر على الأقل بعضا من الأموال التي تذهب للموازنة العامة. لكن الأمر لا يختص بهذا الجانب فحسب، بل يشمل أيضا الحسابات المصرفية التي يفتحها أوروبيون في بلدان أوروبية أخرى.
ستنتهي هذه الميزة قريبا، لأن وزراء مالية الاتحاد الأوروبي، وافقوا مبدئيا على التبادل الآلي للبيانات المصرفية. والأهم، أنه لا توجد دولة واحدة ضمن الاتحاد سجلت اعتراضا ما على هذه الخطوة، أو حتى قدمت ملاحظات. فكل الحكومات تريد أن تكشف عما يملكه مواطنوها في مصارف أوروبا، وإذا ما كانت الأرصدة خاضعة للضرائب المحلية أم لا؟ بعض المتحمسين لهذه الخطوة، اعتبر أن الاتحاد الأوروبي تأخر كثيراً، وكان عليه أن يتقدم الولايات المتحدة في هذا الخصوص، خصوصا في ظل تنامي التشابك بين مؤسسات الدول المنضوية تحت لوائه، فضلا عن فتح الحدود على مصراعيها بين 24 دولة ضمن هذا الاتحاد. فلا معنى (بحسب هؤلاء) لأي تأخير لفرض هذه الآلية المصرفية المهمة والحساسة.
في ظل الآلية المرتقبة، إذا فتح شخص يعيش في إحدى دول الاتحاد الأوروبي حسابا مصرفيا في دولة أخرى عضو في الاتحاد، فإن سلطات الضرائب في بلده الأصلي، سيجري إبلاغها بشكل تلقائي. أي أن الأمر لا يحتاج إلى مراسلات أو طلبات قانونية وغير ذلك. لا تزال هناك فرصة للباحثين عن هروب جديد من مصالح الضرائب في بلدانهم. لماذا؟ لأن القانون الجديد، لن يقر بصور شاملة قبل بداية عام 2017، وهذه المدة وضعت أساسا، لإتمام إجراءات الربط، وتفادي أي تضارب في الأداء المصرفي بين هذه الجهة أو تلك. والذين يبحثون عن ملاذات آمنة لأموالهم، سيقومون بالتأكيد بالبحث عن ملاذات جديدة، بعيدا عن أعين أو أدوات المشرعين الأوروبيين. فحتى سويسرا، لم تعد ملاذا ضريبيا آمنا، لقد فتحت حسابات مودعيها الأمريكيين، أمام السلطات الأمريكية، وهناك تعاون كبير بينها وبين دول الاتحاد الأوروبي.
لا شك في أن آلية الربط المصرفية الأوروبية، ستسهل الأعمال فضلا عن تسهيلات لحركة الأفراد المالية، هذا لا ينطبق على أولئك الذين يقومون بالأعمال، للتهرب من الضرائب، أو لدفع أقل ما يمكن منها. هذه شركة "أبل" الأمريكية العملاقة، تقوم بالتحايل على الضرائب منذ سنوات، وغيرها مؤسسات عديدة أمريكية وأوروبية. الاتحاد الأوروبي، يبدأ الآن بالمصارف على ساحاته، وسيكون الأمر طبيعيا بعد ذلك، في عقد اتفاقات مع دول خارج الاتحاد، لدفع المصارف فيها على فتح حسابات الأوروبيين أمام سلطات بلدانهم الضريبية. هذا ما تفعله الآن الولايات المتحدة، وحققت إنجازات كبيرة في هذا المجال، في أقصر مدة.
وقد أعرب مسؤولون أوروبيون بالفعل عن إعجابهم بالحملة الأمريكية على المتهربين الأمريكيين من الضرائب، وأكدوا في أكثر من مناسبة، أنه يمكن أن يتبع الأوروبيون الخطوات نفسها للوصول إلى الاتفاقات المطلوبة. وبالفعل تحتاج هذه الاتفاقات إلى زمن طويل، نظرا لمعاناة العدد الأكبر من المصارف في مسألة الكشف عن أرصدة عملائها ومودعيها. لقد مانعت المصارف السويسرية كثيرا، ولكنها رضخت في النهاية تحت التهديد، وليس لقناعتها بالأمر. ومن المتوقع، أن تتحرك دول الاتحاد الأوروبي في هذه الحدود بصورة فردية في البداية، ولكن لن يكون غريبا، إذا ما طرح الأمر كخطة أوروبية شاملة، خصوصاً بعد أن يدخل موضوع الآلية المصرفية الأوروبية الموحدة، موضع التنفيذ.
حاول بعض المسؤولين في المفوضية الأوروبية تمرير معلومات عبر الإعلام، بأن مسؤولين أوروبيين اجتمعوا مع الأمريكيين، للاطلاع على الخطة الأمريكية التي تنفذ حالياً. وهم (أي الأوروبيين)، بدأوا الحملة إقليمياً، تمهيداً لتحويلها إلى حملة عالمية لا تستثني أحداً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق