الأربعاء، 24 سبتمبر 2014

الاستقلال والاتحاد في «مهب» الخميس

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




"اسكتلندا والاسكتلنديون جعلوا من بريطانيا ناجحة. بالنسبة لي لا مجال للسؤال حول جدوى استقلال اسكتلندا".
ديفيد كاميرون - رئيس وزراء بريطانيا


كتب: محمد كركوتـــي

بعد غد (الخميس)، سيدخل ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا التاريخ، إما كمدمر لجسم وكيان المملكة المتحدة، أو كـ "مقاتل" سياسي شرس تمكن من الحفاظ على ما تبقى من كيان الإمبراطورية البريطانية ككل، بصرف النظر عما سيحققه الاستقلاليون نفسيا من آثار سلبية، حتى لو خسروا التصويت التاريخي على استقلال الإقليم الذي ظل متحدا منذ 307 سنوات. بعد يومين، قد تخسر بريطانيا ثلث مساحتها، وأكثر من 8 في المائة من عدد سكانها، وقد يخسر الجنيه الاسترليني ما بين 10 و15 في المائة من قيمته، وسيتم تطبيق نظام الجمارك لاحقا على ما يزيد على 280 مليار استرليني هي عبارة عن منتجات اسكتلندية لإنجلترا وويلز. بعد يومين، سيعرف البريطانيون بكل انتماءاتهم، إذا ما كانت وحدة الكلمة بين الأحزاب البريطانية أنقذت الوحدة، أم لم يكن لها معنى.
هناك الكثير من التحولات والمتغيرات والمفارقات ستتحدد بعد يومين في اسكتلندا أو من خلالها. فقضية الاستقلال عن المملكة المتحدة ليست جديدة، ولكن الجديد أن مشاعر القومية الاسكتلندية وصلت إلى أعلى مستوى لها في السنوات الماضية، وأثبتت أن هناك دائما، من يرى أن "مضار" الاتحاد أكبر من منافعه، وأن أي تحرك سياسي "حتى لو كان لا يستهدف الانفصاليين من جانب الحكومة المركزية في لندن"، هو في الواقع تحرك مهين للاستقلاليين. إن الانفصاليين لا يستعيدون ذكريات الأمس، بل يضعون أمامهم الآن ذكريات ما قبل الأمس، ذكريات حملت إليهم المشاعر القومية العنيفة قبل مئات السنين. لا يهم بالنسبة للانفصاليين، الاضطراب والارتباك وعدم اليقين الذي سيلي الانفصال فيما لو تم. المهم الانفصال، وبعد ذلك تفاصيل يمكن تحملها أو السيطرة عليها. مهلا، مهلا.. لا يهم بالنسبة لهم، حتى تلميحات الاتحاد الأوروبي، بأنه ليس من السهل على اسكتلندا الانضمام إلى هذا الاتحاد.
يوم الخميس المقبل، سيعرف العالم مدى أهمية وقدرة التاج البريطاني، في الحفاظ على وحدة عمرها أكثر من ثلاثة قرون. وهل تمكن هذا التاج من المواءمة بين الوطنية والقومية، أو في أفضل الأحوال، هل استطاع حقا، أن يقلل من نسبة القوميين الاسكتلنديين والإنجليز. سيعرف العالم في غضون الساعات المقبلة، ما إذا كانت اسكتلندا ستمضي ضمن المملكة المتحدة، قرنا آخر أو أكثر، بل ما إذا كانت إنجلترا نفسها تفضل بقاء المملكة بعد عقود من الآن. الأوقات تتغير، والمشاعر القومية الإنجليزية ليست أقل حدة من الاسكتلندية، لكن الفارق أن الأخيرة أعلى صوتا من فرط الشعور بفوقية الأولى. وهذه ليست مشاعر الوحدويين، ويكفي هؤلاء أن الأحزاب البريطانية المختلفة "باستثناء الحزب القومي الاسكتلندي وبعض السياسيين القليلين المعروفين بنزعتهم الطائفية" اتحدت سياسيا من أجل دعم حملة "البقاء معا أفضل".
يوم الخميس المقبل، سيكون لكل صوت أهمية. فالقضية هنا لا ترتبط بحزب سيحكم ثم يخسر لاحقا ليعود إلى صفوف المعارضة. بل تتعلق بمصير وهوية دولة كبرى، و"دولة" أصغر ضمنها. أليكس سالموند رئيس الحكومة المحلية في اسكتلندا وزعيم معسكر الانفصاليين، إنه ببساطة في نظر هؤلاء "وليام ووليس" الذي خاض حرب الاستقلال ضد إنجلترا في القرن الثاني عشر، ولكن الفارق أن سالموند لا يقطع الرؤوس ولا يعلقها على بوابات المدن. إنه يسعى لقطع صلة، ليست مقتصرة على الجغرافيا، بل على المجتمع والاقتصاد، وأوروبا، وبقية أقاليم المملكة المتحدة. إنها عملية قد تكون معقدة إجرائيا ولكنها ليست كذلك عند أولئك الذين ينظرون إلى اسكتلندا بلدا مستقلا، يمتلك مقومات الدولة، ليس فقط اقتصاديا بل تاريخيا وجغرافيا وما يرتبط بهما.
قد تصبح بريطانيا "العظمى" في خلال الساعات المقبلة، صغرى أكثر وأكثر ضمن سياق "التقلص" الذي أصاب هذه الإمبراطورية قبل عشرات السنين. وربما أشعل الاستقلال المحتمل لاسكتلندا المشاعر المتأججة دوما عند أقرانهم الإيرلنديين. لكن مهلا، هنا الأمر سيكون مختلفا بعض الشيء. الذي يحرك الإيرلنديين ليس عوامل قومية فقط، بل دينية طائفية بحتة، أنتجت واحدة من أسوأ وأبشع مراحل الصراع بين الطرفين. المهم الآن، أن اسكتلندا في حالة الاستقلال، ستكون مسيطرة على 10 في المائة من الناتج المحلي للمملكة المتحدة البالغ 2.5 تريليون دولار. والانفصاليون يتوقعون أن يرتفع دخل الفرد 15 في المائة في غضون خمس سنوات بعد الاستقلال. كما أن الإقليم لن يكون ملزما بدين يصل إلى 200 مليار دولار من نصيبها في الدين البريطاني العام.
المستقبل في نظر هؤلاء وردي، جميل ينساب ضمن المشاعر القومية الهائمة في كثير من الأحلام وبعض الواقع. الأمور لن تجري بسهولة وانسياب كما يتوقعون. فحتى الأوروبيون حذروا الاستقلاليين من أن خطوتهم لا تضمن لهم عضوية أوتوماتيكية في الاتحاد الأوروبي. دون أن ننسى، أن بإمكان أولئك الذين قاتلوا من أجل بقاء الاتحاد، "التنغيص" اللا محدود على اسكتلندا المستقلة. إنها عملية تاريخية بكل معنى الكلمة، سيشهد العالم مشهدها الحاسم الخميس المقبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق