الخميس، 24 يوليو 2014

فقراء الأغنياء وأغنياء الفقراء

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



 
"الأغنياء هم الذين سيشعرون بالألم لو توقفت المساعدات عن إفريقيا. الفقراء لن يلاحظوا الفرق"
دامبيسا مويو - أكاديمية ومؤلفة اقتصادية زامبية
 
 
 
كتب: محمد كركوتـــي
 
 
تبقى المساعدات التي تُقدَم إلى الدول النامية، وخصوصاً الإفريقية منها، مثار جدل تاريخي لا ينتهي، بين مع يعتقد بعدم جدواها، وبين من يرى أنها مورد أساسي للتنمية والإنقاذ، بصرف النظر عن الجوانب السلبية التي تختص بعمليات التوزيع والاستثمار والتوجيه الصحيح لها. وهؤلاء يعتقدون أن وجود نسبة حقيقية من المساعدات، أفضل بكثير من عدم حضورها على أي مسرح اقتصادي معاشي في الدول الإفريقية، ولا سيما تلك التي تحتاج بالفعل إلى أساسيات التنمية، بكل قطاعاتها، وفي مقدمتها الاجتماعية. المعارضون لهذه المساعدات، ليسوا من أولئك الذين يعتقدون بأن التآمر هو أساس العمل. إنهم ينتمون إلى شرائح مختلفة، منها أكاديمية صرفة، يقومون بوزن الأمور من كل جوانبها وبأدق تفاصيلها.
ورغم تحسن أداء (وليس حجم) المساعدات لإفريقيا في السنوات القليلة الماضية، من جراء خطوات اتخذتها الدول المانحة، إلا أن العوائد الفعلية لها على الأرض، لا توازي قيمتها. والسبب يبقى أولاَ وأخيراً في فساد لا يتوقف في الدول المتلقية، وفساد يوازيه من المؤسسات الغربية الخاصة. الدول المانحة تعرف طبيعة هذا الخراب، ولكنها فشلت في الحد منه على مدى عقود. فالمحركات الفاسدة الخاصة، لا تزال أقوى عزماً من المحركات الحكومية في البلدان المانحة. ولعل بيتر بوير الاقتصادي التنموي الأمريكي، أكثر الأشخاص الذي قدموا وصفاً بليغاً لهذه الحالة. ماذا قال؟ "مساعدات الدول المتقدمة هي في الواقع ضرائب يدفعها الفقراء فيها، للأغنياء في الدول الفقيرة". وهذا هو الانطباع السائد لدى الغالبية العظمى من الرأي العام الغربي، حتى في ظل تحسن أداء المساعدات.
يعتقد البعض ومنهم الأكاديمية الاقتصادية الزامبية المعروفة دامبيسا مويو، أن مساعدات الدول المتقدمة لإفريقيا لا تعمل. ويمضي هؤلاء أبعد من ذلك بالقول، إن جهود المنظمات الخيرية المعروفة وحراك عدد من المشاهير الذين ينشطون في نطاق العمل الخيري (مثل بوب جيلدوف، وأنجلينا جولي وغيرهما) أكثر فائدة وحضوراً حقيقياً من مساعدات الغرب. وتقول مويو "إن عائلتي الفقيرة نفسها عانت تبعات المساعدات". ويستند هؤلاء إلى بيانات البنك الدولي التي أظهرت، أن 85 في المائة من المساعدات الغربية في البلدان النامية، تذهب في غير محلها. وأنه بين العامين 1980 و1996، دعمت الدول الغربية حكومات إفريقية مارقة ومجرمة بالمساعدات المباشرة. وقبل أيام، أكدت مجموعة من المنظمات غير الحكومية أن دولا غربية تستغل المساعدات إلى إفريقيا كستار لإخفاء "النهب المنظم" للقارة السمراء التي تخسر نحو 60 مليار دولار سنويا، عبر التهرب الضريبي والتغير المناخي، وتحويل الأرباح، التي تجنيها الشركات متعددة الجنسيات خارج القارة. ورغم حصول إفريقيا (مثلاً) على قروض واستثمارات أجنبية ومساعدات تنموية بقيمة 134 مليار دولار إلا أن 192 مليار دولار تخرج من المنطقة، تاركة فجوة تبلغ 58 مليار دولار.
ويقول مارتن دروري، مدير منظمة هيلث بافرتي أكشن، وهي واحدة من المنظمات، التي وضعت التقرير إن "المفهوم الشائع أن المملكة المتحدة تساعد إفريقيا من خلال المساعدات، لكن الحقيقة أنها توفر ستارا للمليارات المنهوبة". لا شك في أن المساعدات تنهب بطرق مختلفة، وبعض المساعدات تنهب بكل الطرق مجتمعة، ولكن هل فعلاً لا قيمة لها؟ بل هل يمكن أن تسبب المعاناة، كما قالت مويو؟ وهل عجز العالم عن إيجاد طرق مثلى للحفاظ على قيم هذه المساعدات؟ أسئلة كثيرة تطرح في هذا الخصوص، وستضاف إليها أسئلة أخرى في المستقبل، طالما أن الخلل واضح في هذا النطاق المهم والحساس. لكن كثرة هذا النوع من الأسئلة لا تلغي جوانب أساسية محورية إيجابية ومهمة لهذه المساعدات الضخمة.
هنا يظهر أولئك الذين لا يتفقون مع الشرائح المنتقدة للمساعدات الغربية. فوقف المساعدات تعني ببساطة لهؤلاء، إغلاق آلاف المدارس والعيادات الطبية في إفريقيا، وإنهاء برامج مكافحة الإيدز والملاريا ووباء (تي بي) وغيرها من الأوبئة. وهذه برامج يستفيد منها الملايين حالياً في القارة السمراء. كما أن هناك برامج أثبتت جدواها في مسألة التدريب والتأهيل في بعض المناطق الإفريقية، فضلاً عن مشاريع توفير مياه الشرب النقية، إلى جانب سلسلة من مشاريع البنى التحتية، التي تساهم مباشرة في الحفاظ على البيئة، وتحمي السكان في الوقت نفسه. هناك الكثير من الفوائد لهذه المساعدات، صحيح أنها لا توازي قيمتها الحقيقية، ولكنها في النهاية توفر عوائد إنسانية لا غنى عنها، لأعداد هائلة من الأفارقة.
وليس أفضل من إعادة صياغة لهذه المساعدات، لا باختيار مشاريع جديدة، بل بوقف حازم وقاطع لعمليات النهب التي تتعرض لها، فضلاً عن أن جانباً من عوائدها المالية يخرج من الدول المخصصة لها، إلى حسابات مصرفية سرية قذرة، توازي قذارة سارقيها، وغالباً ما تكون في البلدان الغربية نفسها. إنها عملية ضرورية ليست فقط لمستحقي المساعدات، بل للجهات المانحة لها أيضاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق