الاثنين، 27 أكتوبر 2014

أزمة جديدة أم متجددة؟

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



"ما نعرفه عن الأزمة الاقتصادية العالمية، أننا لا نعرف شيئا"
بول سامويلسون - اقتصادي أمريكي حائز على "نوبل" في الاقتصاد



كتب: محمد كركوتـــي

يتحدثون عن أزمة اقتصادية جديدة. بعض الجهات تتوقع أن تكون "الأزمة" أسوأ من تلك التي انفجرت في عام 2008، وجرفت العالم معها. البعض الآخر يراها أقل من ذلك، وهناك من يعتقد، أن الأزمة "المقبلة" هي خليط بين الركود وضعف النمو. وأيا كانت التعريفات والتوقعات (وهي لا تتوقف)، فالأمر ببساطة لا يتعلق بأزمة جديدة، بقدر ما يرتبط بأزمة لا تزال موجودة، غير أنه ما زال منها على مدى ست سنوات قد يعود. بمعنى آخر، الأزمة المتوقعة يمكن تسميتها "أزمة متجددة"، مع الأخذ في الاعتبار بالطبع، التحولات الإيجابية التي طرأت على الساحة العالمية في الفترة الفاصلة بين انفجار أزمة 2008، وتخبط الاقتصاد العالمي حاليا.
لا تزال هناك الكثير من الملفات التي فتحتها الأزمة الكبرى، قيد الحلول، بل إن بعضها تعمق هنا، واستفحل. هناك ملفات الإفلاس، الفساد المالي، الديون المتعثرة، التضخم، حالات الإنقاذ المستمرة، والنظام المالي العالمي، كلها ملفات لا تزال مفتوحة، بصرف النظر عن تصريحات بعض الجهات الدولية، التي تحاول من خلالها التخفيف من المخاوف، والتقليل من الاضطراب المصاحب لها. إنها قضايا لم تستطع الحكومات (بعد الأزمة) الادعاء بأنها نجحت في حلها تماماً، وأنها باتت من ملفات التاريخ. وتحسن الوضعية الاقتصادية لدولة ما مؤثرة، لا يعني بالضرورة أن أمور الاقتصاد العالمي بخير. هناك عوامل طبيعية لا دخل للإصلاحات فيها، تساهم في إضافة تحسن ما في هذا القطاع أو ذاك، وغالبا لا يكون تحسنا مستداما.
ترى بعض الجهات الدولية، أن الاقتصاد العالمي يواجه حاليا اختبار ثقة. والحق أن هذا الاقتصاد لا يواجه هذا الاختبار، بل الإجراءات الإصلاحية هي التي تواجهه. ورغم أن الدول الكبرى، قطعت شوطا لا بأس به على صعيد إصلاح الأنظمة المالية فيها، إلا أن المفاهيم القديمة لا تزال موجودة بصورة أو بأخرى. ومبدأ الإنقاذ الحكومي للمؤسسات التي "يجب ألا تنهار"، موجود وبقوة. يضاف إلى ذلك، أن الإجراءات الإصلاحية التي اتخذت تحتاج إلى وقت ليس بالقصير، سواء للتنفيذ أو لجني ثمارها. الحكومات (ولاسيما في العالم الغربي)، اتخذت بالفعل الكثير من الإصلاحات، ولكنها دخلت في نفق الإجرائي الطويل، وهو نفق فيه من الثغرات الكثير أيضا.
في كتلة مصابة ككتلة منطقة اليورو، يحذر البنك المركزي الأوروبي حكومات دول المنطقة من مخاطر التباطؤ، والأهم يحذر من عدم التوسع في خطط دعم اقتصاداتهم. ورغم تحسن الأوضاع الاقتصادية على الساحة الأمريكية، إلا أن الثغرات لا تزال موجودة. فالاحتياطي الفيدرالي الأمريكي نفسه، الذي يحاول بين الحين والآخر تمرير "معزوفة" الانتعاش، بات أكثر صراحة مما كان عليه في السابق. وهذه المؤسسة بالتحديد، عليها أن تكون حذرة جدا في مسألة تلوين" الاقتصاد الأمريكي باللون الوردي. والسبب يعرفه الجميع. لقد سوق الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، أسوأ مرحلة اقتصادية في الولايات المتحدة، التي كانت مخرجاتها، ليس أقل من أزمة اقتصادية عالمية غير مسبوقة على الإطلاق.
وعلى رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد أن تكون حذرة جدا في تصريحاتها وتوقعاتها. فهذه المؤسسة أيضا ساهمت في مرحلة التضليل التي سبقت الأزمة الكبرى. ولذلك يبدو غريباً ما قالته أخيرا "إن الأسواق العالمية تشهد عملية تصحيح، وربما تبالغ في رد الفعل". الأسواق في الواقع لا تبالغ في ذلك، لأن المعطيات الاقتصادية العالمية الضعيفة واضحة، ليست فقط على صعيد ديون منطقة اليورو، أو عدم اليقين الاقتصادي الأمريكي فقط، بل بتقهقر النمو في الأسواق الناشئة، التي تشكل محركا محوريا لاقتصاد العالم. هذه الحيوية الصينبة (كما يقولون) متلاشية، وهذا هو الأداء الضعيف لدول أوروبا الشرقية، ناهيك عن التباطؤ المخيف في أمريكا اللاتينية. مهلا.. مهلا، هذه ألمانيا التي تتغنى بالنمو حتى في وسط الأزمات، تعاني تراجعا فيه في الوقت الراهن.
ولعل من المفيد الإشارة، إلى بيانات 19 اقتصادا ناشئا، جمعتها شركة الأبحاث "كابيتال إيكونوميكس"، التي أظهرت أن الناتج الصناعي في آب (أغسطس)، والإنفاق الاستهلاكي في الربع الثاني، انخفضا إلى أدنى مستوياتهما منذ عام 2009. كذلك انخفض نمو الصادرات في الشهر نفسه. ويرى نيل شيرينج، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة الشركة المذكورة، أن هذا هو الوضع الطبيعي الجديد، بالنسبة لبقية العقد هذا هو الوضع. ويقول: "إنه أفضل وضع يمكن أن يحصل". وإذا كان هذا حال دول يفترض أنها المحرك الأنشط للاقتصاد العالمي، علينا أن نتخيل أوضاع الدول الأقل نشاطا في ذلك، وآثارها في الساحة عالميا!
إن العالم، لا يزال يمر بمرحلة الخروج من الأزمة العالمية الكبرى. فالأزمات الشاملة لا تنتهي آثارها بسرعة. بل تحمل معها مناعة في بعض القطاعات، تحتاج إلى مزيد من المقاومة للقضاء عليها. والمستقبل ليس مشرقا. ولعل أفضل شيء في الوقت الراهن، أن رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ألان جرينسبان، أصبح سابقا، لا حاليا.

آلية بيانات مصرفية أوروبية .. أين المفر؟

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")







كتب: محمد كركوتـــي
 
ها هي أوروبا، تتعلم من الحملة الأمريكية الهائلة ضد المتهربين من الضرائب. إنها تستعد لرص صفوفها، ضد المتهربين الأوروبيين من الضرائب. لا ملاذ أوروبيا آمنا لأموال أوروبية في هذه القارة، التي تعيش واحدة من أسوأ أوضاعها الاقتصادية قاطبة. إلى درجة أن أقوى وأكبر اقتصاد فيها (الألماني) بدأت بوضوح يعاني التباطؤ. في حين ترتفع الأصوات في أروقة المفوضية الأوروبية، بضرورة عدم منح فرنسا مزيدا من الامتيازات والمهل، لتسوية أوضاع ميزانيتها المتعثرة جدا. لا يوجد في الاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن، بلد يمكن أن يعتبر نفسه خاليا من المشكلات المالية. وفي عز المشكلات الاقتصادية، تبحث الحكومات عادة عن مصادر دخل إضافية، أو تبحث في دفاترها القديمة. تماما مثلما يحدث مع تجارة تواجه أزمة، أو حتى بقال، يتعرض لكساد في حانوته.
تبقى الضرائب المصدر الأهم بالنسبة لكل الدول القائمة على اقتصاد السوق. وهي أموال هائلة للغاية، خصوصا، أنها تصل في بعض البلدان إلى 50 في المائة من الدخل السنوي، وهناك بالطبع ضرائب متعددة المستويات. وتبقى في النهاية، المصدر المشروع الحاسم بالنسبة للموازنات العامة. الضرائب المرتفعة، تدفع جانباً من الأعمال، وحتى المشاريع الكبيرة، إلى النزوح باتجاه بلدان تفرض ضرائب أقل، أو في أفضل الأحوال، ضرائب رحيمة أكثر. وحتى ضمن نطاق الاتحاد الأوروبي، هناك تفاوت في الضرائب، ليس كبيرا، ولكنه يوفر على الأقل بعضا من الأموال التي تذهب للموازنة العامة. لكن الأمر لا يختص بهذا الجانب فحسب، بل يشمل أيضا الحسابات المصرفية التي يفتحها أوروبيون في بلدان أوروبية أخرى.
ستنتهي هذه الميزة قريبا، لأن وزراء مالية الاتحاد الأوروبي، وافقوا مبدئيا على التبادل الآلي للبيانات المصرفية. والأهم، أنه لا توجد دولة واحدة ضمن الاتحاد سجلت اعتراضا ما على هذه الخطوة، أو حتى قدمت ملاحظات. فكل الحكومات تريد أن تكشف عما يملكه مواطنوها في مصارف أوروبا، وإذا ما كانت الأرصدة خاضعة للضرائب المحلية أم لا؟ بعض المتحمسين لهذه الخطوة، اعتبر أن الاتحاد الأوروبي تأخر كثيراً، وكان عليه أن يتقدم الولايات المتحدة في هذا الخصوص، خصوصا في ظل تنامي التشابك بين مؤسسات الدول المنضوية تحت لوائه، فضلا عن فتح الحدود على مصراعيها بين 24 دولة ضمن هذا الاتحاد. فلا معنى (بحسب هؤلاء) لأي تأخير لفرض هذه الآلية المصرفية المهمة والحساسة.
في ظل الآلية المرتقبة، إذا فتح شخص يعيش في إحدى دول الاتحاد الأوروبي حسابا مصرفيا في دولة أخرى عضو في الاتحاد، فإن سلطات الضرائب في بلده الأصلي، سيجري إبلاغها بشكل تلقائي. أي أن الأمر لا يحتاج إلى مراسلات أو طلبات قانونية وغير ذلك. لا تزال هناك فرصة للباحثين عن هروب جديد من مصالح الضرائب في بلدانهم. لماذا؟ لأن القانون الجديد، لن يقر بصور شاملة قبل بداية عام 2017، وهذه المدة وضعت أساسا، لإتمام إجراءات الربط، وتفادي أي تضارب في الأداء المصرفي بين هذه الجهة أو تلك. والذين يبحثون عن ملاذات آمنة لأموالهم، سيقومون بالتأكيد بالبحث عن ملاذات جديدة، بعيدا عن أعين أو أدوات المشرعين الأوروبيين. فحتى سويسرا، لم تعد ملاذا ضريبيا آمنا، لقد فتحت حسابات مودعيها الأمريكيين، أمام السلطات الأمريكية، وهناك تعاون كبير بينها وبين دول الاتحاد الأوروبي.
لا شك في أن آلية الربط المصرفية الأوروبية، ستسهل الأعمال فضلا عن تسهيلات لحركة الأفراد المالية، هذا لا ينطبق على أولئك الذين يقومون بالأعمال، للتهرب من الضرائب، أو لدفع أقل ما يمكن منها. هذه شركة "أبل" الأمريكية العملاقة، تقوم بالتحايل على الضرائب منذ سنوات، وغيرها مؤسسات عديدة أمريكية وأوروبية. الاتحاد الأوروبي، يبدأ الآن بالمصارف على ساحاته، وسيكون الأمر طبيعيا بعد ذلك، في عقد اتفاقات مع دول خارج الاتحاد، لدفع المصارف فيها على فتح حسابات الأوروبيين أمام سلطات بلدانهم الضريبية. هذا ما تفعله الآن الولايات المتحدة، وحققت إنجازات كبيرة في هذا المجال، في أقصر مدة.
وقد أعرب مسؤولون أوروبيون بالفعل عن إعجابهم بالحملة الأمريكية على المتهربين الأمريكيين من الضرائب، وأكدوا في أكثر من مناسبة، أنه يمكن أن يتبع الأوروبيون الخطوات نفسها للوصول إلى الاتفاقات المطلوبة. وبالفعل تحتاج هذه الاتفاقات إلى زمن طويل، نظرا لمعاناة العدد الأكبر من المصارف في مسألة الكشف عن أرصدة عملائها ومودعيها. لقد مانعت المصارف السويسرية كثيرا، ولكنها رضخت في النهاية تحت التهديد، وليس لقناعتها بالأمر. ومن المتوقع، أن تتحرك دول الاتحاد الأوروبي في هذه الحدود بصورة فردية في البداية، ولكن لن يكون غريبا، إذا ما طرح الأمر كخطة أوروبية شاملة، خصوصاً بعد أن يدخل موضوع الآلية المصرفية الأوروبية الموحدة، موضع التنفيذ.
حاول بعض المسؤولين في المفوضية الأوروبية تمرير معلومات عبر الإعلام، بأن مسؤولين أوروبيين اجتمعوا مع الأمريكيين، للاطلاع على الخطة الأمريكية التي تنفذ حالياً. وهم (أي الأوروبيين)، بدأوا الحملة إقليمياً، تمهيداً لتحويلها إلى حملة عالمية لا تستثني أحداً.

منتهكون مصرفيون أم لصوص؟

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")

 
"السرقة عن طريق إنشاء مصرف ما، أسهل من القبض على مدير مصرف"
برتولت بريخت، شاعر وكاتب مسرحي ألماني



كتب: محمد كركوتـــي


تمضي حملة فرض غرامات هائلة على المصارف إلى الأمام. ولا سيما تلك التي أدينت أو اتهمت بانتهاكات هائلة أيضا، لأموال المودعين وللقوانين المصرفية المرعية. وهي ليست كتلك الغرامات (العالية أيضا) التي فُرضت على المصارف المدانة بتبييض الأموال، وخرق العقوبات الدولية المفروضة على حكومات مارقة حول العالم. علما بأنه قد تجد مصرفا متورطا بكل بالانتهاكات جميعها، وهي مصارف ذات أسماء رنانة "موسيقية" في سماء عالم المصارف والمال. "إتش إس بي سي"، "مورجان ستانلي"، "بنك أوف أمريكا"، "ستي بنك"، وغيرها من تلك التي وصلت موجوداتها في يوم من الأيام، إلى مستويات فاقت ميزانيات بلدان مجتمعة، بل بلغت حدا فرضت معه معاييرها على الحكومات المنتخبة في بلدانها!
ومع مضي الحملة على المصارف التي تلاعبت بأموال مودعيها، وبسوق العملات، وبقطاع الإسكان، وبأفخاخ صناديق التحوط، وعملت "البحر طحينة"، يظهر سؤال كبير في المشهد العام، على الشكل التالي: هل تتعلم المصارف من الغرامات أم من القوانين؟ وقد يكون السؤال مناسبا أكثر بهذا الشكل: هل تعلمت المصارف حقا؟ لا شك في أن الهجمات الحكومية عليها - ولاسيما في الولايات المتحدة - كبيرة ومتصاعدة، وهناك حكومات بدأت بالانضمام إلى هذه الحملة في بلدانها، وعددها يتزايد أيضا، خصوصا على الساحة الأوروبية التي تشهد يوما بعد يوم، تخلي مصرفها المركزي عن لغته الدبلوماسية، فيما يرتبط بالسؤال الذي تطوعت الحكومات بتوجيهه لأنفسها، لحل معضلة مقولة تاريخية مروعة، تُطرح عادة بهذه الصيغة "يجب عدم السماح للمصارف الضخمة بالانهيار".
حسنا، ولكن كيف يمكن عدم السماح بانهيارها؟ والأهم، كيف يمكن إبقاء الأموال العامة بعيدا عن عمليات الإنقاذ؟ بمعنى آخر، هل يمكن إنقاذ المصارف الضخمة، دون أن يُجبر المتضرر منها على إنقاذها؟! الحكومات الغربية وجدت "الحل"، وهو يستند إلى إجبار هذه المصارف على احتياطي رأسمالي على شكل سندات وأدوات مكافئة، بما يعادل نسبة معينة من أصولها التي تستهدفها المخاطر. لكن الأمر ليس بهذه السهولة. فبعض بلدان مجموعة العشرين (على سبيل المثال)، طالب بمرونة في القوانين الجديدة، خصوصا بعدما تحولت قضية المصارف الكبرى وحتى المتوسطة، إلى مسألة عالمية، تنال في الدرجة الأولى من البلدان التي اتخذت زمام المبادرة الاقتصادية، في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت عام 2008.
الأوروبيون يعتقدون أن الاحتياطي الرأسمالي للمصارف المعنية الذي يصل إلى 16 في المائة، لا بأس به. غير أن ذلك لا يقلل من صعوبة وصول المصارف إلى هذا المستوى من الاحتياطي. ولهذا فإن الأمر لم يحسم بعد، وترك لما أطلق عليه "محاكاة" ستتم في نهاية العام المقبل. وإلى أن يتم ذلك، فإن دافعي الضرائب سيظلون المنقذين الحقيقيين للمصارف التي ترتكب الأخطاء، والأهم، تلك التي ترتكب الانتهاكات والتجاوزات والسرقة والتلاعب، وتضع أموال المودعين فيها في دائرة الخطر، عن طريق ممارسات استثمارية عالية المخاطر. يضاف إليها، "الاستشارات" المضللة التي تقدمها المصارف للمستثمرين، على أمل في إقناع هؤلاء بموافقات سريعة، على عمليات استثمارية تهدد ما يملكونه من أموال.
وعلى الرغم من كل الفضائح، بل والعمليات الاستثمارية السافرة جدا، لا يزال بعض المصارف مستمرا في مواصلة بعض السياسات المالية التي أدت إلى كوارث. هم يقولون عنها "سياسات"، ولكنها في الواقع مصائب تنال من المودعين مرتين. في الأولى، عندما تتبخر أموالهم في عمليات خطيرة وأحيانا غير مشروعة، والثانية، عندما يضطرون إلى إنقاذ مدمرهم المالي، عبر الضرائب التي يدفعونها للموازنات العامة في بلدانهم. فعلى سبيل المثال، لم تنفع في بعض المصارف، "استغاثات" صندوق النقد الدولي، بحتمية وقف التلاعب بالعملات. والصندوق يعرف أكثر من غيره، أن هذا التلاعب ينال في الدرجة الأولى من الانتعاش الاقتصادي العالمي الهش. لقد عثر أخيراً على عشرة مصارف (مثل باركليز، ودوتشيه بنك، كريدي سويس، جي بي مورجان بي إن بي باريبا.. وغيرها)، لا تزال في خضم التلاعب بالعملات!
المفزع، أن هذه المصارف بدأت بعقد صفقات مع الحكومات لدفع غرامات مقابل عدم تقديمها للقضاء. واللافت، أن هذه الحكومات تفضل الغرامات عن أي شيء آخر، مما يجعل جهودها في تطبيق قوانين مصرفية جديدة مشددة عرضة للتآكل، وفي أفضل الأحوال، عرضة للالتفاف حولها. لا شك أن الحملة ضد المنتهكين المصرفيين جدية. فالحكومات نفسها لم تعد قادرة ماليا على إنقاذ المصارف بسلاسة. وإذا ما تعاطت السلطات المختصة مع بعض المسؤولين عن المصارف كلصوص، فإنها تستطيع أن تحقق قفزات نوعية في حملتها الشاملة، وتكسبها زخما قويا على الساحة العالمية. لقد أثبتت التجارب، أنه ليس من السهل تطويع المصارف بالغرامات. فحتى في أعقاب انهيار آلاف المصارف حول العالم، وجد القائمون عليها منافذ لتحقيق المكاسب غير المشروعة. وإذا لم تتحول الحملة إلى حرب، ستبقى أبواب هذه المنافذ مشرعة، أو على الأقل مواربة.