الخميس، 12 ديسمبر 2013

التعصب القومي يضر باقتصاد أوروبا

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")






«مع انكماش التوقعات والآمال، كل إنسان يشعر بأنه ضحية، ويقوم بالتضييق على الأجانب للدفاع عن مربعه»
أوسكار هاندلين - مؤرخ أمريكي




كتب: محمد كركوتــــي

العثور على مسؤول غربي، وتحديداً أوروبي، يتحدث صراحة عن أهمية المهاجرين الأجانب بالنسبة لبلاده واقتصادها، أمر أقرب إلى المعجزة. ورغم معرفتهم بهذه الأهمية حقاً، إلا أنهم لا يجرؤون عادة على الإفصاح عنها، والسبب هو نفسه دائماً.. الانتخابات. وفي هذه الأخيرة، تكون دائماً المشاعر الوطنية أقوى من أي مشاعر أخرى، بما في ذلك الإنسانية منها. وفي الوقت الراهن، يعاني السياسيون الغربيون هشاشة انتخابية تاريخية. فإما أن يسيطروا على السلطة بحكومات ائتلافية متناقضة الطرفين غالباً، وإما أنهم يدخلون في دوامة الانتخابات المبكرة، التي ما إن تنتهي واحدة، حتى يجري الحديث عن أخرى! وفي أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية، صار وجود حكومة قوية مُشكَّلة من حزب واحد، أو بأغلبية مريحة، حلماً سياسياً، فقد قوضت الأزمة كثيراً من التراكمات والقدرات السياسية للأحزاب الأوروبية بشكل عام. وأصبحت ''المزايدة'' المحلية العنصر الأقوى في البرامج الانتخابية.
وتتصدر الأحزاب المحافظة اليمينية مشهد ''الصمت'' عن فاعلية وأهمية المهاجرين في الحراك الاقتصادي العام. وسوء النية تجاه المهاجرين، هي جزء أصيل من تعاطيها معهم، طبعاً ضمن القانون. لكن الصمت انسحب ''بصورة أقل بالطبع'' حتى على الأحزاب الاشتراكية اليسارية التي اعتادت التعاطي مع هذه المسألة بانفتاح واسع. فاستحقاقات الشعبية والانتخابات تسود، وإن تعارضت مع المبادئ والقيم التي قامت عليها هذه الأحزاب. ومن هنا كان إعلان وزير الأعمال البريطاني فينس كيبل، عن أهمية الهجرة بالنسبة لبلاده، مهماً ويمكن اعتباره نقطة تحول حقيقية. قال: ''علينا أن نكون حريصين، لأن الدليل أن هجرة العمال والطلبة من خارج الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا، أمر مفيد للغاية للاقتصاد البريطاني''. ومضى أبعد من ذلك، عندما أشار إلى ''التأثير الخطير لقيود الهجرة على أداء الاقتصاد''. لكن مهلاً.. العجب من هذا الكلام يتقلص، لماذا؟ لأن كيبل، وإن كان وزيراً في حكومة يقودها المحافظون، إلا أنه ينتمي إلى الحزب الثاني الذي يشكل مع المحافظين الحكومة وهو حزب الديمقراطيين الأحرار. إنه حزب يختلف تماماً في رؤيته حول المهاجرين مع الحزب الآخر. ما يعزز الاختلافات داخل الحكومة الواحدة.
تحتاج أوروبا إلى المهاجرين، هذا أمر لا يجادل فيه إلا أولئك الذين لا يزالون أسرى المشاعر القومية المتهاوية. وفي هذه القارة ما يقرب من 20 مليون أجنبي، غالبيتهم يتمركزون في ألمانيا، وفرنسا وبريطانيا. والدول الثلاث هذه هي ببساطة أقوى البلدان الأوروبية اقتصادياً، ومن الطبيعي أن تكون الكثافة الأجنبية فيها أعلى من غيرها، خصوصاً تلك التي تعاني من أزمات اقتصادية لا تنتهي. وفي عام 2008 رفض رئيس الوزراء البريطاني السابق جوردون براون الدعوات إلى وضع قيود على المهاجرين سنوياً إلى بلاده، وربما كان هذا أحد أسباب -وليس السبب الوحيد- عدم فوزه في الانتخابات التي أنتجت الحكومة الائتلافية الحالية. وفي نهاية العقد الماضي، بلغت مساهمة المهاجرين في الاقتصاد البريطاني قرابة ستة مليارات جنيه استرليني. وهي نسبة كبيرة. وكان المستشار الألماني السابق جيرهارد شرويدر في مطلع العقد الماضي أكثر جرأة عندما أعلن صراحة، ضرورة فتح الأبواب أمام الهجرة. فحتى اليوم، ليس لدى ألمانيا سياسة واضحة بشأن المهاجرين، وإن كانت موجودة فيما يرتبط باللاجئين. والمصيبة، أن اثنين من كل ثلاثة ألمان يعبرون عن رأيهم بضرورة تقليص عدد الأجانب، إنها المشاعر القومية المترهلة.
وحسب الوكالة الاتحادية للعمل في ألمانيا، فقد أكدت مطلع العقد الراهن، أن البلاد بحاجة إلى مئات الآلاف من المهاجرين سنوياً، وأنها بحلول عام 2025 تحتاج إلى أكثر من 6,7 مليون مهاجر في سن العمل. وأن الوضع في ألمانيا يتطلب بصورة ملحة ما يقرب من 200 ألف مهاجر سنوياً على الأقل، لمواجهة استحقاقات العمل فيها. فأوروبا هرمت، ومحاولات رفع سن التقاعد فيها لا تزال في بدايتها. وحتى لو نجحت في ذلك، فإن الضمانات ليست متوافرة، فضلاً عن وجود اعتبارات اجتماعية، ستفرغ بصورة أو بأخرى الكثير من مخططات رفع سن التقاعد. تتناقص في أوروبا الأيدي العاملة والشباب، كما ينقصها جيل متعلم متدرب جديد، ليس متوافراً بما يسد التنمية في الوقت الراهن والحراك الاقتصادي العام. ولهذا السبب، تسعى الكثير من المؤسسات الأوروبية إلى تقديم إغراءات متنوعة للطلاب الأجانب فيها للبقاء والعمل. وهي بذلك، تضرب بصورة مباشرة معاول التنمية في البلدان الأصلية لهؤلاء الطلاب.
لا يمكن للقارة الأوروبية العجوز أن تحل مشاكلها الخاصة بالعمالة، إلا إذا كرست الثقافة الوطنية المنفتحة تماماً في كل بلدانها. وهذا أمر لن يكون سهلاً بأي حال. فبعد سنوات من انضمام دول أوروبية شرقية إلى الاتحاد الأوروبي، لم تسد النقص في العمالة في الدول الأوروبية الكبرى. وحتى بعد أن تمنح التسهيلات الجديدة للمهاجرين من خارج الاتحاد، عليها واجب أخلاقي، يتمثل في تعويض البلدان التي يأتي منها المهاجرون، بما يكفل الحد المطلوب لتنمية تحتاج إليها.. وتحتاج إليها جداً.
 
 
 
 

الخميس، 5 ديسمبر 2013

مع الثورات ومع الأموال المنهوبة أيضاً

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")

 
 
 
 
«اللص الذي يبتسم، يسلب شيئاً من السارق»
وليام شكسبير - أديب إنجليزي




كتب: محمد كركوتـــي

سيكون الصمت على الأموال المنهوبة مصيبة أخرى على الشعوب التي نُهبت منها، ولا سيما تلك التي تصارع الآن للوصول إلى أقرب نقطة من الاستقرار، في أسرع وقت متوافر. لا يمكن تأجيل العمل على إعادتها، ولا حتى البطء في عمليات حصرها، وإرجاعها إلى أولئك الذين سلبت منهم علانية، وعلى مدى عقود. في سورية، امتلك جمهورية واحصل على الشعب هدية! وفي ليبيا لم يبق للقذافي سوى الهواء خارج ممتلكاته! وفي مصر كان كل دولار ينفقه مبارك على البلاد، يحتفظ بـ ''فكة'' الألف! وفي تونس كان من الصعب على بن علي فتح حسابات شخصية في المصارف، فأخذ المصرف المركزي كله له! وفي اليمن، كان صالح يكنز أموال الشعب، على اعتبار أن الخراب في البلاد لم يترك مجالاً للإنفاق! هذه هي الخريطة''الاقتصادية'' في سورية، وهكذا كانت في الدول التي نجحت شعوبها في خلع أنظمتها المريعة.
لندع منتدى إعادة الأموال المنهوبة من ''دول الربيع'' يناقش ويبحث. إنه لا يزال في طور تشكيل اللجان! وفي مرحلة استيعاب القوانين والإجراءات في البلدان التي ''حطت'' فيها هذه الأموال، والتي لا تزال تستقطب المزيد منها. ولنضع جانباً بيانات التنديد والتهديد الصادرة عن عدد من دول المنتدى المذكور. هناك دول عربية (بينها خليجية) تستحوذ على كميات هائلة من الأموال المنهوبة. هذه حقيقة أكدها في أكثر من مناسبة علي المري المحامي الخاص للأمم المتحدة المكلف بملف استرداد الأموال المنهوبة. ولكن مهلاً، هذه الدول لم تكن مع الأنظمة المخلوعة ولا مع نظام سفاح سورية بشار الأسد السائر إلى الخلع، إنها ''مؤيدة'' للثورات، ولـ''حقوق'' الشعوب التي قامت بها من أجل عيش كريم، وعدالة مستحقة. والدول العربية هذه، كانت تكدس للناهبين هذه الأموال، حتى قبل أن تندلع الثورات.
ليست مفارقة، أن الثورات رفعت من وتيرة تهريب الأموال المنهوبة، إلى بعض الدول العربية. وهنا تتضح الصورة أكثر. فهذه الدول دعمت الثورات المشروعة لأنها تولد لها أموالاً غير مشروعة، عن طريق تهريبها كلها قبل سقوط الأنظمة الناهبة لها. ولا مانع من رفع أعلام الثورات، طالما أنها تغطي عمليات تمرير الأموال وناهبيها أيضاً. لا يهم ما يقوله المسؤولون عن ملف الأموال المنهوبة، طالما غاب الضغط عن الدول الحاضنة للأموال القذرة، ولا توجد مؤشرات تدل على أن توجهاً ضاغطاً سينطلق في هذا الاتجاه. إنها أموال تغني أصحابها الحقيقيين الشرعيين عن أي مساعدات أو معونات عربية ودولية، وقادرة على توفير السند اللازم لهذه الدول في مرحلة التحول والانتقال إلى حالة الاستقرار المنشود. وبعض الذين يقفون مع الثورات واستحقاقاتها ويكدسون أموالاً منهوبة، مثل اللص ''الجميل'' الذي لو أمِنت له، سيأخذ ما يمكنه من أسنانك في أول قبلة.
هذه الأموال ليست مكدسة في خزائن أو ''تحت البلاطة''.. تجري على مدار الساعة عمليات تبييض لها في الدول الحاضنة. وهناك أشكال في غسلها، بعضها بات معروفاً، وبعضها الآخر متجدد، يصعب حتى على الدوائر المختصة بمكافحة غسل الأموال اكتشافها بالسرعة التي تضمن ضبطها. وليس سراً أن مسؤولين كبارا في الدول المعنية، يتابعون مباشرة حال هذه الأموال. فهذا الحجم من المال لا يمكن أن يدخل البلاد عن طريق مهربين أفراد أو حتى عصابات منظمة على مدى سنوات، دون معرفة السلطات نفسها. وبالتالي لا يمكن لأي مسؤول في هذه البلدان أن يدعي عدم معرفته بوجود الأموال المسلوبة. لا شك في أنهم يريدون الاستفادة منها لأطول فترة ممكنة، وهذا ما ينبغي أن يدفع الدول المؤثرة للعمل السريع من أجل وضع حد لامتصاص أموال شعوب ظُلمت وسُرقت عدة مرات. وهي في الواقع تُنهب من الخارج أيضاً. يقول المحامي الخاص للأمم المتحدة علي المري ''إن أكره شيء على المسؤولين في الدول المعنية، الحديث عن الأموال المنهوبة''.
ربما نفهم التعقيدات الإجرائية والقانونية في الدول غير العربية في مجال إعادة الأموال المسلوبة. وهي تقوم حالياً بإعادة النظر في كل هذه القوانين. لكن في الدول العربية المخزنة لهذه الأموال، الأمر مختلف، كما أن اقتصاداتها ليست متشعبة بصورة يصعب العثور فيها على الأموال المستهدفة. وإذا ما أراد المسؤولون التعاون في هذا المجال، فإنهم يستطيعون إنهاء الأمر في أيام. لكن المصيبة أن أموال الشعوب المنهوبة، دخلت بالفعل في صلب الحراك الاقتصادي، ولعبت دوراً في سند الاقتصاد، مع ضرورة الإشارة إلى أن أي تعاون مع منتدى إعادة الأموال الدولي، سيجلب معه سلسلة لا تنتهي من الفضائح. إنها معضلة، غير أن استحقاقاتها لن تمضي أدراجها هكذا. هناك الكثير من المخارج يمكن استخدامها، ويمكن احتواء ما أمكن من الآثار السلبية على الدول الحاضنة للمال القذر، لكن الأمر برمته يتطلب قراراً سياسياً على أعلى المستويات. إن البيانات المؤيدة للثورات والتحولات في ''دول الربيع''، باتت قيمتها، كقيمة بيانات سفاح سورية المؤيدة لحقوق الإنسان.






 

بطالة ثورات الربيع

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")





«أنت تقتلني عندما تسلبني وسيلة العيش»
وليام شكسبير ـــ أديب إنجليزي




كتب: محمد كركوتـــــي

يقولون، إن ربيعاً عربياً جديداً سيندلع في دول الربيع نفسها، منفجراً من شرارة البطالة فيها. وإذا كان الظلم ومعه الاستبداد والطغيان، شكل ''مصنع'' متفجرات ''الربيع''، فإن المتعطلين عن العمل سيكونون ''المصنع'' الجديد. ورغم أن البطالة تبقى محورية ''إلى جانب غيرها من المحاور'' لثورة، أو تمرد، أو احتجاج شعبي واسع، إلا أن ''الربيع'' في دول الربيع لم ينته ليبدأ غيره. والآثار السلبية له، تدخل ضمن نطاق استحقاقاته الطبيعية. فالتغيير مثل العلاج، مزعج بلا شك، لكنه حتمي بطبيعته، وضروري بناتجه، ومحوري بدوره. دون أن ننسى، أن مستويات البطالة كانت في أسوأ حالاتها، تحت حكم الأنظمة المخلوعة. صحيح أنها زادت سوءاً بعدها، لكن الصحيح أيضاً، أن العوامل التي سبقت الثورات، عمقت الآثار السلبية في فترة التغيير. فالقضية لا ترتبط ببطالة أقل، بل بوجودها الظالم في ظل أنظمة سرقت ما تستطيع من مقدرات شعوبها.
لا يمكن بأي حال من الأحوال تطبيق مقاييس البطالة في الدول الراشدة، على تلك التي تعيش حتمية التغيير. ومع ذلك، حتى في دول كإسبانيا واليونان وإيطاليا وغيرها، تأتي قضية البطالة في البند الثاني، لأن البند الأول لا مجال للالتفاف حوله، وهو ببساطة إنقاذ الاقتصاد أولاً، ودون هذا الإنقاذ، يستحيل تشغيل العاطلين، أو إدخال جدد إلى مؤسسات العمل، أو حتى تشغيل من هم في العمل فعلاً. واقتصادات دول الربيع العربي، تحتاج في الواقع إلى إعادة بناء وصياغة جديدة، أي أنها أسوأ من أن تخضع للإصلاحات، تماماً مثل الأنظمة التي شكلتها. الثورة على هذه الأنظمة، أتت من فرط اضمحلال قابليتها للإصلاح. والحكومات السيئة، تنتج بالضرورة اقتصادات سيئة، إلى جانب إنتاجها التلقائي ثقافة سيئة، وسياسة سيئة، وسمعة سيئة. تكفي الإشارة هنا، إلى إجماع المشرفين على ما يعرف بـهيئة ''إعادة الأموال المنهوبة من دول الربيع العربي''، على أن هذه الدول ليست في حاجة إلى أي مساعدات أو معونات، إذا ما استرجعت بالفعل أموالها المنهوبة.
في مصر ''حسب البيانات الرسمية والدولية''، ارتفع معدل البطالة في نهاية الربع الأول من العام الجاري، إلى 13,2 في المائة، وفي تونس إلى 16,5 في المائة، وفي ليبيا إلى 15 في المائة، وقفز في اليمن إلى 40 في المائة. ومقارنة بحالة التشكيل الاقتصادي في هذه البلدان، فإن النسب المشار إليها ''باستثناء اليمن المُنتج الأكبر للبطالة'' ليست عالية. وفي أغلبية دول العالم العربي، هناك مصيبة تشغيلية لم تصب أياً من البلدان غير العربية الأخرى. فهي الوحيدة التي يرتفع فيها عدد المتعطلين عن العمل من المتعلمين، بينما ترتفع معدلات التشغيل عند الأميين! فلا غرابة إذن، من ارتفاع عدد المتعطلين الخريجين، خصوصاً ''مرة أخرى'' في مرحلة التشكيل الاقتصادي. في هذه الدول ''كن أمياً تجد عملاً أسرع''، و''إن كنت متعلماً نتصل بك في السنوات الطويلة المقبلة''!
ستستغرق عودة التشغيل في دول الربيع العربي إلى مستوياته السابقة وقتاً، وسيأخذ وقتاً إضافياً آخر من أجل الوصول به إلى مستويات معقولة، تحاكي ما سيتم إنجازه على الساحة. وما سينجز مرتبط بالتأكيد بالاستقرار السياسي المنشود، إضافة طبعاً إلى جهود دول النيات الحسنة، التي توفر الاستثمارات والمساعدات الاستراتيجية لا التمويلية فقط. والنيات الحسنة هنا، تتعلق بعدم تسييس هذه المساعدات، كما أن من مصلحة الدول التي تشهد التغييرات الحتمية، أن تُدخل في تشكليها الاقتصادي الجديد مفهوم المساعدات التنموية لا الاستهلاكية. والمال الاستهلاكي يتحول في كثير من الأحيان إلى أعباء تبقى ملازمة للوضع الاقتصادي لسنوات، بل في أحيان كثيرة إلى الأبد. إن العالم العربي كله، يحتاج إلى 100 مليون وظيفة بحلول عام 2025، حسب تقديرات البنك الدولي. مع الإشارة إلى أن النسبة الكلية للبطالة تراوح بين 25 و30 في المائة، بينما لا تتعدى عالمياً 6 في المائة. ومنظمة العمل العربية تقدر عدد العاطلين في كل الدول العربية بـ 25 مليون نسمة، من إجمالي قوى عاملة تبلغ 120 مليون نسمة.
إن دول الربيع العربي جزء من المشهد البائس هذا، صحيح أنها الأكثر تفاعلاً في الوقت الراهن، إلا أن الخريطة العامة سيئة أصلاً. هناك بطالة أحدثتها الثورات العربية، هذا لا شك فيه، وهناك اضطرابات تتفاعل فيها، وهناك ''ألاعيب'' سياسية تستهدفها، وهناك نيات أكثر سوءاً من الأوضاع الاقتصادية تجاهها. والاستقرار ليس مطلوباً لهذه الدول، بل لدول المنطقة كلها دون استثناء، والمائة مليون وظيفة التي تحدث عنها البنك الدولي، ليست خاصة بخمس دول تشهد استحقاقات الثورات والتغيير، بل تشمل الكل. لا شك في أن تغييرات ''دول الربيع'' سوف تُستكمل بأضرارها الطبيعية ومكاسبها الحتمية. وكلما كانت هناك نيات وطنية لا سياسية سائدة، كانت مدة التشكيل الاقتصادي الجديد أقصر، وكلما تأطرت النيات العربية الصادقة ''وهي متوافرة'' بحاضن استراتيجي، تغيرت حالة البطالة إلى الأفضل، بل حالة التشغيل المضطربة إلى اتجاه بعيد عن سراديب السياسة، وآثام النيات السيئة.

الأسد .. النهب بالعقوبات أيضاً

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")
 
 
 
 
 
 
«السارق الأكبر يقود مسيرة السارقين الصغار»
ديوجين سينوب فيلسوف إغريقي
 
 
 
 
 
كتب: محمد كركوتــــي
 
السلاح الكيماوي الذي يمتلكه سفاح سورية بشار الأسد أنقذه! وفق اعتبارات ومفاهيم إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وهي تقوم على مبدأ بهذا الشكل ''اقتل بالكيماوي، ليس مهمًّا. المهم أن تسلمنا إياه''. فالجريمة ليست محل مُساءلة، إذا ما سلَّم المجرم سلاحه! وقد فعل الأسد ذلك. لا معنى للضوابط الإنسانية بهذا الصدد، ولتستقر الاتفاقيات والمعاهدات الدولية في الأدراج. مفاتيحها ''مفقودة''، ولن يتم ''العثور''عليها، قبل خروج أوباما من البيت الأبيض إلى الأبد. إنه يخفيها، ولكن دون أن يمسها! غير أن الأمر لا يقف عند غفران فظاعة الأسد الكيماوية، إنه يشمل هدايا غربية لهذا الأخير، دون أن يعترف مقدمو الهدايا بها. الدول الغربية التي أربكها الموقف الأمريكي من ثورة الشعب السوري، تخطت ارتباكاتها بسرعة مذهلة، واندمجت في''مهرجان الهدايا''! مهلًا.. لا علاقة لاقتراب موسم أعياد الميلاد ورأس السنة بالأمر. فهدايا الأطفال، ليست كهدايا السفاح.
الولايات المتحدة ومعها ملحقاتها الغربية، أطلقت الشركات والمؤسسات والمصدرين والسماسرة، لعقد صفقات غذائية مع الأسد وعصاباته. والحجة، أن الشعب السوري يواجه شُحًّا غذائيًّا إلى درجة الحرمان، وأنه ينبغي تأمين المواد الاستهلاكية الرئيسة. وفي كل الأحوال، لا تشمل العقوبات الغربية المفروضة على الأسد وأتباعه، توريد المواد الغذائية والمحروقات وغيرها من المواد الأساسية. وما قامت به هذه الدول، أنها أفرجت عن حسابات مصرفية منهوبة في غالبيتها من الشعب السوري نفسه، لتسديد ثمن الصفقات التي تُعقد مع عدد من الدول القادرة على توفير الإمدادات الغذائية المطلوبة. حتى الآن، لا يوجد في الأمر شيء. من حق الفرد السوري الذي يُقتل أن يتناول الشاي بالسكر المستورد قبل مقتله، ولا بأس من رغيف بدقيق مستورد، وطبق أرز مستورد أيضًا.. وهكذا! فالولايات المتحدة وملحقاتها، لا يقبلون الجوع للشعب السوري، وإن قبلوا بمقتله!
أين المصيبة إذن؟ يقوم الأسد وعصاباته مباشرة بإبرام عقود التمويل الغذائي لسورية، ولا يوجد فرد من هؤلاء، خارج قوائم الحظر التي أعلنتها الدول الغربية كلها، على مدار عامين، ومنعت التعامل معهم. وهذه الدول تعرف بأمر هذه الصفقات، التي وفرت مزيدًا من الأموال المنهوبة للأسد وعصابته، الذين أخذوا يحققون المكاسب المالية الكبيرة، مستغلين الإفراج عن حسابات مصرفية، هي في الواقع مجمدة؛ لأن كل ما فيها من أرصدة منهوبه. وهؤلاء في الواقع، لم يستعيدوا الأموال فحسب، بل يقومون بتشغيلها! صحيح أن جزءًا من المواد الغذائية التي تصل إلى سورية تذهب إلى عدة شرائح من الشعب السوري، في إطار تعزيز ولائها للأسد، لكن الصحيح أيضًا، أنها استعادت جزءًا من الأموال التي يفترض أنها للشعب السوري. وهي بذلك سرقت أموال هذا الشعب مرتين. دون أن تصل المواد الغذائية التي يتباكى عليها الغرب، إلى كل مستحقيها!
إن الأمر برمته لا يتطلب جهود الاستخبارات الغربية كلها أو حتى واحدة منها، لمعرفة حقيقة ما يجري، ليس فقط من تربح أفراد تتصدر أسماؤهم قوائم الحظر الغربي، ولا عدم وصول الإمدادات الغذائية إلى مستحقيها، بل أيضًا السرقة المنظمة لهذه الإمدادات. لماذا؟ لأن موظفي الأمم المتحدة الذين يشرفون على شحنات الإغاثة لسورية، أكدوا في تقارير رسمية رُفعت للأمين العام نفسه بان كي مون، بأن إمدادات الإغاثة تُباع على أرصفة الشوارع من قبل عصابات الأسد، وأن هذه العصابات لم تهتم حتى برفع شعار المنظمة الدولية عن المواد المبيعة! ليس غريبًا أن ينهب الأسد وأتباعه شحنات الإغاثة، فقد نهب مع والده البلاد كلها على مدى أكثر من أربعة عقود، الغريب أن الدول الغربية التي أطلقت الأموال لتجري في أيدي هؤلاء، لم تكلف نفسها، ولو بتصريح رسمي يتيم، يفضح (ولا أقول يمنع) ما يجري. فالمعلومات التي وصلت إليها، لم تأت من المعارضة، أو من حكومات مناوئة للأسد، بل من موظفين تابعين للأمم المتحدة نفسها! لا شك أن الغرب مشغول بتفكيك أسلحة الأسد الكيماوية، ولا وقت لديه لأمور ''تافهة'' مثل بيع كيس من السكر على رصيف دمشقي.
لقد ظهرت على السطح- كما تجمع من معلومات- شبكة تجارية سرية، صحيح أنها تستخدم– كعادتها- أسماء مختلفة وجهات جديدة، لكن من السهل تحديدها؛ لأن تتعاطى مع جهات في الخارج، يمكن منعها من قبل الحكومات الغربية - إذا ما رغبت - من التعاطي مع هذه الشبكة الدنيئة، التي تسرق المسروقات عدة مرات! الأسماء هي.. هي، رامي مخلوف، أيمن جابر، عبد القادر صبرا، وعدد من اللبنانيين والعراقيين والإيرانيين، كلهم موضوعون على قوائم الحظر الغربية، لقد عادوا إلى الواجهة. ولا غرابة في أن يبتكر باراك أوباما الفَرِح بكيماوي الأسد، تبريرًا يتلخص في أن حاجة توفير الغذاء في سورية تبيح التجاوزات! بل ربما سيطلب من أحد معاونيه أن يؤكد أنه لا مناص من التعامل مع هذه العصابة الإجرامية التي توفر الغذاء! إنها الصيغة الرهيبة نفسها. لا بأس من ضرب المدنيين السوريين بالكيماوي، طالما أننا سنتسلم السلاح بعد ذلك!