الثلاثاء، 22 مايو 2012

كلهم في الهم غرب

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



"الديون هي عبودية الأحرار"
ببليليوس، كاتب وفيلسوف روماني من أصل سوري

 
كتب: محمد كركوتــــي
 
المكان: منتجع "كامب ديفيد" في الولايات المتحدة الأميركية. المناسبة: قمة مجموعة دول الثماني. مع نظرة ازدراء ثاقبة "محترمة"، صافح الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند جاره رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. كان يريد أن يقول له: كيف تتجرأ وترتكب خطأً، لا يرتكبه إلا القادة الأغبياء، أو في أفضل الأحول.. الهواة، عندما أعلنت "رسمياً" تأييدك ودعمك العاطفي لغريمي في الانتخابات نيكولا ساركوزي؟ عرفت مبكراً أنك لاترغب بي رئيساً لفرنسا، وإلا لكنت استقبلتني كزعيم للمعارضة في بلادي، وفق ما هو متبع عندكم، عندما زرت بلادكم. ليس مهماً ماهية رغبتك، فالشرعية لا تكون منك، بل هي من صنع الفرنسيين أنفسهم. يا جاري كاميرون، لماذا نسيت ما قاله بوب ديلان في إحدى أغنياته الشهيرة "لا تتحدث مبكراً، بينما العجلة تدور. فالخاسر الآن قد يكون الفائز لاحقاً"؟! أحسب أنك عشت شيئاً من أجواء شعره في ستينات القرن الماضي.

كان هولاند يريد أن يقول: يا "مستر" كاميرون، لا معنى لتبرير، ربما ترغب في إخراجه، كما لا معنى لأن أستمر فيما أقوله لك. الشيء الأهم الآن وغداً، هو كيفية تنفيذ خطة إنقاذ، تسمح لقارتنا (أوروبا) أن تتنفس "تحت الماء" دون أن تغرق. لنتمسك بالشطر الأول من بين نزار قباني الشعري، ولندع العشاق يغرقون، فنحن لسنا منهم. أضف إلى ذلك، أننا لا نتمشى في طريق العشاق هنا. نحن في "كامب ديفيد" وأنت تدرك (بالتأكيد) ما "كامب ديفيد". نحن نريد حلاً جامعاً لكارثة ومصيبة وهم الديون، لا حلاً منفرداً كما حدث في نفس المكان في سبعينات القرن الماضي. علينا أن نستغل وجود رئيس أميركي، اعتبر الإشراك آلية من آليات الحلول، لكل المشاكل الاقتصادية والسياسية أيضاً. دعك من جيمي كارتر الذي كان يريد حلاً بأي صورة، ولنترك بيل كلنتون الذي رغب بالحل بأفضل الصيغ، وبالطبع دعنا من جورج بوش الابن، الذي سعى لحل "مُمشكل"، لتلك القضية العربية المحورية، المنزوية في أحد أركان "كامب ديفيد". بالمناسبة يا "مستر" كاميرون هل عثرت عليها في نزهتك الصباحية (أو المسائية) هنا؟ لقد فشلت وفريقي في تحديد مكان اختفائها.

كان هولاند يريد أن يقول: يا رئيس وزراء حكومة "الرأس ونصف" في بريطانيا، اعذرني، ما كان علي أن أستعيد في "كامب ديفيد" حتى ذكريات المنتجع، لأننا في مصيبة حقيقية، تجعلنا أصغر مما كنا، تعيدنا صفاً أو صفين (أو ربما ثلاثة صفوف)، في كل القاعات التي تصدرنا مقاعد الصف الأول فيها، على مدى أكثر من ستة عقود، وقبلها قرون بأشكال مختلفة.. احتلال، انتداب، وصاية، علاقات خاصة جداً. لنترك الذكريات، إلى ما سيصبح ذكريات حاضرة إلى سنوات (بل عقود). لقد أتينا إلى "كامب ديفيد" ويستحق على اتحادنا (الاتحاد الأوروبي) 11 ألف مليار دولار أميركي، لا زيمبابوي ولا اكوادوري ولا فيجي. عذراً لقد أخطأت، هذه الأموال الهائلة هي ديون على دول منطقة اليورو، وليس الاتحاد، ولكن أليست بريطانيا (غير "اليوروية") مدينة بأكثر من 1500 مليار دولار أميركي؟ إذن.. كلنا في الهم غرب.

كأن هولاند يريد أن يقول لـ "المستر" كاميرون: ألم تقف ضد صديقك (ساركوزي) الخاسر أمامي، عندما طرح وزملائه الأوروبيين خطة الضبط المالي، من أجل المساعدة في تخفيف جبال الديون عن منطقة اليورو خصوصاً والاتحاد الأوروبي عموماً. لا غرابة إذن، في وقوفك ضد فرض ضرائب على التحويلات المالية، من أجل تحقيق الهدف نفسه. ألم تهدد باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد فرض ضريبة كهذه في مختلف أنحاء أوروبا؟ لقد ذكرتني بفلاديمير بوتين الذي يرفع سيف الفيتو الروسي في مجلس الأمن، من أجل حماية سفاح سورية بشار الأسد، مع اختلاف الحالة طبعاً، ومع اتفاقنا (ربما الوحيد) على همجية هذا السفاح. كأن هولاند يقول لكاميرون: كنا جميعاً في سفينة واحدة لا تقهر، تصارع الأمواج مهما علت.. تكسرها على جوانبها، لكننا في ظل مصائبنا الاقتصادية-المالية، أصبحنا في قارب، لا يصمد أمام موجة "لطيفة" واحدة. وعندما "يتعولم" الهَم، لا معنى للوطنيات، فكيف الحال والهَم محصور بصورة لا تشبهها أخرى في قارتنا؟! عليك ألا تنسى، أن قادة هذه القارة الذين "تواجدوا" في الأزمة الاقتصادية العالمية، سقطوا الواحد تلو الآخر، وكان آخرهم صديقك ساركوزي. حسناً، لم تكن منهم، ولكن لا غرابة في أن تنضم إليهم، ومعك من؟ معك أنا شخصياً.

كأن هولاند يريد أن يقول لكاميرون: لم نرتكب الأزمة الكبرى، ولكن قبلنا أن نرثها. دعك من الحب الغائب والمودة المفقودة بيننا. ورغم أنك لست "ثاتشرياً" –نسبة لمارجريت ثاتشر- تماماً، إلا أنك لا تزال تؤمن بأن إنقاذ الدول من أخطاء كارثية ارتكبتها حكوماتها، يبرر عصر مواطنيها معيشياً. لكنني أرى عكس ذلك. علينا أن نعصر الحكومات، ونخفف عن الشعوب. يكفي أن مواطنينا يسددون فواتير "سلع" قاتلة، لم يشترونها أصلاً.

الاثنين، 14 مايو 2012

عقوبات موحدة ضد اقتصاد الشر

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




"أهمية عدم التعاون في الشر، هي بأهمية التعاون في الخير"
الزعيم الهندي ماهاتما غاندي

 
كتب: محمد كركوتــــي
 
لا يختلف التعاون بين نظام سفاح سورية بشار الأسد، ونظام الملالي في إيران من حيث الجوهر، عن التعاون الذي صبغ العلاقة بين نظامي النازي الألماني أدولف هتلر والفاشي الإيطالي بنيتو موسولوني. فالتعاون الأول (كما الثاني) هو ببساطة "تعاون الشر"، وبصورة أوسع، هو تعاون من أجل القتل والتدمير وارتكاب الفظائع. والأول، هو تعاون مريع لبسط نفوذ إيراني خبيث، على المنطقة العربية كلها. وليس أفضل من أداة عربية مساعدة لتحقيق هدف وُضع أصلاً على أمل إنجازه منذ أكثر من 3000 سنة. وفي المجمل، فالثنائي الأسد-خامنئي، هما نسخة حديثة متطورة في الأدوات للثنائي هتلر- موسوليني، مع الفروقات الجغرافية والتاريخية، وشيء من السياسية. وكما كان ينقص هذين الآخيرين إعلان الاتحاد بينهما، كذلك الأمر بالنسبة للثنائي الآخر، بصرف النظر عن طبيعة التعاون التي وصلت إلى المستوى الاتحادي، دون إعلان رسمي، خصوصاً عندما يكون هذا الإعلان.. تحصيل حاصل.

قبل الإمدادات المالية الإيرانية المباشرة للأسد لمساعدته على استكمال حرب الإبادة التي يشنها ضد الشعب السوري، في ظل تقاعس دولي وسط "جحيم" لا حدود له، "صنعته" حرب الكلمات التي تشنها دول أعلنت صداقتها لهذا الشعب! كانت هناك إمدادات القتل بتوريد قُطاع الطرق والمرتزقة الذين ما أن يصلوا إلى سورية، حتى يحصلون على وظيفة "شبيحة"، ومعها يأتي خبراء قتل الأبرياء فقط. وبعدها جاءت اتفاقية التجارة الحرة بين نظامي طهران ودمشق، وفي سياقها انتعش التهريب ونمت معه الصفقات التجارية الالتفافية على العقوبات الأميركية والأوروبية والعربية، وانتعشت عمليات المقايضة. وقبل هذا وذلك وفر نظام الملالي الملاذ الآمن للأموال المنهوبة من الشعب السوري، بما في ذلك الذهب، بل وحتى تسهيلات بتخزين النفط السوري المنهوب. ولا شك في أنه سيوفر ملاذاً آمناً للأسد وعصاباته عندما يسقطه السوريون. والذي لا يرى بأن سقوطه هو مسألة وقت، فهو بالتأكيد يعيش وهم التمنيات، أو أنه لا يتابع إلا القنوات الفضائية الأسدية، التي تنقل كاميراتها مشاهد من قلب المدن السورية تصاحبها موسيقى حالمة، تُستخدم عادة في مقاه يرتادها العشاق!

لا أعرف لماذا لا تهتم الدول التي فرضت عقوبات على الأسد، بصفقات شراء الحبوب التي يعقدها هذا الأخير عبر إيران؟! على الرغم من أن العقوبات المفروضة كلها لا تطال المواد الغذائية الأساسية. فقد فُرضت أصلاً للتضييق على الأسد وعصاباته، على أمل أن يتوقف عن قتل شعبه، وبالتالي فإنها لا تستهدف الشعب على الإطلاق. وهذه الصفقات مريبة، فمن خلالها تعقد صفقات أخرى لتوريد بضائع ومنتجات تشملها العقوبات، ويتم الاحتيال بنقل الأموال، التي يفترض ألا تنقل من داخل سورية. ويستغل الأسد ومعه إيران، ثغرات عدة في هذه العقوبات، بما في ذلك عدم إقدام الدول التي فرضتها، على ربط مباشر بين مؤسسات وشخصيات سورية وإيرانية. والأمر أيضاً ينطبق على مؤسسات وشخصيات لبنانية وعراقية، وكلها توفر قنوات احتيالية خطيرة، تخفف من إحكام الطوق الاقتصادي حول عنق الأسد وعصاباته.

لقد ارتفع حجم التبادل التجاري المعلن بين دمشق وطهران منذ انطلاق الثورة الشعبية السلمية العارمة في سورية، إلى معدلات كبيرة وسريعة جداً، يفوق مرتين حجمه على مدى عقد كامل من الزمن، رغم العلاقات الخاصة والخبيثة التي ربطت النظامين الحاكمين في البلدين. وفي أوج الثورة السورية، والحصار الاقتصادي المفروض على الأسد، وجد هذا الأخير مساحة لإقامة معرض للمنتجات السورية في إيران، شاركت فيه 300 شركة سورية! وعلينا أن نتخيل فقط الثغرات التي أحدثها هذا المعرض في العقوبات، ناهيك عن الصفقات السوداء المباشرة وغير المباشرة التي تمت بين الطرفين، والتي تتم في مرحلة لاحقة بين إيران وأطراف أخرى. ورغم أن إيران نفسها تخضع لسلسلة من العقوبات الدولية عليها بسبب برنامجها النووي الخطير، إلا أنها لا تزال تستطيع أن توفر "أوكسجيناً" اقتصادياً للأسد. وتكفي الإشارة هنا إلى الشركات الوهمية (والأفراد) التي تعمل لحساب نظام الملالي حتى في قلب الدول الغربية "الثائرة" اقتصادياً عليه.

قبل الثورة السورية، كان يجمع كلاً من دمشق وطهران اقتصاد خاص بنظامين لا بشعبين، وبعدها أصبح اقتصاد خاص بإنقاذ نظام وقتل شعب كامل. وإذا كنا نستطيع تمرير صفقات الحبوب –رغم الشكوك فيها- كيف يمكن (على سبيل المثال) تمرير إمدادات نظام الملالي للأسد بالديزل (أو المازوت)، مقابل تصدير هذا الأخير البنزين إلى إيران؟! والأمر نفسه ينطبق على كل الواردات التي توفر دعماً مباشراً لسفاح سوريا لمواصلة حرب الإبادة.

الذي تشكل بين طهران ودمشق بعد الثورة، اقتصاد الهلاك أو الشر. وهو اقتصاد لا يقل خطورة عن استمرار بشار الأسد في سلطة لم يستحقها في يوم من الأيام. والعقوبات المطلوبة ليست تلك المتعددة الجولات فقط، بل تلك التي تستهدف اقتصاداً واحداً لنظامين متجانسين في الشر.

الاثنين، 7 مايو 2012

الفقر في سورية "ابن" 42 عاماً

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")


"الفقر هو أب الثورة"
سقراط فيلسوف إغريقي

كتب: محمد كركوتـــي
 
لو كان سقراط على قيد الحياة، وتابع ما يجري على الساحة السورية، لأضاف كلمة الإجرام إلى الفقر ليكونا معاً والدا الثورة. ولو أراد أن يوسع من مقولته في الحالة السورية، لأضاف إلى الكلمتين، الظلم والقمع والاستبداد والتعذيب والتنكيل، والفصل الطائفي وسرقة المال العام، واستئثار أسرة مجرمة واحدة وتوابعها من الأقربين والمقربين بمصير أمة بأكملها. بل ربما اختصر الأمر وقال: "الأسد هو مُلهِم الثورة ضده". والأسد الابن (كما الأب) احتضن كل سبب يمثل أب وأم وأخ وعم وخال الثورة. أليست أسرة اختصرت وطناً فيها لأكثر من أربعة عقود؟ أليست عائلة ملَكت نفسها حياة أمة بتاريخها وحاضرها، وسعت إلى تسجيل مستقبلها باسمها؟ ربما يأتي ماقالته ماما تيريزا، أكثر توافقاً مع الحالة السورية مما قاله سقراط، عندما اعتبرت "أن الفقر هو أسوأ أشكال العنف". تذكرت الكاتب والأديب الأميركي مارك توين، في مراجعتي اليومية لمؤشر تقاعس المجتمع الدولي، حيال الثورة السورية الشعبية السلمية العارمة التي انطلقت لإسقاط نظام الأسد الوحشي في سياق دفاعها عن الإنسانية، عندما قال:" تذكر الفقر.. إنه لا يكلفك شيئاً".

سأحاول هنا تذكير حكومات الدول التي أعلنت صداقتها للشعب السوري، بالفقر الذي منهجه الأسد الأب والابن، بل ويحاول الابن بائساً يائساً أن يستثمره بعد الثورة للتحايل على العقوبات العربية والأميركية والأوروبية، التي جففت بعضاً من منابع التمويل المالي له. يريد هذا النظام الناهب لكل شيء استغلال الذين فَقَرهم حتى ما بعد فقرهِم! ولذلك أوعز إلى أحد اتحادات العمال (الاتحاد المهني لنقابات عمال الكهرباء والصناعات المعدنية) التابع له، لإصدار تقرير اقتصادي حول الفقر في سورية، تضمن مجموعة من الأرقام، لو صدرت في أي دولة يحكمها نظام شرعي، لسقط النظام قبل أن ينتهي الناس من قراءة التقرير. ولتعرض أركان النظام أنفسهم إلى التحقيق، وربما للمحاكمة. فلا يمكن أن تكون أرقام الفقر في بلد ما بهذا المستوى المرتفع، إذا لم يسبقها فساد وسرقة ونهب وظلم واستحواذ من جانب النظام والمقربين منه. وطبقاً لهذا التقرير المريع، فإن نسبة الفقراء وصلت إلى 41 في المائة، وأن الخطة الخمسية العاشرة التي هدفت إلى خلق 625 ألف فرصة عمل جديدة للنصف الأول من عمرها، لم توفر –حسب التقرير المشكوك فيه دائماً- سوى 277 ألف فرصة. وفيه أيضاً أن نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر الأعلى تصل إلى 30 في المائة (2052 ليرة سورية شهرياً) في حين تصل نسبة خط الفقر الأدنى الى 11 في المائة (1458 ليرة شهرياً). وفي محاولة مفضوحة لمنح هذا التقرير بعضاً من المصداقية، أورَد "أن الحكومة لم تتمكن في خطتها الخمسية العاشرة (2006- 2010) من تخفيض هذه النسبة". غير أن الأرقام الحقيقية للفقر وللذين يعيشون فقراً مدقعاً بكل أشكاله المرعبة وتداعياته الفظيعة، ليست كذلك على الإطلاق. فنسبة خط الفقر الأعلى تصل على الأرض (وليس في التقارير) إلى 50 في المائة، أما نسبته في حده الأدنى فقد بلغت –طبقاً لمصادر محايدة ومعلنة- 17 في المائة. وهذا يعني أن 67 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، أو ما يعادل 13 مليون نسمة تقريباً، من مجموع عدد السكان. وهذا كله ليس ناتجاً عن العقوبات المفروضة على نظام الأسد الهمجي، بل يرجع إلى سلسلة من المراحل التي مر بها الاقتصاد السوري منذ العام 1970 (أي منذ وصول الأسد الأب إلى الحكم بطريقة غير شرعية)، وكانت –كما أشرت في مقالات سابقة لي- على الشكل التالي: "اقتصاد التفقير" و"اقتصاد الفقر ومادونه"، و"اقتصاد التشبيح".

فالفقر في سورية ليس وليد عام أو عامين أو حتى عشرة أعوام، إنه في الواقع "ابن" 42 عاماً. ولأنه ممنهج لا تنفع معه أية خطة للحد منه، وقد فشلت كل الدراسات والمخططات التي وضعتها المؤسسات الاقتصادية الدولية الحكومية والمستقلة، في الوصول إلى أفضل علاج للفقر في سورية، لأسباب عديدة، في مقدمتها بالطبع الفساد والسرقة، وعدم تكافؤ الفرص، والمحسوبية الممأسسة في توزيع الحصص وفرص العمل. وسورية التي يحكمها نظام فريد في وحشيته، هي أيضاً فريدة في فقر مواطنيها. فقد نما هذا الفقر في حالتين اقتصاديتين متضاربتين. الأولى: عندما كان الاقتصاد مغلقاً على كل الشعب، لم تنفع كل المفاتيح لفتحه. والثانية: حين أصبح مفتوحاً على مجموعة "انتخبت" نفسها لتستحوذ على كل ما في. ولعل تكرار التذكير بالحقيقة المفزعة بأن شخصاً واحداً هو رامي مخلوف (ابن خال نظام سفاح سورية) يملك ما بين 60 و65 في المائة من هذا الاقتصاد، توفر الكثير من الكلمات والتحليلات والدراسات، وتختصر قصة اقتصاد كان الأفضل على الإطلاق بين الاقتصادات الإقليمية قبل اغتصاب سورية من عائلة الأسد وتوابعها. بل كان الأكثر مرونة في التناغم مع الاقتصادات العالمية الكبرى والصغرى. يقول أحد الشعراء :" تعجبين من سقمي.. صحتي هي العجب"! فلا عجب في أن يكون أكثر من نصف السوريين تحت خط الفقر.